يواجه اللبنانيون عاصفة غلاء تضرب مختلف المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، وسط توقعات بأن تزداد قوة في الأيام المقبلة على وقع الارتفاع الكبير والسريع لسعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي تخطى عتبة 73 ألف ليرة لبنانية، أمس الثلاثاء.
وفي وقتٍ تستعد المتاجر للتسعير بالدولار بناءً على قرار وزارة الاقتصاد والتجارة، كان لافتاً بلوغ سعر كيلوغرام البصل 70 ألف ليرة وتجاوزه في بعض المناطق اللبنانية 75 ألف ليرة، بينما كان لا يتخطى قبيل اندلاع الأزمة الاقتصادية عام 2019 نحو ألف، و9 آلاف ليرة يوم كان الدولار بـ30 ألف ليرة، الأمر الذي جعل منه مادة دسمة على مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث تحوّل إلى ترند عبر "تويتر"، تفاعل معه الناشطون بغضب وامتعاض ممّا وصلت إليه الحال في البلاد، وجعلت أبسط المواد الأساسية بسعر الكماليات.
وبعد تواصل "العربي الجديد" مع رئيس تجمّع المزارعين والفلاحين في البقاع إبراهيم ترشيشي أوضح أن "هناك كميات كبيرة من البصل كانت موجودة في السوق اللبناني ومخزّنة يفترض أن تبقى حتى إبريل/ نيسان المقبل، وكان الطن يباع بـ400 دولار، فأتى تاجر واشترى البصل من كل المزارعين في لبنان، وحمّله إلى ليبيا، التي تعاني من أزمة، الأمر الذي أدى إلى تراجع الكميات التي تشغل السوق المحلي اللبناني".
وأضاف ترشيشي: "هناك أيضاً أزمة بصل في الهند وباكستان، وتعدّان منبع البصل في العالم، وذلك من جراء السيول والأمطار التي ضربت المحصول، وانعكس ذلك على غالبية دول العالم، فعلى سبيل المثال وصل طن البصل في تركيا إلى 700 دولار، أي الكيلو بـ 70 سنتاً، أما في مصر التي نستورد منها كميات من البصل، عندما يخف الإنتاج لبنانياً، فارتفع الطن عندها من 150 دولاراً إلى 200 ثم 400 دولار، والأمر نفسه في سورية، وقد وصل سعر كيلو البصل إلى دولار".
وتابع أن "سعر كيلو البصل في لبنان أصبح اليوم يقارب الدولار، وهذا أمر غير معتاد، ولا يمكن للمستهلك أن يتحمّله". لكن توقع أن تنخفض الأسعار في الفترة المقبلة إلى ما بين 35 و40 ألف ليرة للكيلوغرام، موضحاً أن هناك كميات كبيرة ستصل إلى لبنان ابتداءً من السبت المقبل لتكفيه حاجته.
ولفت إلى أن إنتاج البصل الجديد يبدأ في لبنان مطلع مايو/ أيار المقبل ويستمر حتى 30 سبتمبر/ أيلول أو مطلع أكتوبر/ تشرين الأول، لنشهد انخفاضاً للسعر، ويعاود مساره الطبيعي على خطى 200 إلى 250 دولاراً أو 300 دولار كحد أقصى للطن.
من ناحية ثانية، يربط ترشيشي ارتفاع أسعار الخضار عامة، أولاً بارتفاع سعر صرف الدولار في لبنان، وثانياً بالعامل المناخي، الذي يرتد على بيوت البلاستيك الزراعية التي تتأثر بدرجات الحرارة، فعندما تنخفض درجات الحرارة يخفّ الإنتاج والعرض في السوق، وبالتالي يكثر الطلب ويزيد السعر، وعندما ترتفع درجات الحرارة يعود الإنتاج ويزيد أكثر وتعود الأسعار لتأخذ معدلها الطبيعي.
لكنه يؤكد أن الوضع كارثي على المستهلك والمزارع في الوقت نفسه، ما دام الدولار يسجّل مزيداً من الارتفاع، فالعملة الوطنية فقدت قيمتها، ولم يعد أحد يتعامل بها في المجتمع اللبناني، إلا القطاع الزراعي، رغم أن المزارع يتكبّد الكثير ويدفع كل مستلزماته الزراعية بالدولار.
بدوره قال منير، وهو صاحب محل للخضار في بيروت، لـ"العربي الجديد"، إن أسعار الخضار أصبحت خيالية، لم يسبق له أن شهد مثل هذه الأسعار، الأمر الذي يؤدي إلى ضرب القدرة الشرائية للمواطن بالكامل، لافتاً إلى أن اللبناني الذي كان يشتري بـ"الكيلوهات" ويحمّل الأكياس من الخضار والفواكه، بات اليوم يشتري بالحبّة، والزبائن الذين كنا نراهم يومياً أصبحوا يقصدون المحلّ مرة في الأسبوع.
وأضاف: "نضطر إلى رفع الأسعار في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار، وتعاملاتنا كلها بالعملة الأميركية، ولكننا نتعرض لخسائر كبيرة باعتبار أن الزبائن مع مرور الوقت يخفّ عددهم، ويتراجع كلما تفاقمت الأزمة".
ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة فإن "الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة الوطنية والزيادة غير المسبوقة في أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية، تجعل مليوني شخص بحاجة إلى المساعدة في لبنان". وأشار على سبيل المثال إلى أن كيلو البصل ارتفع بنسبة 7380% منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أي تاريخ بدء الانهيار النقدي والاقتصادي في لبنان.
وفقدت العملة المحلية في لبنان منذ عام 2019 أكثر من 90% من قيمتها، وسط زيادة مستمرة في أسعار المواد الغذائية، ما جعل الأمن الغذائي مصدر قلق بالغ، مع عدم تمكن معظم الأسر من الحصول على ما يكفيهم من المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية.
وتتفاقم معاناة اللبنانيين والأسر المقيمة في الدولة مع دخول البلاد مرحلة الدولرة شبه الشاملة، علماً أن غالبية اللبنانيين يتقاضون أجورهم ومداخيلهم بالليرة اللبنانية، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تراجع قدرتهم الشرائية. ويشكو المواطنون من ارتفاع عشوائي في أسعار السلع والمواد الغذائية مع فارق في التسعيرات المعتمدة بالدولار ولسعر الصرف، وسط غياب الثقة بالتجار، وقلة الرقابة، بحيث إن السلعة نفسها تختلف تسعيرتها من متجر إلى آخر بحوالي 20 إلى 30 ألف ليرة لبنانية.
وتتريّث وزارة الاقتصاد ببدء تنفيذ قرار التسعير بالدولار في ظلّ انقسام كبير في الرأي بين معارضين لهذه الخطوة ومؤيدين لها، خصوصاً أنّ أيّ خطوة ولو كان الهدف منها صالح المستهلك، بيد أنها تنقلب عليه لتصبّ في مصلحة التجار عند غياب الرقابة الجدية والميدانية الشاملة، وفق خبراء اقتصاد.