أسعار المعادن تواصل ارتفاعها... والدول العربية تتحمل التكلفة

30 سبتمبر 2024
النشاط الصناعي يزيد الطلب على المعادن - مصنع في ألمانيا 21-4-2022 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ارتفاع أسعار المعادن وتأثيراتها العالمية: شهدت أسعار المعادن ارتفاعاً ملحوظاً بسبب التوترات الجيوسياسية وزيادة الطلب، مما أثر على الاقتصادات العالمية، وخاصة الدول العربية.
- واردات واستخدامات المعادن في الدول العربية: تعتمد الدول العربية على استيراد المعادن من الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، وتستخدمها في البنية التحتية والطاقة المتجددة والصناعات الثقيلة.
- التداعيات الاقتصادية والاستراتيجيات المستقبلية: ارتفاع الأسعار أدى إلى زيادة تكلفة الإنتاج والعجز التجاري، مما دفع بعض الدول لتعزيز التعدين المحلي وتحسين كفاءة استخدام الموارد.

شهدت أسعار المعادن ارتفاعاً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، مدفوعة بعوامل اقتصادية وجيوسياسية عدة، ما ترتب عليه تأثيرات متفاوتة بالاقتصادات العالمية، وبشكل خاص الدول العربية التي تعتمد على استيراد المعادن لأغراض صناعية وتجارية.

وبدأ اليوم اجتماع "أسبوع سوق المعادن" لبورصة لندن، بحضور عدد وفير من التجار والمحللين والمستثمرين، بينما كانت الأسواق تشهد ارتفاعاً جديداً في أسعار النحاس، في وقت تواصل فيه البنوك المركزية حول العالم مراكمة حيازاتها من الذهب، في حالة أشبه بما كان عليه العالم في عام 1929.

أسباب ارتفاع أسعار المعادن

كان في مقدمة العوامل التي تسببت في ارتفاع أسعار المعادن خلال الفترة الأخيرة التوترات الجيوسياسية، بما في ذلك التوحش الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى النزاعات في العديد من مناطق إنتاج المعادن، مثل الصراعات في أفريقيا والتوترات بين الدول الكبرى، ما ساهم في اضطراب سلاسل التوريد العالمية.

وتزامنت تلك التوترات مع زيادة الطلب على المعادن من القطاعات التكنولوجية والصناعية، وخاصة على النحاس والألومنيوم والليثيوم، وهي معادن تستخدم في صناعة السيارات الكهربائية، وأشباه الموصلات، والطاقة المتجددة، وكلها صناعات شهدت نمواً مطرداً خلال الأشهر الأخيرة.

وزاد الطين بلة استمرار موجة التضخم الأعلى في أكثر من أربعة عقود، والتي واصلت إحكام قبضتها على أغلب اقتصادات العالم. وتسبب استمرار ارتفاع معدل التضخم وانخفاض قيمة العملات في بعض الأسواق الناشئة في زيادة تكلفة استيراد المعادن، مما أثر بشكل مباشر بالأسعار في الأسواق الدولية.

ومع زيادة التوترات الجيوسياسية، ومخاوف دخول الاقتصادات الكبرى في ركود، تدافع المستثمرون، بما فيهم البنوك المركزية وصناديق التحوط والعديد من المؤسسات الاستثمارية، نحو شراء الذهب والفضة، الأمر الذي ساهم في ارتفاع أسعارهما بشكل كبير.

ورغم أدائه المائل للضعف مع بداية تعاملات الأسبوع، تراجعت أسعار الذهب اليوم الاثنين، لتأخذ قسطاً من الراحة بعد صعود تاريخي، جاء مدفوعاً بتخفيف السياسة النقدية في الولايات المتحدة وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، مما وضعها على مسار أفضل ربع سنوي لها منذ عام 2020. وارتفع الذهب بنحو 13% خلال الربع الحالي، وسجلت أسعاره مؤخراً أعلى مستوياتها على الإطلاق، متجاوزة سعر 2,600 دولار للأوقية.

ويوم الخميس، ارتفعت أسعار الفضة إلى أعلى مستوياتها منذ 12 عاماً تقريباً، مقتفية أثر صعود الذهب، بفضل خفض بنوك مركزية كبرى أسعار الفائدة. وسجلت الفضة في المعاملات الفورية سعر 32.71 دولاراً، وهو أعلى مستوياتها منذ ديسمبر/ كانون الأول 2012. وصعدت الفضة أكثر من 36% حتى الآن هذا العام، وكانت واحدة من استثمارات الملاذ الآمن ومادة مهمة في التطبيقات الصناعية، إذ يحاول المستثمرون الحفاظ على قيمة أموالهم بعيداً عن تقلبات العملات والأسهم.

وشهد سعر النحاس تقلبات حادة العام الحالي، حيث دفع تدفق الاستثمارات الكبير، والضغط القوي من عمليات إغلاق مراكز البيع على المكشوف في البورصات، الأسعار إلى مستوى قياسي خلال شهر مايو/أيار الماضي، وفقاً لبيانات بلومبيرغ.

وارتفع سعر النحاس إلى حوالي 9,500 دولار للطن في نهاية سبتمبر 2024، مقارنة بنحو 8,000 دولار للطن في بداية العام، نتيجة لزيادة الطلب في صناعات السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية. أيضاً سجل الألومنيوم ارتفاعاً بنسبة 12% في الفترة نفسها ليصل إلى 2,800 دولار للطن، معززاً بزيادة الطلب في قطاع البناء والسيارات.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

ومن ناحية أخرى، شهد الليثيوم، وهو معدن رئيسي في صناعة البطاريات، ارتفاعاً كبيراً، حيث تجاوزت أسعاره 80,000 دولار للطن في نهاية الربع الثالث من 2024، مما ترتب عليه زيادة تكلفة إنتاج السيارات الكهربائية.

واردات الدول العربية من المعادن

ويعتمد العديد من الدول العربية بشكل كبير على استيراد المعادن من الأسواق العالمية، وخاصةً الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي. وكان إجمالي واردات الدول العربية من المعادن خلال النصف الأول من عام 2024 على النحو التالي:

السعودية: استوردت معادن بقيمة 4.2 مليارات دولار، حيث تركزت الواردات على الألومنيوم والحديد لتلبية احتياجات البنية التحتية الضخمة.

الإمارات: كانت وارداتها من المعادن بقيمة 3.7 مليارات دولار، مع اعتماد كبير على النحاس والألومنيوم لصناعات البناء والطيران.

مصر: استوردت معادن بقيمة 2.5 مليار دولار، أغلبها من الحديد والنحاس، لاستخدامها في الصناعات الثقيلة وصناعة الطاقة.

المغرب: بلغت وارداته حوالي 1.8 مليار دولار من المعادن، مع تركيز خاص على الفوسفات الذي يُستخدم في إنتاج الأسمدة والمنتجات الزراعية.

استخدامات المعادن في الدول العربية

وتعددت استخدامات المعادن في الدول العربية، ما بين البنية التحتية، والصناعات الثقيلة والسيارات، مروراً باستخدامات الطاقة المتجددة.

  1. البنية التحتية: تعتمد العديد من الدول العربية على المعادن في تطوير مشاريع البنية التحتية الكبرى، مثل مشاريع الإسكان والنقل. واستثمرت كل من السعودية والإمارات بشكل كبير في هذا القطاع.

  2. الطاقة المتجددة: مع تحول دول مثل الإمارات والمغرب نحو الطاقة الشمسية والرياح، ارتفع الطلب على معادن مثل النحاس والليثيوم، كونها تستخدم في إنتاج الطاقة النظيفة.

  3. الصناعات الثقيلة: تستخدم مصر والمغرب النحاس والحديد في قطاعات التصنيع الثقيلة مثل الصناعات الهندسية والإلكترونيات.

  4. صناعة السيارات: مع تزايد اهتمام بعض الدول العربية بالتحول نحو السيارات الكهربائية، ارتفع الطلب على معادن مثل الليثيوم والكوبالت، وهما عنصران أساسيان في صناعة البطاريات.

التداعيات الاقتصادية لارتفاع أسعار المعادن:

  • زيادة التكلفة على الصناعات المحلية: فقد شهدت الدول العربية التي تعتمد على المعادن المستوردة زيادة في تكلفة الإنتاج، مما أثر سلباً بالصناعات المحلية التي تستخدم المعادن مادة خام رئيسية.

  • زيادة العجز التجاري: بعض الدول العربية شهدت زيادة في العجز التجاري نتيجة ارتفاع فاتورة واردات المعادن، وهو ما دفع بعض الحكومات إلى التفكير في تنويع مصادر التوريد، أو تطوير صناعات محلية لتقليل الاعتماد على الواردات.

  • التضخم: أدى ارتفاع تكلفة المعادن إلى زيادة تكلفة المنتجات النهائية، مما أدى إلى زيادة التضخم في بعض الدول العربية، كما حدث في مصر ولبنان وتونس والأردن. وتأثرت الصناعات التي تعتمد على المعادن مثل البناء والطاقة والسيارات بشكل خاص.

ولمواجهة ارتفاع أسعار المعادن العالمية، شرعت بعض الدول العربية في اتخاذ خطوات استراتيجية لتقليل تأثير هذه الزيادات، كان أهمها التوسع في التعدين المحلي، كما فعل كل من المغرب والسعودية، اللذين بدآ في تعزيز عمليات التعدين المحلية لتقليل الاعتماد على الواردات.

وبدأت دول أخرى، أبرزها مصر والإمارات، في وضع استراتيجيات لتحسين كفاءة استخدام الموارد، من خلال العمل على تطوير تقنيات جديدة لتحسين كفاءة استخدام المعادن في الصناعة وتقليل الفاقد.

وعلى نحو متصل، سعت دول عربية إلى تنويع شركائها التجاريين، في خطوة استهدفت تقليل تأثير اضطرابات السوق العالمية في إمدادات المعادن.

المساهمون