على الرغم من تسبب العقوبات الاقتصادية الغربية في تكبيد الاقتصاد الروسي خسائر بمليارات الدولارات، ودفعها عملة الروبل وأسواق الأسهم نحو الانهيار، فإنّ الإجراءات الغربية كانت لها انعكاسات سلبية سريعة كذلك على الداخل الأميركي والأوروبي، إذ تضرب أسعار النفط والغاز المتصاعدة مختلف الشرائح الاجتماعية بقوة.
ومنذ دخول العقوبات حيز التنفيذ في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، ارتفعت أسعار المعادن والحبوب والنفط والغاز، وتراجعت أسعار الأسهم.
وفي أميركا، تراجع مؤشر داو جونز الصناعي للأسبوع الرابع على التوالي، رغم إعلان وزارة العمل الأميركية، يوم الجمعة الماضي، إضافة الشركات نحو 678 ألف وظيفة جديدة خلال فبراير/شباط، وانخفاض معدل البطالة إلى 3.8%، ليكون الأدنى منذ ظهور فيروس كورونا وانتشاره في الأراضي الأميركية.
ومع تنامي المخاوف من إخراج النفط الروسي من الإمدادات العالمية بسبب العقوبات، واصلت أسعار الطاقة، يوم الجمعة ارتفاعاتها الشاملة، إذ قفز خام برنت القياسي صوب نحو 118 دولاراً للبرميل، كما ارتفع الخام الأميركي فوق 115 دولاراً للبرميل.
احتياطيات تقدر بنحو 640 مليار دولار
وتصدر روسيا 10% من احتياجات النفط عالمياً، وتحصل أميركا على 10% من الإمدادات الروسية. وأضحت أسعار النفط المتصاعدة تضرب الداخل الأميركي بقوة، حيث تتسبب في ارتفاع أسعار وقود السيارات، ومن ثم فإنّها تضيف ضغوطاً جديدة على معدل التضخم الآخذ في الارتفاع، والذي وصل إلى أعلى مستوياته في أربعة عقود قبل الغزو الروسي بالأساس.
ويوم السبت، أشارت وكالة "بلوميبرغ" في تقرير لها، إلى أنّ متوسط سعر وقود السيارات تجاوز أربعة دولارات للغالون (3.78 ليترات) للمرة الأولى في أميركا منذ عام 2008. وسجلت أسعار وقود السيارات ارتفاعاً مماثلاً في أغلب دول أوروبا الغربية.
ورغم عدم شمول العقوبات لواردات الطاقة من روسيا، إلا أن العديد من التجار أصبحوا مترددين في التعامل مع المصدرين الروس، خوفاً من الوقوع تحت طائلة العقوبات التي يتم توسيعها كلّ يوم.
تصدر روسيا 10% من احتياجات النفط عالمياً، وتحصل أميركا على 10% من الإمدادات الروسية
كذلك اضطربت أسواق المال، بعد فرض الدول الغربية عقوبات على البنك المركزي الروسي، الذي يمتلك من احتياطيات النقد الأجنبي ما يقرب من 640 مليار دولار، كان يفترض أن يتم توظيف جزء منها في سوق الإنتربنك (المعاملات بين البنوك).
نقص في السيولة
وذكرت وسائل إعلام أميركية، أن إدارة الرئيس جو بايدن حذرت البنوك الأميركية من إمكانية حدوث نقص في السيولة بالأسواق مع البدء في فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا.
وتشير الأرقام المنشورة، والتي أكدها البنك المركزي الروسي، إلى وجود استثمارات للبنوك الغربية في روسيا، أغلبها من أوروبا، تتجاوز قيمتها 86 مليار دولار، وأن إجمالي استثمارات الأجانب في الأسهم والسندات الروسية يتجاوز 150 مليار دولار.
ورغم عدم إعلان أي بنك غربي حتى الآن الخروج من روسيا، ذكرت وكالة "رويترز" أخيراً، أنّ بنكاً واحداً على الأقل من البنوك المتواجدة في روسيا شكل فريقاً، ويعمل مع مستشارين ومحامين خارجين، لمعرفة إمكانية وطريقة الخروج من السوق الروسية في الوقت الحالي.
لكنّ مهمة البنوك الأوروبية والأميركية الراغبة في الخروج من السوق الروسية، لا تبدو سهلة، مقارنة بما أقدمت عليه بعض شركات النفط الغربية، إذ قال دان أوري، أستاذ التنظيمات المالية في كلية "كورنل" للقانون، في تصريحات إعلامية: "بالنسبة لشركات النفط، يشبه الخروج من السوق الروسية ترك المفتاح والمغادرة، بينما لا يكون الأمر بهذه السهولة للمؤسسات المالية إن أرادت اتخاذ قرار الخروج من جانب واحد".
وفي الظروف العادية، لا تستطيع البنوك الأجنبية الخروج من بلدٍ ما دون موافقة الجهات التنظيمية والبنك المركزي، مع إلزامها بالعثور على مشترٍ مستعد للاستحواذ على أصولها والتكفل بالتزاماتها.
ولا تقل معاناة البنوك التي تقرر الاستمرار في العمل في وحداتها داخل روسيا، فقد أصدر الكرملين مطلع مارس/ آذار الجاري، قراراً يحظر على البنوك الروسية إقراض الأفراد والكيانات التابعة للدول التي تقوم بأفعال عدائية.
كما سمح للشركات الروسية بدفع قيمة السندات التي تستحق للمستثمرين الأجانب وكذلك التوزيعات (الأرباح)، بالروبل، وهو ما سيكبد المقرضين الأجانب خسائر كبيرة، وفقاً لسعر العملة الحالي.