استمع إلى الملخص
- تحديات القطاع المصرفي: يعاني القطاع المصرفي من فقدان الثقة، مع سحب الأرصدة وضعف الإيداع بسبب القيود الأمنية والقانونية، مما يدفع رأس المال للتخزين المنزلي أو الهروب للخارج.
- تأثيرات اقتصادية واستثمارية: ارتفاع أسعار الذهب والدولار زاد الطلب عليهما، مع ركود في مبيعات الحلي، وتجميد الأموال بسبب الضرائب المرتفعة والقوانين الاقتصادية، مما يعيق الاستثمار المحلي.
على الرغم من ارتفاع أسعار الذهب والدولار في سورية إلى مستويات قياسية في أسواق التداول المحلية، ما زال المالك والمستثمر على حد سواء يجد فيهما الملاذ الآمن لرأس المال، والفرصة الأفضل للاستثمار بعيداً عن القيود البنكية من جهة، وعن عدم الاستقرار في القوانين الاقتصادية والسياسات الضريبية من جهة أخرى.
وقدر الخبير الاقتصادي عمار يوسف أموال السوريين المجمدة نقداً أو ذهباً في المنازل بأكثر من 200 مليار دولار، مشيراً إلى أنّ 90% من الأموال التي كان من المفترض أن تستقطبها المصارف أصبحت خارجها، ولولا تقييد الحوالات و"الكاش" لكان واقع البنوك أكثر سوءاً.
وأكد هذا الرأي أحد موظفي البنك المركزي بدمشق لـ"العربي الجديد"، معللاً ذلك بأنه منذ عدة سنوات فقدت البنوك والمصارف السورية ثقة أصحاب رؤوس الأموال، وأصبح الجميع يتعاملون معها بالكثير من الحذر، وقد شهدت في الآونة الأخيرة إقبالاً كبيراً على طلبات سحب الرصيد، قابله ضعف غير مسبوق في الإيداع، وهذا انعكاس طبيعي للمتغيرات الأمنية في المنطقة، تضاف إليها التعقيدات القانونية والاقتصادية في الاستثمارات، والتي أدت بمجملها إلى عدم الاستقرار في رأس المال وجنوحه للتخزين المنزلي أو الهروب إلى خارج البلد.
وبين الموظف أن القيود التي وضعها النظام البنكي قبل سنوات على حجم السحب اليومي والحوالات، وقيود قيمة التبادل التجاري والبيوع العقارية، وربطها إلى حد كبير بالموافقات الأمنية أو المعرفة والاطلاع على سجلات التداول من الجهات الأمنية، شكّلت بمجملها العائق الأهم أمام تدفق رؤوس الأموال وحرية التداول والسحب والإيداع، وبالتالي فقدان الثقة بين المودع والبنك.
اكتناز أموال السوريين
وبلغ سعر مبيع غرام الذهب من العيار 21 في الأسواق السورية 1.178.000 ليرة سورية، وسعر مبيع العيار 18 منه 1.009.700 ليرة، وسعر ليرة الذهب السورية وزن ثمانية غرامات أو الإنكليزية عيار 21 مع أجرة التصنيع 9.935.000 ليرة، وسعر الأونصة 43.225.000 ليرة سورية، وعلى الرغم من هذا الارتفاع في الأسعار والخسائر عند المبيع التي تصل إلى 75 ألف ليرة لكل غرام أجور تصنيع، فإن أسواق الذهب السورية لم تتوقف عن العمل، بل يعترف البعض بأنها تلقى إقبالاً على البيع والشراء كلما ارتفعت الأسعار.
وهذا ما يحصل في سوق تصريف الدولار، حيث بلغ في الأسواق الحرة 14.950 ليرة مبيعاً، و15.000 ليرة شراءً، حيث يلقى تهافتاً كما وصفه أحد التجار على الشراء وتخزينه أو إرساله للخارج.
وفي هذا الشأن، وصف الصائغ منير دحبار حركة البيع، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأنها تشهد ركوداً في مبيع حلي الزينة، تتخللها أعمال تحويل الحُلي إلى ليرات ذهبية وأونصات، وهذه الأخيرة يلجأ إليها أصحاب رؤوس الأموال حالياً، حيث يجدون فيها الطريقة الأكثر أماناً على مدخراتهم، سواء بقيت داخل البلاد أو أُرسلت إلى الخارج، والأهم من هذا أن الجميع يسعون للشراء بالليرة السورية، قاصدين تحويلها حتى ولو بخسارة محدودة إلى ذهب أو دولار.
وهذا بالمقابل يزيد ارتفاع سعر صرف الدولار ويقلل قيمة الليرة السورية، في الوقت الذي توقع فيه البعض استقراراً لأسعار الذهب والدولار نتيجة تدفق بعض رؤوس الأموال من لبنان خلال هذه الفترة، ولكن بات واضحاً أن المشكلة ليست في الطوارئ والمتغيرات، بل في الضمانات وآفاق الاستقرار الذي ما زال متعثراً في البلاد حتى اليوم.
وكان موقع "غلوبال" المقرّب من السلطة السورية قد نقل عن ياسر أكريم، وهو عضو مجلس إدارة في غرفة تجارة دمشق، تقديره للأموال المجمدة من عقارات وذهب بنصف تريليون دولار، وطالب بنقل هذه الأموال إلى استثمارات لتنشيط الاقتصاد المحلي، وأشار إلى أن الضرائب المرتفعة والقوانين الاقتصادية ساهمت في تجميد هذه الأموال وتحويلها لاقتصاد ظل، مؤكداً ما قاله الخبير الاقتصادي يوسف بوجود أكثر من 200 مليار دولار في المنازل على شكل ذهب ودولار.
وذهب المهندس نوار الحلبي، في معرض حديثه لـ"العربي الجديد" عن الأمان المصرفي والعقاري في سورية، إلى القول إن فئة محدودة من المستثمرين في البلاد تشعر بالأمان على رأس المال والمنشأة الاقتصادية أو السكنية، وهذه الفئة قادرة على تسخير القوانين والجمارك والمعابر الحدودية لخدمتها، وهو ما يضمن استمرار عملها ومشاريعها. أما فئات المستثمرين والتجار والصناعيين، فيطبقون دوماً مقولة "لا تضع البيض في سلة واحدة".
وأضاف: "نحن معرضون في أي وقت لتغيير القوانين الناظمة أو تجاوزها، أو لارتفاعات في الضرائب، وملاحقات من الضابطة الجمركية ومن المؤسسات الخدمية والأمنية، ناهيك عن الروتين في الأعمال الورقية والإتاوات والفساد. وبالمجمل لا شيء يشجع على الاستثمار، وغالباً ما حصل أن شارك المستثمر في أحد المشاريع المتوسطة أو الصغيرة وما لبثت العقبات تتوالى منذ الأشهر الأولى لبدء العمل، والتي تبدأ بقفزات في أسعار المواد الأولية والدولار وانقطاعها بين حين وآخر".