استمع إلى الملخص
- المحللون يعتبرون تأميم استثمارات ليبيا نتيجة للانقسام السياسي وعجز الدولة عن حماية استثماراتها، مما يهدد بضياع الأموال الليبية ويشجع دول أخرى على اتخاذ إجراءات مماثلة.
- استثمارات ليبيا المتنوعة في أفريقيا، بما في ذلك مشاريع فردية ومشتركة وخيرية، تواجه تحديات بسبب الانقسام السياسي والاستيلاء على الأصول، مما يضع مصير هذه الاستثمارات في مهب الريح.
حوّل الانقسام السياسي الذي تشهده البلاد منذ سنوات أموال ليبيا المبعثرة في الخارج إلى مصدر لمطامع الكثير من الدول والمؤسسات الأجنبية، بسبب ضعف المتابعة من الحكومات المتعاقبة لمصير الأموال.
وبعد تعرّض أصول واستثمارات ليبية في القارة الأوروبية لمحاولات مصادرة على مدى سنوات سابقة، تواجه أصول واستثمارات أخرى حالياً ذات المصير، ولكن في القارة الأفريقية. وفي خطوة مفاجئة، أعلنت حكومة المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو أواخر مايو/ أيار الماضي، تأميم المصرف العربي الليبي للتجارة والتنمية (باليب) الذي أنشئ بموجب اتفاقية شراكة بين البلدين عام 1984، زاعمة أنها "تهدف إلى ضمان حوكمة أفضل للبنك".
واعتبرت حكومة بوركينا فاسو في بيان أنه "بعد أربعة عقود ما زال البنك يواجه صعوبات كبيرة لا تسمح له بمواصلة العمل وتحقيق أهدافه. وعلى مر السنين لوحظ عدم كفاية الدعم للبنك من طرف الجانب الليبي". وعلى الفور، عارض الجانب الليبي ذلك الإجراء في بيان صدر عن المصرف الليبي الخارجي، صاحب الاختصاص، الذي اعتبر فيه قرار السلطات المؤقتة في بوركينا فاسو "إجراءً غير قانوني".
وأوضح البيان أن "قرار بوركينا فاسو الذي اتخذته بحجة إلغاء الاتفاقية السياسية التي أسست للمصرف عام 1984 برأسمال يبلغ 18 مليون دولار مناصفة بين البلدين، إجراء أحادي الجانب". وفي السياق نفسه لردة الفعل الليبية الرافضة أيضاً، أصدرت لجنة الخارجية بمجلس النواب بياناً الأربعاء دعت فيه "سلطات بوركينا فاسو إلى التراجع عن قرارها من أجل التوصل إلى حل يحقق مصالح البلدين".
وفي حال عدم التوصل إلى تسوية، هددت اللجنة البرلمانية الليبية "باللجوء إلى القضاء الدولي لإبطال قرار التأميم"، محذرة من أن "هذه القضية قد تؤثر سلباً في العلاقات بين البلدين وتدفع ليبيا إلى مراجعة استثماراتها في أفريقيا". وعبرت اللجنة البرلمانية عن بالغ قلقها على "مصير الاستثمارات الليبية في إفريقيا بشكل عام، وفي منطقة الساحل وجمهورية بوركينا فاسو بشكل خاص".
أموال ليبيا واستثماراتها
يرى المحلل الاقتصادي الليبي علي جابر الزليطني، أن "تأميم بوركينا فاسو لأحد الاستثمارات الليبية الخارجية حدث مأساوي". وفي حديث لوكالة الأناضول، اعتبر الزليطني أن "الخطوة كانت نتيجة مباشرة لما آلت إليه ليبيا خلال أكثر من 10 سنوات من تجميد الأصول الليبية بالخارج، وعجز الدولة المنقسمة سياسياً عن متابعة ودعم وإدارة استثماراتها بالخارج".
وأكد الزليطني أن "الانقسام السياسي والمؤسساتي الذي تشهده ليبيا، يُعَدّ خطراً كبيراً على مصير استثمارات البلاد الخارجية". وتابع: "إن لم تستطع الدولة حل إشكالية إدارة استثماراتها، فإن هذه الخطوة ستشجع الكثير من الدول للحذو حذو بوركينا فاسو، وهو ما يعني ضياع وهدر أموال ليبيا المستثمرة في الخارج".
أموال ليبيا في مهبّ الريح
أما الباحث الليبي في الشؤون الدولية، مروان نتفه، فقد أوضح أن "النظام الليبي السابق كان يولي أهمية كبيرة للاستثمار في أفريقيا". وأكد وجود "مشاريع ضخمة أطلقتها ليبيا في القارة السمراء، فضلاً عن مساهمات ليبية كبيرة في مصرف الساحل والصحراء الأفريقي، وشركات الاتصالات، وتوزيع المحروقات في 25 بلداً بالقارة". تلك الأصول والاستثمارات الليبية في أفريقيا، يؤكد نتفه، "تُعَدّ في مهبّ الريح"، وذلك بسبب انقسام البلاد.
ماذا تملك ليبيا؟
وبالحديث عمّا تملكه ليبيا في أفريقيا، قسّم نتفه ذلك إلى ثلاثة أجزاء، قائلاً إن "أولها استثمارات ليبية عبارة عن مشاريع فردية تعود بالفائدة على الدولة الليبية عبر جني الأرباح". وثانيها "مشاريع ليبية مشتركة مع دول أفريقية تساهم فيها ليبيا بنسب متفاوتة بين 20% إلى 50%، وهي استثمارات تعود بالربح والفائدة على ليبيا والدولة المضيفة لتلك المشاريع". أما الجزء الثالث، فهو "عبارة عن مشاريع ليبية أطلقها النظام السابق المتمثل بشخص معمر القذافي، وهي مشاريع خيرية تدفع فيها ليبيا أموالاً دون الحصول على أية منافع".
ما مصير أموال ليبيا؟
وعن مصير الأجزاء الثلاثة مما تملكه بلاده في أفريقيا، يقول نتفه عن الجزء المشترك إن "تأميم الاستثمار المشترك بين ليبيا وبوركينا فاسو لم يكن المحاولة الأولى للاستيلاء على الأصول والأموال والممتلكات الليبية في أفريقيا". أما ما يخصّ الاستثمارات الليبية الفردية في أفريقيا، فيؤكد المتحدث أنها أيضاً تعرضت لعدة محاولات أسماها "السطو".
وقال: "في يناير 2023، صادرت أفريقيا الوسطى أصولاً ليبية تتمثل بفندق خمس نجوم وعمارتين سكنيتين وقطعة أرض". وعن ثالث أنواع الاستثمارات الليبية في أفريقيا، وهي الاستثمارات الخيرية، يقول: "حالياً متوقفة تماماً، وذلك لسببين: الأول أن السلطات الليبية ما بعد القذافي لم تهتم بها، ولم تعد تضخّ أموالاً فيها". والسبب الثاني يتمثل "في أن بعض حكومات الدول الأفريقية صفّت بعض تلك المشاريع من جانب واحد، وسلّمت البعض الآخر لمستثمرين أجانب آخرين. فيما استولت بعض الحكومات الأفريقية على أصول بعض تلك المشاريع، كالمباني والآلات"، وفق الباحث الليبي.
(الأناضول، العربي الجديد)