تجري وحدة مكافحة الجرائم المالية بوزارة الخزانة الأميركية التي تعرف اختصاراً بـ "فين سين"، عمليات إصلاح واسعة على قوانين مكافحة غسل الأموال في الولايات المتحدة التي لم يُجر عليها تعديل منذ العام 2001.
وتتواكب هذه الإصلاحات مع تعيين وزارة الخزانة الأميركية مديراً جديداً لـ"فين سين"، إذ يغادر المدير الحالي كينيث بلانكو منصبه خلال الشهر الجاري، ويحلّ محله مايكل موسيير، المستشار بوزارة الخزانة، الذي سيتسلم مهامه في 11 إبريل/ نيسان الجاري، وذلك وفقاً لمجلة "فاينانسيير" العالمية.
وكانت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، قد وعدت منذ تعيينها بوضع حلول لمشكلة غسل الأموال في الولايات المتحدة، خصوصاً مشكلة "شركات الواجهة" التي تستخدمها عصابات الجريمة المنظمة والساسة ومسؤولو الحكومات الفاسدون والمتهربون من الضرائب، في غسل الأموال بالمصارف وأسواق المال والمساكن الأميركية.
وتستهدف إدارة الرئيس جوزيف بايدن كذلك، من خطوة الإصلاح تلك، رفع كفاءة مصلحة الضرائب وسد الثغرات التي ينفذ منها المتهربون من دفع الضرائب.
وتقدر وزارة الخزانة الأميركية، أنّ "شركات الواجهة" التي يستخدمها العديد من الأثرياء لإخفاء أموالهم، تكلف البلاد سنوياً نحو 70 مليار دولار، كما أنّ الولايات المتحدة تعدّ من الدول المتأخرة قانونياً في الحرب العالمية ضد الجريمة المالية المنظمة. ودعت وحدة "فين سين" الخميس الماضي، القطاع الخاص لإبداء رأيه حول تطبيق الإجراءات الجديدة. وتأمل "فين سين" إكمال تطبيق إجراءات تسجيل البيانات الجديدة بحلول يناير/ كانون الثاني المقبل.
لكن، هناك شكوك حول فاعلية الإجراءات الجديدة في مكافحة الجريمة المالية. في هذا الصدد، ترى سارا رونج، مسؤولة تطبيق الإجراءات الجديدة بمجموعة "كريدي سويس"، المصرفية السويسرية، أنّ تطبيق جميع الإجراءات المطلوبة يحتاج إلى وقت أطول من يناير/ كانون الثاني. وما زالت العديد من الولايات الأميركية تعتمد نظام "شركات الواجهة " التي تستخدم كـ"ملاذات آمنة" ضد ملاحقة مصلحة الضرائب.
وتتناول الإصلاحات الجديدة التي أدخلتها وحدة "فين سين" على إجراءات مكافحة غسل الأموال، ولأول مرة، إلزام الشركات الأميركية والشركات الأجنبية المسجلة في الولايات المتحدة بالكشف عن المالك الحقيقي، بتسجيل اسم مالك الشركة الحقيقي وتاريخ الميلاد والعنوان وجواز السفر أو رخصة القيادة وتسجيل الشركات الأخرى التي يملكها.
تعاقب الإجراءات الجديدة الشركات التي تفشل في تسجيل بيانات المالك الحقيقي بالسجن لعامين وغرامة 10 آلاف دولار.
وتركز الإجراءات الجديدة على محاصرة نشاط "شركات الواجهة" التي تُعرف اختصاراً في اللغة الإنكليزية بـ"شيل كومبانيز"، وهي شركات وهمية تسجل في الورق فقط وليست لديها مكاتب أو موظفون أو دخل أو سجلات ضريبية، بل فقط حساب مصرفي وعنوان بريدي، وتؤسَّس سريعاً في جزر الأوفشور مثل فيرجن آيلند، وكايمان، ويستخدم أصحابها أموال هذه الشركات الوهمية "أو الورقية" كوسيلة لغسل الأموال القذرة عبر بيع وشراء الأسهم والسندات والمتاجرة في أنحاء العالم، وغالباً ما تكون هذه الشركات مسجلة تحت أسماء وهمية. وكانت أوراق بنما قد كشفت مئات مليارات الدولارات المخفية في حسابات الأوفشور لساسة ومسؤولين ومشاهير.
وتعرضت إجراءات "فين سين" لانتقادات واسعة من قبل خبراء بسبب قصور الإجراءات وغموض بعض نصوصها، خصوصاً تلك المتعلقة بكيفية تطبيق القطاع المصرفي لبعض النصوص، كما أنّ وزارة الخزانة تمنع العامة ووسائل الإعلام من الاطلاع على المعلومات الخاصة بسجل الشركات وملكيتها وفقاً لقوانين وزارة الخزانة.
لكن، رغم هذه الانتقادات، يرى محللون بمجلة "فينانانسيير" أنّ الإجراءات الجديدة ستساهم في منع الساسة الفاسدين وعصابات الجريمة المنظمة والمتهربين من الضرائب من غسل أموالهم في النظام المالي الأميركي.
وهناك العديد من أوجه القصور في قوانين مكافحة غسيل الأموال في الولايات المتحدة، إذ بينما تلزم إجراءات الضرائب الأميركية الحكومات الأجنبية بالكشف عن حسابات حملة الجنسية الأميركية في بلدانها، فإنّ الولايات المتحدة غير ملزمة قانونياً بالكشف عن الحسابات الأجنبية في أراضيها. وهذه الثغرة جعلت الولايات المتحدة وجهة جاذبة لغسل الأموال القذرة من أنحاء العالم.
وتقدر مجموعة "بوسطن كونسلتينغ غروب" للاستشارات المالية (مجموعة أميركية) أنّ هناك نحو 800 مليار دولار من حسابات الأوفشور تدخل سنوياً الولايات المتحدة. وتقدّر الأمم المتحدة حجم الأموال القذرة التي تغسل سنوياً في المصارف العالمية بمبالغ تتراوح بين 800 مليار دولار وتريليوني دولار.
يذكر أنّ الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، رفض تغيير قوانين مكافحة غسيل الأموال، رغم تصويت الكونغرس لصالحه. لكنّ الكونغرس أجاز القوانين الجديدة بأغلبية خلال إدارة الرئيس جوزيف بايدن بأغلبية ساحقة.
ومن المتوقع أن تتشدد الإجراءات الجديدة مع عمل المصارف وإجبارها على تطبيق قانون "اعرف عميلك" الذي يستخدم بكفاءة في العديد من المصارف للتعرف على أموال المخدرات والرشى والإرهاب. وتأتي الإجراءات الجديدة ضمن بناء أميركا الحديثة، وطيّ صفحة ترامب.