أكد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، اليوم الثلاثاء، أن الريال القطري أثبت مكانته وقدرته على مواجهة الأزمات الخارجية، حيث حافظ خلالها على قيمته وحرية صرفه، مشيراً إلى أن قطر اتخذت إجراءات سريعة في مواجهة جائحة كورونا على محورين، أولهما دعم القطاع الخاص والثاني المحافظة على سلامة موازنة الدولة.
وأضاف أمير قطر في كلمة بافتتاح دور الانعقاد التاسع والأربعين لمجلس الشورى القطري، أن التوقعات بشأن النمو على المستوى العالمي لهذا العام، تشير إلى انكماش اقتصادي قد يصل إلى 5%، ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى تراجع أسعار الطاقة، مشيراً إلى أن قطر اتخذت إجراءات سريعة بهذا الشأن، وهي دعم القطاع الخاص والحفاظ على سلامة الأسواق المالية للدولة، كما اتخذت إجراءات سريعة وضرورية للتخفيف من الآثار السلبية لانخفاض أسعار النفط والغاز على الموازنة العامة.
وقال أمير قطر إن الدول المصدرة للنفط والغاز تعرضت لأزمة مزدوجة بسبب انخفاض أسعارهما من ناحية والآثار التي ألحقتها جائحة كورونا بالنشاط الاقتصادي المحلي من ناحية أخرى، لافتا إلى أنه وجّه بتقديم دعم للقطاع الخاص المتضرر من الإجراءات التي اتخذت للحد من تفشي الوباء بمبلغ 75 مليار ريال قطري (20.6 مليار دولار).
وأضاف أن من هذه الإجراءات أيضا إزالة جميع المعوقات أمام القطاع الخاص من أجل استمرارية الأعمال وتعزيز قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على مواجهة هذه التداعيات، كما أُقرت مجموعة من التسهيلات والإعفاءات من الرسوم الجمركية على السلع الغذائية والدوائية، ومن رسوم الكهرباء وغيرها من الخدمات.
وأكد أنه "نتيجةً لهذه الإجراءات تمكنّا من المحافظة على سلامة الوضع النقدي والمصرفي والمالي، فواصلت الاحتياطات الرسمية نموها في العام الجاري، واتسع نطاق تنوع مصادر وودائع القطاع المالي، كما أثبت الريال القطري متانته وقدرته على مواجهة الأزمات الخارجية، حيث حافظ خلالها على قيمته وحرية صرفه".
وأشار أمير قطر إلى أن النتائج الأولية أظهرت أن العجز في الموازنة خلال النصف الأول من هذا العام بلغ نحو 1.5 مليار ريال (410 ملايين دولار) فقط على الرغم من أن التوقعات لهذا العجز كانت أعلى من ذلك بكثير. وتحقق ذلك بسبب ترشيد الإنفاق الحكومي المترافق مع رفع كفاءة القطاع العام.
وقال إنه "على الرغم من التقليصات تواصل الموازنة تركيز الإنفاق على الصحة والتعليم ومشاريع البنية التحتية الكبرى".
وأضاف أنه حرصاً منا على تلافي الآثار الاقتصادية السلبية الناجمة عن التقلبات السوقية في أسعار النفط فقد وجهنا بأن تبنى الموازنة العامة للدولة على أساس تسعير برميل النفط بـ40 دولاراً، وهو أقل من السعر المتوقع.
ولفت أمير قطر إلى أن قطاع الطاقة في الدولة تخطى تداعيات هذه الجائحة بأقل الأضرار. فلم تتأثر عمليات الإنتاج والتصدير، واستمرت "قطر للبترول" في الوفاء بالتزاماتها تجاه جميع الأطراف التعاقدية، كما أن سير العمل يمضي دون توقف في مشاريع الطاقة الرئيسية، المتمثلة بمشروع توسعة إنتاج الغاز المسال، إضافة إلى المشاريع في الخارج.
وبشأن رؤية قطر الوطنية، قال أمير قطر إن "جهودنا تمضي لتحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية، وعلى الأخص في ما يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي، وتشجيع الاستثمار بإصدار سلسلة من التشريعات المحفزة للاستثمار وتحسين بيئة الأعمال، وخصوصاً قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص".
وأشار إلى أن هذه القوانين والإجراءات بدأت تؤتي ثمارها، فمنذ بداية هذا العام، ازداد عدد المصانع المؤسسة وحجم الاستثمارات وحجم العاملين فيها بنسب عالية، كما حدثت زيادة ملحوظة في تأسيس الشركات الأجنبية وحجم الاستثمار الأجنبي، وفي مجال حماية البيئة بدأنا بتطوير شبكة وطنية لرصد الهواء في مناطق مختلفة من الدولة، وصياغة برنامج لرصد البيئة البحرية، ووضع برامج للتصدي للطوارئ الناجمة عن التلوث الزيتي والمواد الخطرة والإشعاعية.
وقال إن قطر تمكنت من تجاوز المعوقات والتحديات التنموية التي مرت بها في السنوات القليلة الماضية، ونتيجة لذلك، حافظت على تصنيفها الائتماني في الدراسات التي أجرتها مؤسسات التصنيف العالمية لعام 2020، فقد أجمعت هذه المؤسسات على تثبيت تصنيف ائتماني مرتفع لدولة قطر مع تثبيت النظرة المستقبلية المستقرة لاقتصادها.
ويشير ذلك إلى ثقة بمتانة الاقتصاد القطري وقدرته على استيعاب الأزمات الاقتصادية الكبيرة بما في ذلك أزمة الجائحة الحالية، وصموده، وحتى تطوره، رغم الحصار.
ودعا أمير قطر إلى عدم التهاون والتراخي، حيث لا تزال هناك تحديات كبيرة لتحقيق أهداف رؤية قطر 2030، وأهمها الإسراع في تقليل الاعتماد على إيرادات النفط والغاز المتقلبة بسبب تقلبات أسعارهما وانخفاض سقوفها مع مرور الزمن، وهذا لا يأتي إلا بتعزيز التنوع الاقتصادي والاتجاه نحو زيادة إنتاجية العمل ونجاعته في القطاع العام وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار.
وقال إن على الدولة أن تبذل أقصى جهدها لتنويع مصادر دخلها عبر الاستثمار في الصندوق السيادي للأجيال القادمة وغيره، ولكن تنويع مصادر الدخل يعتمد أيضاً على المجتمع والقطاعات الاقتصادية والخدمية التي يعمل فيها أفراده بالادخار والمبادرات الخاصة والاستثمار والانتقال من عقلية الاستهلاك إلى عقلية المجتمع المنتج، ويجب أن يفسح المجال لذلك.
وبشأن القطاع الحكومي، قال أمير قطر إنه من الضروري التأكيد على أن البرامج والمشاريع التنموية يجب أن تطبق بكل دقة وكفاءة، مؤكدا مرة أخرى أن الوظيفة في قطاعات الدولة المختلفة ليست مجرد استحقاق، بل هي واجب ومسؤولية. ولا بد من ربط الأجر والترقية بالجدارة والإنتاجية وتطبيق ذلك على جميع العاملين في الدولة بدون استثناء، ومثلما لا يحتمل أي مستثمر في القطاع الخاص أن يتلقى أفراد أجراً دون عمل ومردود حقيقي، لا يجوز أن نتوقع غير ذلك من الدولة.