أول تهجير داخلي في إسرائيل

23 سبتمبر 2024
جنود إسرائيليون بموقع على الحدود مع غزة، 31 ديسمبر 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الأزمة الإنسانية والاقتصادية للنازحين**: يعاني الفلسطينيون في غزة من القصف والحرمان، بينما يواجه المستوطنون الإسرائيليون صدمة النزوح. الحكومة الإسرائيلية تواجه تكاليف ضخمة لإجلاء السكان.

- **فشل خطط الإجلاء الحكومية**: خطط الإجلاء انهارت، مما أدى إلى إجلاء عشرات الآلاف إلى أماكن غير مخططة. الخلافات بين وزارتي الداخلية والدفاع تزيد من تعقيد الوضع.

- **التحديات اللوجستية والاقتصادية**: إيواء النازحين مكلف ومعقد، مع توقف السياحة وزيادة الضغط الاقتصادي. الحكومة تواجه صعوبات في توفير الخدمات الأساسية.

ألقى المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية، الكابينت، الضوء على قضية النازحين والمهجرين من مستوطنات الشمال والجنوب منذ السابع من أكتوبر الماضي عندما أضاف هدف إعادة سكان الشمال إلى منازلهم هدفا جديدا من أهداف الحرب. وحسم نتنياهو الجدل حول المحاولات المتكررة للجيش والحكومة لإنهاء هذا الملف وإعادة النازحين لمستوطناتهم في الشمال، دون غلاف غزة، بقوله إنه لا يمكن إعادة سكان الشمال دون تغيير جذري في الوضع الأمني. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، إن الطريق الوحيد المتاح لإعادة سكان الشمال هو من خلال عملية عسكرية في مواجهة حزب الله.

ذلك أن تهجير الفلسطينيين قسريا بسبب عدوان الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة لم يكن مكلفا اقتصاديا ومؤلما اجتماعيا ونفسيا لسكان قطاع غزة وحدهم، حيث يعيش مليونا نازح فلسطيني حياة النزوح المتكرر بكل تفاصيلها، من قصف وقتل وتجويع وحرمان من الأمن والدواء والماء، وقد عانى معظمهم ويلات النزوح لأكثر من 12 مرة.

ولكن أيضا، يعاني النازحون والمهجرون من المستوطنين الذين لم يجربوا حياة النزوح قبل ذلك، ويعالجون نفسيا من أثر صدمة السابع من أكتوبر، ويعبرون عن غضبهم بالتظاهر ضد الحكومة لوقف الحرب وإبرام صفقة تبادل الأسرى التي يعرقلها نتنياهو. وتتكبد حكومة إسرائيل أيضا التكاليف المالية واللوجستية بسبب إجلاء سكان المستوطنات الموجودة في الجنوب المتاخمة لقطاع غزة والمعروفة بمستوطنات غلاف غزة، وفي الشمال القريب من الحدود اللبنانية والقصف المتكرر من حزب الله.

أزمة أكبر من الحكومة

في السنوات السابقة أعدت الحكومة الإسرائيلية خطة لإجلاء آلاف الإسرائيليين من المناطق الحدودية إلى بلدات أخرى، في حالة اندلاع الحرب عرفت باسم "فندق مدني". يقول مراسل يديعوت أحرونوت، عندما حانت لحظة الحقيقة، اتضح أن الخطة انهارت بالكامل وتم تنفيذ عملية إجلاء عشرات الآلاف من السكان إلى مئات الفنادق وأماكن الإقامة، وليس إلى المؤسسات العامة والمراكز المجتمعية والمدارس كما كان مخططا، وتم إلغاء الخطة الأصلية مرة واحدة.

وكشفت صحيفة تايمز أوف إسرائيل في 27 يونيو 2024، جانبا من تلك الأزمة بكشفها خلافا بين وزارتي الداخلية والدفاع حول المسؤولية عن إجلاء المدنيين في حالة توسعة الحرب مع حزب الله في الشمال، وتبرّم كلتا الوزارتين من المسؤولية بسبب التكاليف المالية واللوجستية.

وقالت إن مراقب الدولة، ماتانياهو إنجلمان، حذر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من أن حكومة إسرائيل غير مستعدة لإخلاء المدنيين في حال اندلاع حرب في الشمال، بسبب الخلافات بين وزير الدفاع يوآف غالانت ووزير الداخلية موشيه أربيل. وفي رسالة إلى نتنياهو، أوضح إنجلمان أن النزاع الذي لم تتمكن الوزارتان من الاتفاق بشأن من هو المسؤول عن عمليات إجلاء المدنيين في حالات الطوارئ. حيث تزعم وزارة الداخلية، كما كتب إنجلمان، أنها مسؤولة فقط عن عمليات إجلاء المدنيين إلى المدارس التي تبادر بها الحكومة، وأن قرارات إجلاء المواطنين إلى أماكن أخرى، بما في ذلك الفنادق، لم تكن ضمن نطاق اختصاصها.

أما وزارة الدفاع المنهكة والعالقة في وحل غزة، فتلقي بالمسؤولية على وزارة الداخلية. وتؤكد أن الأخيرة يجب أن تكون مسؤولة عن إجلاء المدنيين وحل المشاكل المرتبطة بعمليات الإجلاء العشوائية أو المنظمة من قبل الدولة. وقال إنجلمان في رسالته لنتنياهو، إن غالانت أرسل رسالة في وقت سابق من هذا الشهر إلى أربيل يحذره فيها من احتمال امتداد الحرب في غزة إلى لبنان، الأمر الذي قد يتطلب عمليات إجلاء أوسع نطاقا في الشمال مقارنة بما تم بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وكشف إنجلمان عن معارضة وزارة الداخلية للتقدم بخطة لإخلاء هؤلاء السكان، لأن الوزارة تزعم أن الأمر ليس من مسؤوليتها إلا إذا كان الإخلاء للمدارس. وفي رده على غالانت، كتب أربيل أن وزارته "ليست مسؤولة عن الإخلاء الاستباقي للسكان، وأن الخطة المقترحة غير قابلة للتطبيق، وبالتالي فإن وزارة الداخلية تعارضها.

وقال إنجلمان لنتنياهو إن الخلاف بين الوزراء أبرز عدم وجود حل لقضية إجلاء المدنيين في حالات الطوارئ، وأنه سلط الضوء على هذه القضية بشكل خاص خلال الجولات التي قام بها في الشمال والجنوب منذ بداية الحرب، وكذلك خلال الاجتماعات التي عقدها مع النازحين ورؤساء السلطات المحلية والإقليمية.

يقول إنجلمان، إن سكان كريات شمونة، وهي مستوطنة على حدود لبنان كان يسكنها 23 ألف مستوطن، مشتتون حاليًا في 300 موقع في جميع أنحاء البلاد، ما يجعل من المستحيل على البلدية مواكبة جميع سكانها. كما أن العديد من الحكومات المحلية التي تم إجلاء السكان إليها عجزت أيضا عن تزويد النازحين بالخدمات التعليمية والرعاية الاجتماعية والصحية والتوظيف التي يحتاجون إليها، وفق إنجلمان. وقد تم تمديد عمليات الإجلاء عدة مرات خلال الأشهر التسعة الماضية، ورفض السكان العودة لمنازلهم في المستوطنات.

تهجير داخل إسرائيل

يبلغ عدد الإسرائيليين الذين يسكنون مستوطنات غلاف غزة أكثر من 60 ألفا، نفذ الجيش خطة عاجلة لإجلائهم جميعا بعد هجوم السابع من أكتوبر إلى الفنادق في تل أبيب والمنتجعات في إيلات على البحر الأحمر. ورغما عن إرادة الجيش والسلطات المحلية، نزح كذلك حوالي 140 ألفا آخرون من سكان البلدات القريبة من الغلاف كانت صواريخ المقاومة الفلسطينية قد طاولتها.

وبسبب هجمات حزب الله الصاروخية إسناداً لغزة، أعلن الجيش عن تفعيل خطة عاجلة لإجلاء 65 ألف مستوطن كانوا يسكنون في 28 مستوطنة في الجليل والجولان في شمال فلسطين على مسافة تصل إلى 2 كيلو متر من الحدود مع لبنان. لكن أعدادا أخرى قامت بالنزوح من المستوطنات الأخرى في المنطقة دون طلب أو تنسيق مع الجيش.

وبعد ثمانية أشهر من الحرب، كشفت صحيفة معاريف عن أن ما يقرب من 100 ألف إسرائيلي من مستوطنات الشمال ما زالوا يعيشون "لاجئين" خارج منازلهم، واضطر معظمهم إلى التوقف عن العمل، وتم فصل الأطفال والمراهقين من مؤسساتهم التعليمية إلى مؤسسات تعليمية مؤقتة في بيئة جديدة وغير مألوفة.

عملية احتواء وإعاشة النازحين معقدة لوجستيا ومكلفة للدولة الإسرائيلية، حيث تكاليف إيواء الأشخاص الذين تم إجلاؤهم إلى أجل غير مسمى في 280 فندقا ودار ضيافة منتشرة في جميع أنحاء البلاد باهظة، بحسب صحيفة نيويورك تايمز. وقد زار مراسلها فندقا في الناصرة يؤوي نازحين.

كان الفندق الأنيق مقصدا لزوار الأماكن التوراتية في مسقط رأس السيد المسيح وتم تحويله إلى منتجع للاجئين الذين تم تهجيرهم من عرب العرامشة في الشمال. وتم إغلاق متجر الهدايا التذكارية، وتجفيف حمام السباحة، وغرفة الطعام تقدم ثلاث وجبات في اليوم، وتحولت صالة الاستقبال إلى ساحة لعربات الأطفال، والملابس المغسولة ترفرف من شرفات الغرف المكتظة بالعائلات التي تعالج من الصدمة النفسية.

وفي حوار مع مدير مستوطنة عرب العرامشة، أديب مزال، يقول إنه يتتبع 800 من سكان المستوطنة الذين أصبحوا "متشردين" في مدن مختلفة، ويجتهد لتدبير تكاليف الإقامة وعلاج النازحين نفسيا، وقد وعده الجيش بالعودة إلى المستوطنة في نهاية العام الماضي، وها هو العام الأول من الحرب قد قارب على الانتهاء والتهجير قائم.

عدد الكيبوتسات في إسرائيل 270 كيبوتساً، ويبلغ إجمالي عدد سكانها 130 ألف نسمة، أي حوالي 2.5% من سكان إسرائيل. وتبلغ مساهمة الكيبوتسات حوالي 40% من الإنتاج الزراعي في إسرائيل و11% من الإنتاج الصناعي. وتعمل الكيبوتسات حالياً في مجالات السياحة والصناعة والخدمات المالية والنقل والبناء، والعديد منها يضم مصانع المنتجات الغذائية. وتحتوي مستوطنات الشمال على ثلث الأراضي الزراعية في إسرائيل، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة والتنمية الريفية.

خسائر التهجير

خلال أسبوعين من بداية الحرب، أعلن الجيش الإسرائيلي أن أكثر من 120 ألف إسرائيلي نزحوا داخليا وتم إجلاؤهم من 25 بلدة في غلاف غزة، ومن 42 بلدة قرب الحدود مع لبنان. وقدر أحد الخبراء الإسرائيليين تكاليف إقامة النازحين بـ 200 مليون دولار في الشهر. وأعلنت وزارة المالية الإسرائيلية عن موافقة مجلس الوزراء نهاية الشهر الماضي على زيادة إضافية قدرها 3.4 مليارات شيكل، 923 مليون دولار، للمساعدة في تمويل من تم "إجلاؤهم" حتى نهاية العام الجاري.

مراسل الشؤون الاقتصادية لصحيفة يديعوت أحرونوت، غاد ليئور، كشف عن مسؤولين إسرائيليين أن تكلفة إقامة عائلة من ستة أشخاص في غرفة فندق وصلت إلى ما يقارب 45 ألف شيكل، تعادل 12 ألف دولار، شهريا، بينما العائلة التي لديها طفلان حصلت على مخصصات بقيمة 18 ألف شيكل، تعادل 4800 دولار، شهريا إذا لم تكن مقيمة في فندق.

وبحسب معطيات وزارة السياحة الإسرائيلية، يوجد في إسرائيل نحو 56 ألف غرفة فندقية، ونحو 40 ألف غرفة منها تقع في مناطق بعيدة عن مناطق القتال، وتم إجلاء السكان إليها، وتوقف السياحة التي ترفد الاقتصاد الإسرائيلي بنحو 3% من مدخولاته، وتوظف حوالي 200 ألف إسرائيلي بشكل مباشر، وفقا لوزارة السياحة الإسرائيلية. وقد شهد قطاع السياحة في إسرائيل طفرة استثنائية طوال عام 2023 وحتى السابع من أكتوبر، حيث استقبلت إسرائيل أكثر من 3 ملايين سائح، أنفقوا 4.85 مليارات دولار في الاقتصاد الإسرائيلي، وهي المرة الأولى التي تتوقف فيها السياحة بفعل الحرب.

المساهمون