تضرّر الفقراء بشدة في الأرجنتين بعدما ألغت حكومة خافيير ميلي الدعم السخي لوسائل النقل والطاقة وجمّدت المساعدات المقدمة إلى 38 ألف مطعم يقدم وجبات مجانية في انتظار إجراء مراجعة مالية.
وانخفضت قيمة البيزو بأكثر من 50%، وتم خفض الدعم الحكومي للوقود والنقل واقتطاع عشرات الآلاف من وظائف الخدمة العامة وإلغاء مئات الإجراءات سعيا لتحرير الاقتصاد.
ووصل خفض الإنفاق العام إلى مستوى "غير مسبوق" عند 25% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويشدد ميلي على أن لا بد من القيام بتلك الإجراءات لإنقاذ الاقتصاد ونبّه المواطنين إلى ضرورة الاستعداد لتفاقم الأمور قبل أن تتحسن.
وتقول الحكومة إن بعض التغييرات التي أدخلها ميلي بدأت تؤتي ثمارها: ففي كانون الثاني/يناير، أعلنت الأرجنتين أول فائض شهري في ميزانيتها منذ 12 عاما، وتعزيز احتياطات العملة الأجنبية من 21 مليار دولار إلى 27 مليارا.
وفي أول خطاب لعرض سياساته الجمعة، أكد ميلي أنه سيدفع بحزمة الإصلاحات الاقتصادية الواسعة بغض النظر عما إذا وافق عليها البرلمان أم لا.
وقال للمشرعين الذين يماطلون في إقرار مشروعه الذي يشمل اقتطاعات في الميزانية وإجراءات لتحرير الاقتصاد: "سنغيّر هذا البلد.. مع دعم القادة السياسيين أو بدونه، وبكل الموارد القانونية للسلطة التنفيذية".
اختيار بين الدواء والغذاء
وسط هذه الأزمة الاقتصادية، يحمل مواطنون عبوات أدوية في الصيدليات، ينظرون إلى أسعارها ثم يعيدونها إلى مكانها. فمع تجاوز نسبة التضخم 250%، أصبحت الرعاية الصحية في هذا البلد ترفا لكثر باتوا يستغنون حتّى عن المضادات الحيوية وعلاجات الأمراض المزمنة.
وقالت الصيدلانية في العاصمة بوينس أيرس مارسيلا لوبيز لوكالة "فرانس برس": "بين شراء الطعام وشراء الدواء، يختار الناس تناول الطعام".
في كانون الثاني/يناير، تراجعت مبيعات الأدوية في الأرجنتين بمقدار 10 ملايين وحدة بين زجاجات وعلب، وفقا لرابطة الصيادلة "سيبروفار"، وكان معظمها عقاقير تستلزم وصفات طبية.
ويشعر المرضى اليائسون أيضا بأن نظام الصحة العامة خذلهم إذ أصبح عدد كبير من الأدوية غير متوافر منذ طلبت حكومة ميلي الذي تولى منصبه في كانون الأول/ديسمبر إجراء تدقيق في إطار سعيه إلى خفض الإنفاق العام.
وقالت فيفيانا بوغادو، وهي طباخة تبلغ 53 عاما، إنها اضطرت للاختيار بين دواء الكولسترول والمضادات الحيوية التي تأخذها والطعام الخاص لابنها دانيال البالغ 16 عاما والمصاب ببكتيريا معوية.. فاختارت إعطاء الأولوية لابنها.
ومنذ تولى ميلي السلطة، ارتفعت أسعار الأدوية بنسبة 40% فوق معدل التضخم البالغ 254% على أساس سنوي، في واحد من أعلى المعدلات في العالم.
في الوقت نفسه، وصلت مستويات الفقر إلى حوالى 60% في بلد يعادل الحد الأدنى للأجور فيه نحو 200 دولار.
وأوضح مدير "سيبروفار" روبين ساخيم، أنه كان هناك اتفاق بين المختبرات وحكومة ما قبل ميلي لإبقاء الأسعار منخفضة، لكن تم التخلي عنه منذ وصول الأخير إلى السلطة.
ليس في مصلحة المريض
وأضاف ساخيم: "هذا ليس في مصلحة المريض. عاجلا أم آجلا ستتدهور حالته الصحية وكل شيء سيكون أكثر كلفة، حتى بالنسبة إلى النظام الصحي (العام)".
والأكثر تضررا هم المتقاعدون والعاملون في القطاع غير الرسمي الذين يمثلون 40% من سوق العمل.
انخفضت المعاشات التقاعدية الحكومية بمقدار الثلث على أساس سنوي في شباط/فبراير، ما صعّب الحياة اليومية على كثر، من بينهم غراسييلا فوينتيس البالغة 73 عاما والمصابة بالتهاب المفاصل.
توفر الدولة للمتقاعدين بعض الأدوية بشكل مجاني وبعض آخر بأسعار مدعومة.
وروت فوينتيس: "أتناول خمسة أدوية، اثنان منها أحصل عليهما مجانا، وأنفق 85 ألف بيزو شهريا (حوالى 100 دولار) أي ثلث معاشي التقاعدي تقريبا".
وقال فابيان فورمان، رئيس بنك أدوية تديره مؤسسة يهودية، لوكالة "فرانس برس" إن هناك زيادة هائلة في الطلب على الأدوية المجانية.
لا وقت للتدقيق
يعاني بابلو ريفيروس (20 عاما) من هيموغلوبينية ليلية انتيابية، وهو مرض نادر يهدد الحياة لا علاج له.
يكلّف العلاج للتخفيف من أعراض هذا المرض التي تتفاقم بسرعة 42 ألف دولار شهريا، وهو مبلغ يستحيل على والدته العاملة في الخياطة أن تؤمنه.
وبعد تشخيص حالته في شباط/فبراير العام الماضي، كان ريفيروس يحصل على علاجه من الدولة. لكن ذلك توقف في تشرين الثاني/نوفمبر.
وقالت والدته إستيلا كورونيل إن العائلة لجأت إلى المحكمة للحصول على المساعدة وقيل لها إن "الدولة لا ترفض تأمين الدواء، لكن علينا أن ننتظر التدقيق".
المشكلة الوحيدة هي أن "بابلو ليس لديه الوقت" للانتظار، وحالته تسوء يوما بعد يوم.
والأسبوع الماضي، نفى الناطق باسم الرئاسة مانويل أدورني وقف تسليم الأدوية للمرضى المصابين بالسرطان وأمراض مستعصية أخرى مثل مرض ريفيروس.
وقالت كورونيل: "إن الأمر مؤلم لأنك تشعر كأنهم يسخرون منك. لا يمكنهم إنكار شيء نعيشه".
(فرانس برس، العربي الجديد)