أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تعبئة جزئية في روسيا في تصعيد كبير يضع شعب واقتصاد البلاد في حالة حرب، ملوحاً بالانتقام النووي، قائلاً إن لدى روسيا "الكثير من الأسلحة للرد" على ما وصفه بالتهديدات الغربية على الأراضي الروسية، وأضاف أنه لا يخادع.
هذا التصريح هز الأسواق العالمية المضطربة أساساً، فسعر النفط ارتفع والذهب زاد بريقه كملاذ آمن خلال مرحلة اللايقين القائمة، فيما صعدت أسعار الغاز لتعمّق الجروح الأوروبية على أبواب شتاء بارد. وفيما تتزايد المخاوف على شحنات الحبوب من أوكرانيا التي تمد العالم بجزء من حاجاته الغذائية، اتجهت الأنظار نحو وضعية الاقتصاد الروسي، مع مواجهة الروبل هبوطاً إضافياً.
قد تكون روسيا معزولة بالكامل تقريباً عن الأسواق العالمية، وفقاً لموقع "سي أن بي سي" الأميركي، لكن الغرب سيتطلع إلى الجمع بين دول مثل الهند والصين معاً في المجهود الحربي الاقتصادي، وفقاً لما ذكره ماكس هيس من معهد أبحاث السياسة الخارجية ومركزه في الولايات المتحدة.
تأثيرات سريعة
ارتفعت العقود الآجلة للنفط بنسبة 3% بعد إعلان التعبئة الجزئية في روسيا، وصعدت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 3.07% إلى 93.40 دولاراً للبرميل.
وتم تداول الأسهم الأوروبية في نطاق ضيق يوم الأربعاء حيث استوعب المستثمرون أول تحرك لروسيا منذ الحرب العالمية الثانية بينما كانوا ينتظرون رفع سعر الفائدة الثالث على التوالي من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في وقت لاحق اليوم.
وقالت سوزانا ستريتر، كبيرة محللي الاستثمار والأسواق في شركة "هارغريفس لانسداون" لوكالة رويترز: "من شأن التقلبات في الأسعار أن تتسبب أيضاً في تأثير كبير على الصناعة التحويلية، لا سيما في ألمانيا بسبب مخاوف من احتمال حدوث انقطاع للتيار الكهربائي وقيود على الطاقة، مما قد يؤدي إلى مزيد من الضرر وإضعاف الاقتصادات الهشة بالفعل".
وارتفعت أسعار الذهب بسبب الطلب على الملاذ الآمن وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية، وسجلت 1676 دولاراً للأوقية، بعد أن خسرت 0.7% يوم الثلاثاء.
كما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا مع تقييم التجار لأمن إمدادات الشتاء مع تصعيد روسيا حربها في أوكرانيا، حتى في الوقت الذي عمقت فيه الدول جهودها لمنع أزمة الطاقة من التزايد. وقفزت العقود الآجلة المعيارية بقدر 7.1% لليوم الثاني من المكاسب.
قال أولي هانسن، رئيس إستراتيجية السلع في "ساكسو بنك إيه إس" لـ"بلومبيرغ": "يجد سوق الغاز الأوروبي عرضاً جيوسياسياً هذا الصباح مع تصريحات بوتين الأخيرة. إنه يثير مخاوف بشأن التدفق المتبقي للغاز الروسي إلى أوروبا".
شظايا تطاول موسكو
لقد أدت الأزمة، التي أبقت الأسعار أعلى بسبع مرات من مستوياتها الموسمية المعتادة، بالفعل إلى دفع الاقتصاد الأوروبي إلى حافة الركود. تتخذ الدول خطوات تاريخية لضمان وجود إمدادات طاقة كافية مع بدء موسم التدفئة الرسمي الشهر المقبل.
وتوقعت وحدة المعلومات الاقتصادية في "أيكونوميست" الأميركية انكماش الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة 6.2% هذا العام و 4.1% العام المقبل، وهو ما اعتبر المحلل المالي أغاث ديماريس أنه ”ضخم، بالمعايير التاريخية والدولية”.
وقد يؤدي الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا، والذي شهد استعادة مساحات شاسعة من الأراضي التي احتلتها روسيا، إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية لروسيا، حيث تستمر العقوبات الدولية في تقويض ثرواتها.
قال هولغر شميدنغ، كبير الاقتصاديين في بنك "بيرينبرغ"، إن المكاسب العسكرية الأوكرانية الأخيرة قد تضر بالاقتصاد الروسي بشدة. وشرح في مذكرة الأسبوع الماضي: ”يبدو أن الاقتصاد الروسي مستعد للانزلاق إلى ركود يزداد عمقاً تدريجياً”.
وتابع أن ″التكاليف المتزايدة للحرب التي لا تسير على ما يرام بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتكاليف قمع المعارضة الداخلية والتأثير البطيء ولكن الضار للعقوبات من المرجح أن يؤدي إلى انهيار الاقتصاد الروسي بشكل أسرع مما انهار الاتحاد السوفييتي منذ نحو 30 عاماً".
وأشار إلى أنه ”على الرغم من إغلاق بوتين لخط أنابيب نورد ستريم 1 في 31 أغسطس، يواصل الاتحاد الأوروبي ملء مرافق تخزين الغاز بوتيرة أبطأ قليلاً ولكن لا تزال مرضية”، مضيفاً أنه حتى ألمانيا التي كانت معرضة بشكل خاص لأزمة الإمدادات الروسية، اقتربت من هدف التخزين بنسبة 95% قبل حلول فصل الشتاء.
ويعد التحول السريع لأوروبا بعيداً عن الطاقة الروسية مؤلماً بشكل خاص للكرملين، حيث يمثل قطاع الطاقة حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي الروسي، ونصف إجمالي الإيرادات المالية و 60% من الصادرات، وفقاً لوحدة المعلومات الاقتصادية في "الإيكونوميست".
وانخفضت عائدات الطاقة إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من عام في أغسطس، وكان ذلك قبل أن توقف موسكو تدفقات الغاز إلى أوروبا على أمل إجبار القادة الأوروبيين على رفع العقوبات. اضطر الكرملين منذ ذلك الحين إلى بيع النفط إلى آسيا بتخفيضات كبيرة. ويعني الانخفاض في صادرات الطاقة أن فائض ميزانية الدولة قد استُنفد بشدة.
وفي خطاب حالة الاتحاد الأسبوع الماضي، أشادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين بتأثير عقوبات الاتحاد الأوروبي، وقالت "لقد قطعنا ثلاثة أرباع القطاع المصرفي الروسي عن الأسواق الدولية. وما يقرب من ألف شركة دولية غادرت البلاد".