نشرت مؤسسة "فيتش" العالمية للتصنيف الائتماني أمس الأحد قائمة تضم 17 دولة، قالت إنها إما دول مفلسة ومتخلفة حاليا عن سداد ديونها الخارجية، أو في طريقها للإفلاس استنادا إلى مؤشر تهاوي قيمة سنداتها السيادية المتداولة في الأسواق الدولية، حيث إن هذا المؤشر يعبر عن رؤية وتوقعات المؤسسات المالية والمستثمرين حول العالم لمدى قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية من سداد ديون وتمويل الواردات الأساسية.
رقم الدول المتعثرة قياسي بكل تأكيد ولم يحدث أن اجتمع كل هذا العدد من قبل في توقيت واحد، في السابق كان تسريب خبر عن إفلاس دولة واحدة يهز الأسواق العالمية، ويقض مضاجع حكومات تعاني من عثرات مالية وتخشى من الوقوع في مصيدة التعثر التي تفتح أبوب جهنم على الدولة المفلسة.
بداية من صعوبة الحصول على قروض خارجية، وتدبير تمويل للواردات خاصة من الأغذية والأدوية والمواد الخام والسلع الوسيطة ومكونات الإنتاج والصناعة، ونهاية بتجميد أصول الدولة المتعثرة واحتياطياتها من النقد الأجنبي في الخارج.
الحديث عن الإفلاس يقض مضاجع حكومات تعاني من عثرات مالية وتخشى من الوقوع في مصيدة التعثر التي تفتح أبوب جهنم عليها
ليست هذه الملاحظة الجوهرية على قائمة "فيتش" المثيرة، فهناك ملاحظات أخرى منها مثلا أن القائمة ضمت بلدين عربيين هما لبنان وتونس وذلك لأول مرة في تاريخ المنطقة.
صحيح أن الجميع يعرف أن دولة لبنان مفلسة، وأنها أعلنت بالفعل توقفها عن سداد الديون الخارجية ووضع البنوك يدها على أموال المودعين، لكن تونس لا تزال تعافر، رغم أن المؤشرات الحالية تقول إنها تنزلق بسرعة نحو الإفلاس خاصة مع فشلها في الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
وإدخال قيس سعيد تونس في متاهات وأزمات سياسية حادة واضطرابات ومخاطر جيوسياسية، وقبلها انقلابه على المؤسسات الدستورية والمنتخبة، وإثارة حالة من الغموض وعدم اليقين في البلاد، وهروب الاستثمارات، والعجز القياسي في الموازنة والدين العام، والدخول في صدام مع الاتحادات العمالية والنقابات والقضاء وغيرهم من فئات المجتمع.
عالميا، ضمت قائمة " فيتش" للدول المفلسة دولا مثلت صدمة للكثيرين مثل روسيا، خاصة وأن لديها احتياطيات من النقد الأجنبي تتجاوز 640 مليار دولار، صحيح أن الغرب جمد نصف هذا المبلغ والمودع في البنوك الأميركية والأوروبية، لكن لا يزال لدى موسكو القدرة على سداد كل الديون المستحقة على البلاد دفعة واحدة وليس التعثر عن سداد 100 مليون دولار كما حدث قبل أيام.
قائمة "فيتش" ضمت دولاً تعاني من أزمات مالية حادة، منها ضخامة في الدين الخارجي، ندرة في النقد الأجنبي، وتراجع في الإيرادات الدولارية
قائمة "فيتش" للدول المفلسة ضمت أيضا دولاً تعاني من أزمات مالية حادة، منها ضخامة في الدين الخارجي، ندرة في النقد الأجنبي، وتراجع في الإيرادات الدولارية، صعوبة في شراء السلع الأساسية مثل الوقود والأغذية من الخارج. كما تعاني من اضطرابات حادة في سوق الصرف الأجنبي، وتراجع في قيمة عملاتها المحلية مقابل الدولار.
من بين هذه الدول سريلانكا وفنزويلا وباكستان والأرجنتين وأوكرانيا وبيلاروسيا وزامبيا وغانا وإثيوبيا وطاجكستان والسلفادور وسورينام والإكوادور وبليز الواقعة بوسط أميركا.
بكل تأكيد فإن قائمة "فيتش" وغيرها من القوائم المتوقع صدورها عن كبريات مؤسسات التصنيف العالمية مثل موديز وستاندرد أند بورز مرشحة للزيادة العددية خلال الفترة المقبلة، خاصة وأنه يتم حاليا مراقبة أكثر من 100 دولة، وبالتالي فإن القوس سيظل مفتوحاً تمهيداً لإضافة أسماء دول أخرى قد تقع في براثن التعثر المالي.
فاستمرار حرب أوكرانيا لفترة أطول سيكون له انعكاسات خطيرة على دول كثيرة في العالم، خاصة من حيث استمرار الموجة التضخمية العنيفة، وقفزات الأسعار خاصة الأغذية والحبوب من قمح وغيره، وكذلك زيادة سعر الوقود من نفط وغاز طبيعي، إضافة إلى تأثر الإيرادات العامة خاصة من أنشطة رئيسية كالسياحة والاستثمارات الأجنبية.
ويكفي للتدليل على ذلك توقعات "جي بي مورغان" وهو واحد من أكبر البنوك الاستثمارية في العالم الأخيرة بوصول سعر برميل النفط إلى 380 دولاراً مقابل نحو 112 دولاراً حالياً، وإذا حدث هذا التوقع فإن عشرات الدول ستفلس في الفترة المقبلة بعد أن يحل عليها شبح الظلام والغلاء والتعثر المالي.