دقت أجراس العودة إلى المدارس في الجزائر، بعد توقف دام أكثر من ستة أشهرٍ بسبب تفشي وباء "كورونا"، ومعها بدأ امتحان الصمود لميزانيات الأسر أمام مصاريف التعليم.
إذ يزيد موسم الدراسة هذا العام الضغوط على جيوب الجزائريين المنهكة بغلاء المعيشة، وما يضاعف من صعوبة هذا الامتحان فقدان مئات الآلاف أعمالهم واستمرار توقف نشاطات اقتصادية عديدة بقرارات حكومية.
ومن المنتظر أن يعود تلامذة الجزائر إلى مقاعد الدراسة على دفعتين، نهاية أكتوبر/تشرين الأول للابتدائي، ومطلع نوفمبر/تشرين الثاني للمتوسط والثانوي.
وقبيل أيام عن فتح المدارس، تسابق العائلات الجزائرية عقارب الزمن من أجل تأمين ما يحتاجه أبناؤهم من ثياب وأدوات مدرسية وكتب، مخصصين ميزانيات تتباين من أسرة إلى أخرى حسب حجم المداخيل.
في شارع "ساحة الشهداء" وسط العاصمة الجزائرية، يسارع شبان مع كل صباح لوضع طاولات تعرض عليها الأدوات المدرسية على طرفي الطريق، ما جعل الشارع قبلة الأسر الأولى، إلا أن الفارق هذه السنة حسب البائعين هو ارتفاع الأسعار مقارنة بالسنوات الماضية.
يقول الشاب سليم وهو بائع لمستلزمات الدراسة لـ "العربي الجديد" إن "أسعار الأدوات المدرسية ارتفعت من 5 دنانير إلى 50 ديناراً، أما عن المآزر (الثوب الموحّد للتلاميذ) فالزيادة وصلت إلى ما بين 200 و600 دينار دفعة واحدة، ويعود ذلك إلى نقص العرض عند بائعي الجملة والممونين".
من جانبه، يؤكد البائع عبد الحق أن "الأسعار ارتفعت إلا أننا نتفهم الوضع ونخفض هوامش الربح، كوننا نبيع في الشارع بطرق "فوضوية"، ويمكن ملاحظة فارق السعر مقارنة مع المكتبات ونقاط البيع الرسمية".
وتشعر الأسر بضغوط مالية كبيرة مع اقتراب العودة المدرسية وبداية موسم مصاريف جديدة تلت مواسم مرهقة بعد انقضاء شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى وإجازات الصيف، إضافة إلى تداعيات فيروس كورونا.
وتقول المواطنة سعاد لـ "العربي الجديد" إنها اضطرت هي وزوجها إلى تخفيض ميزانية الأكل ومصاريف البيت لتأمين مبلغ 30 ألف دينار (238 دولاراً) لتغطية مستلزمات الدراسة لأبنائهم الثلاثة بمعدل 10 آلاف دينار لكل تلميذ".
وتضيف أن "الأسعار ارتفعت هذه السنة مقارنة بالسنة الماضية، وميزانية الأسر اليوم أمام امتحان صعب، بعد تجاوزها مصاريف ثقيلة منذ مايو/أيار، بدأت بتأمين المؤونة الغذائية لمواجهة فترة الحجر ثم رمضان وعيد الفطر ثم عيد الأضحى ومصاريف العطلة الصيفية". وأربك فيروس كورونا غالبية الأسر الجزائرية في ما يتعلق بالإنفاق على التعليم، وذلك لتراجع المداخيل من جراء فقدان مناصب العمل أو تجميد النشاطات بفعل الحجر الصحي الذي فرصته الحكومة الجزائرية منذ مارس/ آذار والذي لا يزال مستمراً على بعض النشاطات كالنقل بين المحافظات وعلى بعض الأنشطة التجارية التي تضرر أصحابها كثيراً.
وهو حال محمد بليمام سائق أجرة الذي طاوله قرار الحظر منذ 22 مارس الماضي، ويكشف لـ "العربي الجديد" أنه "اضطر للتحايل على القانون والعمل خلسة منذ مطلع سبتمبر/أيلول لضمان قوت عائلته، وتأمين حاجيات أبنائه المدرسية، إلا أن الأمر يبدو صعبا"، ويضيف أنه اضطر للاقتراض لمواجهة مصاريف المدارس، "الحكومة منحتنا تعويضا بـ 30 ألف دينار(238 دولاراً) عن التوقف عن العمل منذ مارس، مبلغ لا يكفي حتى لتغطية مصاريف شهر واحد".
حال محمد يبدو أقل تعقيدا من خالد جعفري الذي فقد عمله في أحد المصانع بسبب "كوفيد 19". يقول خالد إنه اضطر للاقتراض هو الآخر لشراء مستلزمات الدراسة لابنته الوحيدة، إذ منذ شهرين دخل في بطالة اضطرته للعمل في المقاهي بأجرة يومية، لا تكفي لتغطية مصاريف الإيجار والكهرباء والماء والعيش.
ويضيف خالد لـ" العربي الجديد" أنه اضطر لتقليص إنفاقه على الأدوات المدرسية مع التركيز على النوعية المتوسطة، على أمل أن يخرج من أزمته ويعوض ابنته مستقبلاً. ورغم استباق الحكومة الجزائرية الدخول المدرسي بتحذير مستوردي الأدوات المدرسية من الإفراط في رفع الأسعار، إلا أن الخبير الاقتصادي جمال نور الدين يرى أن "الحكومة تعلم أن الأسعار تتحكم فيها قيمة صرف الدينار الذي تهاوى في الأشهر الأخيرة وخسر 20 ديناراً أمام اليورو و16 ديناراً أمام الدولار، وبالتالي من البديهي أن ترتفع الأسعار".
وحول ميزانيات الأسر يؤكد الخبير الجزائري في حديث مع "العربي الجديد" أن "الدخول المدرسي يعتبر موعداً هاماً في الأجندة الإنفاقية للأسر الجزائرية إلا أن هذه السنة يبدو هذا الموعد أكثر صعوبة بالنظر لما يصحبه ويسبقه من تطورات خاصة "كوفيد 19" الذي أثر على مداخيل الأسر وهدد قوت الملايين من الجزائريين".
ويضيف: "نرى العديد من الأسر لجأت إلى الاقتراض أو تقليص ميزانية الأكل والبيت لتأمين مصاريف الدراسة، علما أن المدارس الحكومية تغطي 90 في المائة من تلاميذ الجزائر، وإلا كانت الكارثة أكبر لو كان هناك إقبال كبير على المدارس الخاصة".