المثل العامي الشهير يقول: "إذا أفلس التاجر بحث في دفاتره القديمة"، وإذا أفلست دولة تضع يدها في جيب الدول المجاورة لها، خاصة إذا كانت الدولة المفلسة تلعب دوراً مهماً في صناعة القرار بالدولة الأخرى، ولها ثقل وتأثير اقتصادي وسياسي بها وتستخدمها كمعبر في عمليات تهريب وغسل الأموال.
وهو ما تفعله إيران حاليا، حيث تعاني من أزمة اقتصادية حادة وغير مسبوقة، من أبرز ملامحها تهاوي قيمة عملتها، الريال، مقابل الدولار، وحدوث قفزات في أسعار السلع الأساسية، وتذمر شعبي بسبب ضعف القدرة الشرائية وتآكل المدخرات الوطنية، وزيادة في معدلات الفقر والبطالة والتضخم والفساد.
وهذه الأزمة لها عدة أسباب، منها خسائر كورونا الفادحة التي تكبدها الاقتصاد الإيراني خلال العام الجاري، وتهاوي إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، والفشل في استرداد الأموال المجمدة في الخارج والتي تقدرها تقارير بأكثر من 100 مليار دولار، والفشل كذلك في جذب استثمارات أجنبية للقطاعات الاقتصادية الواعدة مثل النفط والغاز والسياحة والطيران والقطاع المالي والمصرفي.
ومن أبرز الأسباب كذلك مواصلة دونالد ترامب سياسة خنق الاقتصاد الإيراني والتي بدأها بقرار "تصفير" صادرات النفط، وفرض عقوبات اقتصادية على أي دولة تستورد النفط الإيراني.
وأخيرا إدراج القطاع المالي الإيراني على اللائحة السوداء ومعاقبة 18 من المصارف الإيرانية الكبرى، علما أن تلك المصارف مسؤولة عن حركة التجارة الإيرانية تجاه العالم من تمويل وفتح اعتمادات مستندية وإصدار خطابات ضمان وتوفير العملة الصعبة.
ومع سخونة الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة يوم 3 نوفمبر يحاول ترامب اتخاذ خطوات إضافية تجاه طهران لإرغام حكومة حسن روحاني على إعادة التفاوض حول ملفها النووي وتقديم مزيد من التنازلات لصالح واشنطن وحلفائها، وبالتالي يظهر ترامب بصورة القوي أمام الناخب الأميركي.
وعلى الرغم من توجه إيران نحو روسيا والصين وفنزويلا وتركيا ودول أخرى للتغلب على آثار العقوبات الأميركية القاسية، إلا أن مؤشرات الاقتصاد تتدهور يوما بعد يوم لدرجة أنها تشكل ضغطا شديدا على صانع القرار في طهران، وتساهم في تأزيم الشارع.
ومع زيادة تلك الضغوط بدأت إيران في البحث في دفاترها القديمة والتي تظل محدودة وتنحصر في المطالبة بمستحقاتها الخارجية، ومنها تلك التي جمدتها الدول والبنوك منذ فرض العقوبات الأممية على طهران، وما تلاها من عقوبات غربية.
من أبرز دفاتر إيران القديمة محاولة استرداد مستحقاتها لدى العراق المجاور، الذي تحظى فيه بوجود سياسي واقتصادي قوي، ولذا فقد توجه محافظ البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي، أمس الاثنين، إلى بغداد على رأس وفد اقتصادي، لإجراء مباحثات مع المسؤولين، بهدف التوصل إلى اتفاق لتحرير أرصدة إيرانية مجمدة تقدر بنحو 5 مليارات دولار، وهي عوائد صادرات إيران من الغاز والكهرباء.
مهمة الوفد الإيراني في بغداد ليست سهلة، وخاصة أن العراق يعاني من وضع اقتصادي لا يقل في خطورته وتأزمه عن حالة نظيره الإيراني، فحكومة مصطفى الكاظمي وجدت صعوبة شديدة في تدبير رواتب موظفي الدولة عن شهر سبتمبر/ أيلول الماضي بعدما أعلنت عجزها عن السداد.
كما يعاني العراق من تراجع حاد في إيرادات النقد الأجنبي بسبب كورونا وتهاوي أسعار النفط، المصدر الرئيسي للإيرادات العامة.
وبسبب هذا الوضع الصعب أقر برلمان العراق منتصف العام الجاري قانونا يتيح للحكومة اقتراض 18 مليار دولار من الداخل والخارج، لتمويل العجز في موازنة العام الجاري 2020، وبالتالي فإن إيران قد لا تجد بغيتها في بغداد.
الحل أمام حكومة روحاني لحصار الأزمة الاقتصادية الخانقة يكمن في التوقف عن سياسة "تصدير الثورة" وإنفاق ثروات الشعب الإيراني على هذا الهدف الذي تحاول طهران تحقيقه منذ قيام الثورة الإسلامية في العام 1979.
فبدلاً من أن تبحث إيران في دفاترها القديمة فإنه يجب عليها أولا وقف ضخ مليارات الدولارات في دول المنطقة والتي تمنحها لأذرعها لتنفيذ مخططاتها التدميرية.
وفي مقدمة تلك الأذرع، حزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، والنظام السوري الذي يواصل قتل شعبه وتهجير عشرات الآلاف من الأشخاص، أو تمنحها إيران للميلشيات التابعة لها في العراق.