تعيش أسواق حلب أزمات عديدة، على وقع ابتزاز النظام السوري التجّار من أجل الحصول على إتاوات عبر العديد من الوسائل، الأمر الذي فجّر غضب رجال لتنظيم إضرابات احتجاجاً على التضييق عليهم في ظل تفاقم أوضاعهم الصعبة.
وفي هذا السياق، يكشف رجل الأعمال محمد مصطفى لـ"العربي الجديد" أن نظام بشار الأسد "أوقف كبار رجال الأعمال بمدينة حلب" بهدف ابتزازهم مالياً، وإلا سيبقون في فرع أمن "الخطيب" بالعاصمة دمشق حتى يدفعوا إتاوات يحددها النظام بناء على أعمالهم "لا تقل عن مئات ملايين الليرات السورية".
ويضيف مصطفى أن أمن بشار الأسد "اقتاد مؤخراً تجاراً وصناعيين وأصحاب محال ذهب، من "شويحنة، طرقجي، بصمة جي، حنيفة، فقاس" إلى دمشق، ويساومهم حتى اليوم، لدفع إتاوات ليتم الإفراج عنهم"، مشيراً إلى زيارات عديدة يقوم بها رجال أمن إلى شركات ومحال بحلب، وقد طلبوا من التجّار أموالاً "مساعدة للوطن" وإلا سيتم توقيفهم.
وينطلق رجال أمن بشار الأسد، بحسب المصدر نفسه، من مقولة لرئيس فرع أمن بدمشق "كل تجّار حلب لازم يمولوا الوطن بمحنته، ومن لا يموّل أحضروه".
ويعتبر رجل الأعمال السوري أن توقيف كبار رجال الأعمال هو من تداعيات الاحتجاجات والإضرابات التي شهدتها أسواق حلب خلال الأيام السابقة، مضيفاً: "ربما نرى تصعيداً بالأسواق ومن الشعب، إن استمر الاعتقال والابتزاز".
ومن جانبه، لم يستبعد الاقتصادي السوري عماد الدين المصبّح "انفجار الوضع" في كامل المناطق التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد "وليس مدينة حلب فقط"، لأن ثمة حدوداً لتحمل السوريين الفقر والجوع وانعدام الخدمات، والتي زادت عليها حكومة الأسد بفرض الإغلاق على المحال والأسواق السورية منذ الساعة الثامنة مساء، بحجة توفير الكهرباء لتوجيهها إلى المنازل.
ويشير المصبح إلى حالات الانتحار المتزايدة في مناطق سيطرة الأسد وبدء الاحتجاجات وإشعال الإطارات في مدينة جبلة الساحلية، مسقط رأس بشار الأسد، بعد عدم حصول الناس على الخبز أمس، معتبراً الإضراب الذي شهدته الأسواق والمحال التجارية بمدينة حلب بداية يؤسس عليها لاحتجاجات سنراها تباعاً في سورية.
ولم يستبعد الاقتصادي السوري خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن "تهتز أركان نظام الأسد، ولن نقول اقتلاعه، جراء الاحتجاجات وعجزه عن تأمين الخبز والمحروقات للشعب، إذ ليس من الصحيح على الدوام القول إن الأنظمة لا تسقط من بوابة الاقتصاد، أو لا تتأثر، فكثير من المستبدين تداعت أنظمتهم تحت مطالب الشعب وخروج الجوعى إلى الشوارع".
ويستمر إضراب محال وأسواق تجارية بمدينة حلب السورية "شمال شرق"، احتجاجاً على إغلاق المحال التجارية مساء وتراجع المبيعات، ما يزيد من خسائر التجار السوريين الذين يعانون من خسائر متتالية بعد تراجع القدرة الشرائية والركود الذي تعاني من السوق السورية.
ويقول التاجر مصطفى الصباغ لـ"العربي الجديد": لقد توسّعت رقعة الإضراب الذي بدأ منذ الثلاثاء الماضي، للحد الذي يمكن وصفه بالعام، بعد الدعوات المتكررة من نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي "صفحة ثورة جياع حلب" نتيجة انتشار القوى الأمنية بالأسواق خلال الفترة الأخيرة، ومساومة رجال الأعمال وناقلي البضائع عند الحواجز داخل المدينة، أو عناصر الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسر "أخو بشار " عند مدخل مدينة حلب.
وفي المقابل، يؤكد رئيس اتحاد ثوار حلب السابق، عقيل حسين، لـ"العربي الجديد"، أن إضراب المحال التجارية "توسع لإضراب شعبي ناعم"، شارحاً أن كثيراً من سكان حلب فضّلوا الجلوس في منازلهم وعدم الذهاب إلى العمل، ويحققون بذلك وفورات، لأن إيجار التاكسي يزيد عن 12 ألف ليرة وإيجار السرفيس "نقل جماعي" بين 3 و5 آلاف ليرة.
ويضيف حسين أن دعوات التظاهر اعتمدت على النقمة الشعبية وتراجع مستوى المعيشية وغياب الخدمات، وإن لم تلبَ اليوم "فلا شك سيتم التأسيس عليها لأن واقع المعيشة في سوء متزايد".
وكان ناشطون ومدنيون في مدينة حلب التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد قد دعوا خلال الأيام الماضية إلى الإضراب العام والتظاهر للضغط على النظام، وذلك عبر إغلاق المحال التجارية وشلّ الأسواق.
ويعاني سكان مدينة حلب الذين يزيد عددهم عن 4 ملايين سوري من نقص شديد في مادة الخبز، بعد تخصيص حكومة الأسد رغيفين ونصف الرغيف للشخص خلال اليوم، كما تفتقر الأسواق في حلب إلى مادتي المازوت والبنزين، رغم رفع حكومة الأسد الأسعار خلال الشهر الماضي.
وتشير مصادر من حلب إلى أن أغنى المدن السورية التي توصف بـ"عاصمة سورية الاقتصادية" قد بلغت من التفقير مستويات قياسية، ما زاد من عدد المتسولين والباحثين عن الغذاء في حاويات القمامة، بالإضافة إلى زيادة نسبة البطالة بعد قطع الكهرباء عن المنشآت والمعامل، حتى بمدينة "الشيخ نجار الصناعية"، ما أدى إلى إغلاق معظم المنشآت أو تراجع العمل فيها إلى أربع ساعات يومياً وتسريح أكثر من 60% من العمالة.
وزاد قرار محافظ حلب إغلاق المحال التجارية عند الساعة الثامنة مساء، الأسبوع الماضي، من امتعاض التجار والمستهلكين في آن واحد، الأمر الذي دفع بتجار حلب إلى التقدم، أسوة بتجار دمشق، بعريضة احتجاج، لاقت آذاناً صاغية من المحافظ، فوعد بالنظر في قضية إغلاق المحال وإمكانية تمديد ساعات الفتح، محتجاً بأن القرار قديم وتم تفعيله الأسبوع الماضي.
لكن القانوني السوري محروس فؤاد يؤكد لـ"العربي الجديد" أن قرار إغلاق المحال التجارية في توقيت الثامنة مساء "سقط منذ تم إلغاء قانون الطوارئ في إبريل/ نيسان 2011 بعد مطالب الثوار السوريين، والتعذر بأن هذا القرار ساري المفعول هو مخالفة قانونية وغير صحيح.
وكان المحافظون في المدن السورية الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد قد أصدروا قبل الأسبوع الماضي قراراً بإغلاق المحال التجارية عند الساعة الثامنة مساء، بهدف توفير الطاقة الكهربائية، كما أعلن نائب رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، عبد الله نصر، بأن مبررات القرار تأتي بهدف توفير الطاقة وتوجيهها إلى المنازل وتنظيم الدوام "وفق وجهة نظر المحافظة".
ويرى الاقتصادي السوري سمير سعيفان أنّ نظام الأسد هذه الفترة، ومع مدينة حلب بشكل خاص، يعاني من تناقض وحيرة، فهو من حيث المبدأ والتطبيق والسوابق لا يمانع إبادة كل من يخرج أو يتمرد على نظامه بمظاهرات، لكن من يُضرب في حلب وربما يتظاهر هم أهل جنوده وأهم حوامله الاقتصادية.
ويتابع: "حتى جنود الأسد جياع، وفي الوقت ذاته لا يمكن لنظام الأسد أن يلبي احتياجات المضربين، ما سيدفعه، على الأرجح، ليتراجع عن بعض القرارات ويخفف العبء الضريبي ويسعى لتأمين بعض مستلزمات الناس والمنشآت الاقتصادية".
ويضيف سعيفان لـ"العربي الجديد" أن حلب من أهم كلمات السر السورية، الاقتصادية والحواضن الشعبية ورفد نظام الأسد بالمؤيدين والمال، لذا إن خرجت حلب عن قبضة الأسد الأمنية، فربما تتغير المعادلة السورية.