تفاعلت قضية اختفاء 490 طناً من القمح من سفينة "سورية" المحملة بنحو 11.500 طن تم توريدها عبر شركة سيستوس أوف شور – لبنان إلى سورية قبل أيام، بعد اعتراف مدير مؤسسة النقل البحري حسن محلا، اليوم الخميس، بنقص الكمية ورفضه كلمة سرقة التي وجهتها وسائل إعلام سورية لأطراف الصفقة "الناقل، الوكيل البحري أو المورد".
ويضيف مدير المؤسسة الحكومية، خلال رد اطلع عليه "العربي الجديد"، أن الكمية التي وصلت تم تفريغها بالكامل ولا توجد أي سرقة بالمرفأ أو خلال النقل، وتم تثبيت النقص ووفق العقد الموقع مع المورّد، وسيتم التعامل وفق الأنظمة وتغريمه ثمن الفارق بين الكمية المثبتة بالعقد والمستلمة في المرفأ السوري.
ويلمّح محلا إلى أن هناك نسبة تسامح في البضائع المشحونة بشكل دوغما تتراوح بين 1 و1.5 بالمئة من حمولة الباخرة بسبب فروق القبابين والهدر أثناء التحميل وأثناء التفريغ، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل اختلاف درجة الرطوبة بين مرفأ التحميل ومرفأ التفريغ، وكانت نسبة التسامح المتبعة في سورية سابقاً 1.5% وتم إنقاص هذه النسبة إلى 1% بتاريخ 4/5/2016.
بدوره، يكشف مدير مؤسسة الحبوب في الحكومة السورية المعارضة حسان محمد، لـ"العربي الجديد"، أن الإشارة إلى عوامل الرطوبة ونسبة التسامح محاولة تغطية على عملية فساد تمت بين المورد والوسيط أو عمليات تلاعب بالوزن وسرقة في المرفأ بعد وصول الباخرة، وهي حالة تتكرر بشكل دائم خلال استيراد النظام عبر رجال الأعمال، سواء للقمح أو حتى للنفط، "بالعادة يسكتون ولا يدققون، فما سر فضح السرقة هذه المرة؟".
ويضيف محمد أن الرطوبة خلال نقل القمح بالبحر، تزيد من زنة الشحنة ولا تنقصها، كما أن نسبة الرطوبة بعد التحليل وقبل التحميل معروفة عالمياً بنسبة 13 %، وأما نسبة التسامح للمواد المشحونة من دون تغليف "دوغما" 1% فلا يمكن أن تسبب نقص 500 طن.
وحول تكرار عمليات النقص ومن وراءها، يؤكد مدير المؤسسة محمد أن جميع شحنات الحبوب الواردة للنظام من روسيا هذا العام، تضمنت نقصاً كبيراً يفوق نسبة التسامح، و"لدينا أدلة" سواء خلال الصفقة التي نقلتها باخرة نانالين أو حمولة طه واي أو غرين غلوري ونيوسهام.
واعتبر أن التلاعب يتم بين وسيط التوريد الذي يعتمده النظام وبين الشركة المصدرة، "لأن نظام الأسد يعتمد وسطاء من القطاع الخاص للتوريد لصالح مؤسسة الحبوب الحكومية"، وذلك بسبب إفلاس النظام، كما يعتمد شركات أوف شور لرجال أعمال سوريين مسجلة خارج سورية، لتنقل البضائع والسلع للنظام عبر سفن ترفع علما غير سوري، للهروب من الدرويات البحرية.
وتكشف مصادر خاصة من دمشق لـ"العربي الجديد" أن ما كشف التلاعب في هذه الصفقة بالذات، هو اختلاف الوزن بين وثائق حمولة الشاحنات من المرفأ الروسي وبين الكمية المستلمة بالفعل بعد خروجها من مرفأ اللاذقية السوري، ما دفع مؤسسة الحبوب لرفع "شكاية" لرئاسة الوزراء، متهمة أن "المشكلة تمت بمرفأ اللاذقية.
وتساءلت المصادر، خلال اتصال مع "العربي الجديد"، لماذا لم يعلن مدير النقل البحري عن فارق الوزن، بين العقد والكمية التي تم استلامها قبل أن تتقدم مؤسسة الحبوب بشكواها لرئاسة الوزراء؟
وترجح المصادر أن التلاعب نتج خلال تسجيل أوزان السيارات بقبان المرفأ وعودة السيارة للتحميل ثانية باليوم نفسه وببطاقة القبان نفسه، ما يعني "سرقة حمولة السيارة كاملة" وتضيف المصادر أنه تم تشكيل لجنة من "وزارة النقل والتجارة الداخلية وحماية المستهلك والمالية"، وهي سبب مخاوف كشف الفساد وتوضيح مدير مؤسسة النقل البحري اليوم.
من جهته، يؤكد مدير التجارة الخارجية في المؤسسة السورية للحبوب نذير ضبيان أنه في حال وجود نقص في كميات القمح الموردة خارج حدود التسامح، المتفق عليها بين المؤسسة والمورد والبالغة عشرة بالألف، يتم تغريم المورد أو إيجاد تسوية تضمن للمؤسسة حقوقها.
وأشار خلال تصريحات صحافية إلى أن أغلبية الشركات الناقلة والموردة للقمح تشكو من الصعوبات التي تعترض عملها أثناء عملية تفريغ البواخر في مرفأ اللاذقية، من خلال ارتفاع نسب النقص عن الحدود المتسامح بها، رغم اتخاذهم كافة الإجراءات المتبعة، وأن هذا الأمر يكبدهم نفقات إضافية وخسائر تقدر بملايين الليرات، و" هذا النقص الكبير يجعل الشركات الوطنية الخاصة تعزف عن الدخول في مناقصات المؤسسة".
ويعاني نظام بشار الأسد أزمة تأمين القمح وخبز السوريين، بعد تراجع الإنتاج من نحو 4 ملايين طن عام 2010 إلى 1.5 مليون طن الموسم السابق، وما يقال عن إفلاسه وتكليف رجال من القطاع الخاص لاستيراد القمح من روسيا، بعد إلغاء 6 شركات روسية عقودا مبرمة مع مؤسسة الحبوب الحكومية الشهر الماضي.
وبحسب تصريح سابق لمدير التجارة الخارجية بمؤسسة الحبوب، اعتذرت الشركات الروسية بعد توقيعها ستة عقود لتوريد 450 ألف طن قمح بسعر 224 دولاراً للطن، لأسباب تتعلق بالتأخر في فتح الاعتمادات وارتفاع الأسعار العالمية.