- اقتصاد إسرائيل يواجه تحديات بما في ذلك عجز الموازنة، ارتفاع الأسعار، وانهيار قطاعات اقتصادية، مع مخاوف من مقاطعة اقتصادية بدأتها تركيا وقد تمتد لدول أخرى.
- الاتهامات والمقاطعات المحتملة قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، هروب الاستثمارات، وتعميق الأزمة الاقتصادية، مع إمكانية خفض تصنيف إسرائيل الائتماني وفرض عقوبات دولية تؤثر سلبًا على وضعها الدولي والاقتصادي.
يقف اقتصاد إسرائيل مذهولاً أمام دعوة مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إلى ملاحقة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت بتهمة ارتكابهما جرائم حرب خلال الإبادة الجماعية المستمرة ضد قطاع غزة.
وقد اتهم مدعي عام المحكمة كريم خان نتنياهو وغالانت وثلاثة من قادة حماس بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة وإسرائيل. ويجب على المدعي العام أن يطلب أوامر الاعتقال من لجنة تمهيدية مكونة من ثلاثة قضاة، للنظر في الأدلة وتحديد ما إذا كان من الممكن المضي قدمًا في الإجراءات.
ويعاني اقتصاد إسرائيل من أزمات واسعة النطاق، أدت إلى صعود عجز الموازنة وارتفاع الأسعار وانهيار عدد من القطاعات الاقتصادية، إضافة إلى خفض التصنيف الائتماني. فكيف يمكن لقرار المحكمة أن يؤثر على مستقبل اقتصاد إسرائيل؟
يتخوف الإسرائيليون من مقاطعة اقتصادية واسعة النطاق، بدأتها تركيا وقد تمتد إلى دول أخرى، وإصدار قرار اعتقال بحق رئيس الحكومة ووزير الأمن يزيد من الدفع نحو هذا الاتجاه، خاصة مع صدور تقارير تفيد بأن دولة جنوب أفريقيا تتجه هي الأخرى إلى المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل.
تُظهر بيانات مكتب الإحصاء المركزي للاحتلال أن إسرائيل استوردت في عام 2023 بضائع من تركيا بقيمة حوالي 4.6 مليارات دولار، أي 5% من إجمالي الواردات الإسرائيلية، ما يجعل تركيا خامس أكبر مورد لإسرائيل، وتقف فقط بعد الصين والولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا.
وتتعزز المخاوف مع إعلان إسبانيا في مطلع الشهر الحالي فرض عقوبات على إسرائيل وتجميد بيع السلاح والوسائل التكنولوجية لها احتجاجا على الإبادة الجماعية في غزة، وذلك بعد إعلان المملكة المتحدة إعادة النظر في تصدير أسلحة وتكنولوجيا إلى الاحتلال.
يأتي ذلك مع اتجاه كل من إسبانيا ومالطا وسلوفينيا وأيرلندا نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية، ومع صدور قرار اتهامي من المحكمة الجنائية قد تلجأ هذه الدول إلى توسيع العقوبات.
وكانت إسبانيا أدانت في مارس/ آذار خطط الاحتلال لتوسيع المستوطنات، ودعت الاحتلال للتراجع عن هذا القرار، كذا فعلت فرنسا التي وصفت توسيع المستوطنات بأنه قرار غير مقبول وغير قانوني وغير مسؤول.
وقد تتسبب المقاطعة في ارتفاع حاد في الأسعار، التي زادت بنسبة تصل إلى 10% في شهر مايو/ أيار، و25% في مطلع العام الحالي بحسب المواقع الإسرائيلية.
عقوبات محتملة على اقتصاد إسرائيل
بالإضافة إلى ذلك، فإن إصدار أوامر الاعتقال قد يؤدي إلى فرض عقوبات على اقتصاد إسرائيل بما في ذلك حظر الأسلحة، وهي خطوة حصلت بالفعل في الأشهر الأخيرة، بحسب موقع "غلوبس" الإسرائيلي، الذي يضيف أن من المتوقع أن تقرر محكمة العدل الدولية في لاهاي ما إذا كانت ستصدر أوامر بوقف الحرب على غزة، وقد يعطي قرار طلب أوامر الاعتقال دفعة قوية لها. كما ستضع الأوامر إسرائيل ضمن مجموعة الدول ذات السجل الإشكالي مثل روسيا والسودان وليبيا، وقد تؤدي إلى تجنب الدول الاجتماع مع القادة الإسرائيليين.
يقول الدكتور روي شيندورف، نائب أمين المظالم السابق للقانون الدولي، لـ"غلوبس"، إن "هذا تطور صعب للغاية. ولن ينتهي بالضرورة بمجرد طلب أوامر اعتقال.. بل ستكون له آثار واسعة في ما يتعلق بدولة إسرائيل ووضعها الدولي، ومن المتوقع أيضًا حدوث ضرر بصورة إسرائيل وربما ضرر أمني واقتصادي، بسبب احتمال أن تقرر دول أخرى تعليق أو تقييد التجارة مع دولة إسرائيل في أعقاب الشبهات ضد رؤساء الدول".
ويساهم انهيار سمعة إسرائيل خارجياً في ابتعاد المستثمرين عن سوقها، خاصة في ظل الأزمات الداخلية لدى الاحتلال واحتمال تأجج الاحتجاجات مجدداً ضد حكومة نتنياهو. وقد تفضل الشركات التابعة للدول الـ124 الأعضاء في المحكمة الجنائية تجنب السوق الإسرائيلية. إذ إن أوامر الاعتقال تعني أن جميع الدول الأعضاء في المحكمة سيتعين عليها الانصياع للأوامر واعتقال من يدخل أراضيها من المتهمين، أي أن مسؤولي إسرائيل لن يتمكنوا من دخول هذه البلدان من دون التعرض لخطر الاعتقال.
وبحسب "غلوبس"، فإن التقييم في إسرائيل يقول إن الدول الأعضاء في المحكمة لن ترغب في خرق الأمر، وبالتالي تفضل ألا يقوم نتنياهو وغالانت بزيارة أراضيهما.
مصدر قلق آخر يبرز كذلك، ويتمثّل في أن دولاً قد تصدر أوامر اعتقال بحق الرتب الدنيا في الجيش والحكومة بعد هذا القرار. وكل ذلك يعني اضطرابات إضافية في السوق الإسرائيلية قد تعمّق من الأزمات القائمة فعلاً.
التأثير على التصنيف
إضافة إلى هروب الاستثمارات، فإن المخاطر على اقتصاد إسرائيل التي ستتزايد بعد قرار المحكمة ستدفع وكالات التصنيف الدولية إلى خفض تصنيف إسرائيل مجدداً، ما يزيد من كلفة سنداتها الدولية ويصعّب قدرتها على الاقتراض من الأسواق العالمية.
وفي الشهر الماضي، خفّضت شركة التصنيف ستاندرد أند بورز التصنيف الائتماني لإسرائيل من AA- إلى A+، تاركة توقعات التصنيف عند "سلبي"، وذلك على خلفية العدوان على غزة واحتمال تدهور الوضع الأمني في مناطق أخرى أيضًا. ومنذ أيام، خفضت الوكالة ذاتها توقعات التصنيف الائتماني لشركة السكك الحديدية الإسرائيلية والموانئ الإسرائيلية للأسباب نفسها.
وفي 12 مايو/ أيار، تركت وكالة موديز التصنيف الائتماني لإسرائيل عند درجة A2، ما يجسد بشكل مناسب تعرّض إسرائيل المرتفع للمخاطر الجيوسياسية، حيث أبقت الوكالة تصنيفات الحكومة الإسرائيلية للعملة الأجنبية والعملة المحلية والتوقعات السلبية من دون تغيير، مع نظرة مستقبلية سلبية.
وهدد عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي بفرض عقوبات ضد أعضاء المحكمة الجنائية الذين ساهموا في القرار الاتهامي ضد نتنياهو وغالانت، ولكن خبراء قانونيين أكدوا لـ"العربي الجديد" أن ذلك مستبعد، حيث أصدر الرئيس السابق دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا في العام 2020 يجيز فرض عقوبات على موظفي المحكمة الجنائية الدولية المشاركين في التحقيق في جرائم حرب محتملة ارتكبتها الأميركيون في أفغانستان، ولكن إدارة الرئيس جو بايدن رفعت في العام 2021 هذه العقوبات، ومن المستبعد أن تلجأ إليها مجدداً خاصة في ظل الاحتجاجات واسعة النطاق ضد إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية.
ما سبق يعني أن اقتصاد إسرائيل سيكون أمام احتمال واسع لصدور قرار اعتقال رئيس حكومة الاحتلال، وبالتالي تعميق حدة المشكلات، خاصة مع وصول العجز في شهر إبريل / نيسان إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر الـ12 الماضية، أو 132.2 مليار شيكل، بحسب ما أفاد المحاسب العام لوزارة المالية يالي روتنبرغ.
وبعد الأشهر الأربعة الأولى من العام، اتسع العجز بالفعل إلى ما يتجاوز هدف الحكومة لعام 2024 وهو 6.6%. ويوضح مكتب المحاسب العام لوزارة المالية، بحسب موقع كالكاليست الإسرائيلي، أنه في شهر إبريل، جرى تأجيل دفع ضرائب بقيمة 4.8 مليارات شيكل حتى شهر مايو / أيار بسبب عطلة عيد الفصح اليهودي. لكن حتى بعد أخذ هذا المبلغ في الاعتبار، كان العجز المالي سيصل إلى 6.7%.