تتجه العلاقات بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي إلى التصعيد في الجانبين الاقتصادي والسياسي، مع استمرار العدوان الإجرامي بحق قطاع غزة والضفة الغربية وسعي الاحتلال لتهجير الفلسطينيين.
ويبدو أن الأردن، بحسب مراقبين، رتب خياراته للتعامل مع استمرار الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة وفقا لتطورات الأوضاع، وذلك في سياق الدور الأردني المدافع عن القضية الفلسطينية وارتباطه اللصيق بها منذ عقود طويلة.
ويرتبط الأردن وإسرائيل باتفاقية سلام منذ العام 1995، هدفت في ملحقاتها إلى إقامة علاقات طبيعية في مختلف المجالات الاقتصادية بخاصة الطاقة والمياه والتجارة والاستثمار، ووُقّعت بموجبها اتفاقية شراء الغاز من الاحتلال الإسرائيلي لمدة 15 عاما وبقيمة 10 مليارات دولار، لتلبية احتياطيات الجانب الأردني من الكهرباء بالاعتماد على توليدها باستخدام الغاز الطبيعي.
كما كانت هنالك محاولات لإقامة مشروع مشترك يقوم على ربط البحر الأحمر بالبحر الميت، لكنه فشل بسبب مماطلة الجانب الإسرائيلي.
وفي أحدث تطور، أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، السبت، أن بلاده لن توقع اتفاق المياه مقابل الطاقة الذي يجرى العمل على تنفيذه بشراكة ثلاثية بين الإمارات والأردن وإسرائيل، وذلك ردا على الحرب المستمرة بحق قطاع غزة والتنكيل بالمدنيين ومقدرات الشعب الفلسطيني.
وأثار تصريحات الصفدي انتقادات إسرائيلية عقب إعلانه أن بلاده لن توقع اتفاقية لتبادل الطاقة مقابل المياه مع دولة الاحتلال في ظل الحرب على قطاع غزة، والتي كان من المقرر توقيعها الشهر الماضي.
ووقعت الإمارات والأردن وإسرائيل عام 2020 "إعلان نوايا" تمهيدا للدخول في عملية تفاوضية للبحث في جدوى مشروع ثلاثي مشترك في قطاعي الطاقة والمياه.
ووفقا لما صدر عن الجانب الأردني، فإن هذا الإعلان لا يعني توقيع اتفاق، بل يأذن بالدخول في عملية تفاوضية في عام 2022 لدراسة جدوى هذا المشروع، الذي يُفترض أن يحصل الأردن بموجبه على 200 مليون متر مكعب من المياه سنويا.
وقالت الحكومة الأردنية، في وقت سابق، إن هذا المشروع يأتي تماشيا مع حاجات الأردن المتزايدة في المستقبل لمصادر دائمة المياه، في ظل النمو السكاني وتزايد الاعتماد على المياه في الصناعة والزراعة والمجالات الأخرى.
وأشارت الحكومة إلى "محدوديَّة الدَّعم الخارجي للأردن وتحمّله أعباء اللجوء والزِّيادة غير الطبيعيَّة للسكَّان منذ سنوات طويلة، حيث تسبَّبت بضغط على البنى التحتيَّة ومختلف الخدمات، وأن الأردن من الدول الأكثر فقرا بالمياه على مستوى العالم وأن العجز المالي يتفاقم عاما بعد آخر".
ويحصل الأردن على 35 مليون متر مكعب من المياه سنويا بموجب معاهدة السلام، بالإضافة إلى 10 ملايين متر مكعب أُضيفت عام 2010، في حين يعتمد في بقية المصادر على تجميع المياه والمياه الجوفية، وتبلغ حصة الفرد من المياه 80 مترا مكعبا مقابل 500 متر مكعب للفرد كمعدل على مستوى العالم.
وتعليقا على التطورات الأخيرة، قال الخبير في قطاع النفط والطاقة هاشم عقل لـ"العربي الجديد" إن هذه الاتفاقية لم تكن في يوم ضرورة أردنية، ولم نكن مضطرين لها، لذلك فإن إلغاء التوقيع على الاتفاقية لن يضر الأردن في شيء، لأن هناك خيارات مشاريع الربط الكهربائي مع الدول العربية المجاورة، وهناك اتفاقيات فعلية مع العراق ومصر وفلسطين وأخرى تحت التنفيذ مع مصر والسعودية وسورية ولبنان.
كما أن هنالك نقطة مهمة جدا في حال تنفيذ مشاريع الربط الكهربائي بنجاح مع الدول العربية، وهي امتداد هذه المشاريع إلى الربط مع أوروبا، حسب عقل.
أما بالنسبة للمياه، فقال عقل: "إعادة تأهيل خطوط نقل المياه يقلل نسبة الفاقد، وقد نجحت الوزارة في خفض 2% من نسبة الفاقد وهي ما زالت تنفذ المزيد".
وأوضح الخبير الأردني أن المواطن أيضا مستعد ويجب عليه أن يلتزم بسياسة ترشيد الاستهلاك حتى نستغني نهائياً عن جلب المياه من العدو الصهيوني، وهي مياه عربية فلسطينية خالصة.
من جانبه، قال مقرر اللجنة المالية في مجلس النواب الأردني ضرار الحراسيس، ردا على تصريح رئيس وزراء إسرائيل المعتزل سياسياً نفتالي بينيت، في تغريدة له على منصة إكس: "توعّد الشعب الأردني بالعطش"، إن الشعب مستعد للشهادة في سبيل قضايا أمته، وبذات الوقت فإن المهزوم سياسياً لا يعلم أن الخيارات لدينا مفتوحة مع الدول العربية الشقيقة".
وقال الحراسيس إنه بات على الأردن البدء بمشروعه الاستراتيجي المائي بإنشاء محطة تحلية متكاملة لضمان أمنه المائي.
أما وزير المياه الأردني الأسبق حازم الناصر فشدد على أنه: "واهم من يعتقد أن الأردن مرهون بأي دولة في موضوع المياه، ولدينا موارد وطنية تكفي لسنوات قادمة".
وأَضاف في تصريحات صحافية أن استخراج المياه الجوفية العميقة في الأردن أرخص من الاعتماد على المياه القادمة من الاحتلال وأكثر أمانًا، مشيرًا إلى أثرها الإيجابي على الاقتصاد الوطني.
وبين أن الدراسات والمشاريع التي قامت بها وزارة المياه والري سابقا تشير إلى أن الأردن يمتلك موارد مائية كافية لفترة طويلة وأنه لا حاجة إلى مياه الاحتلال.
وأكد ضرورة إعطاء الأولوية القصوى للموارد الوطنية، مثل المياه الجوفية العميقة والناقل الوطني، حتى لا يكون موضوع المياه مرهوناً بيد أي دولة.
وقال إن تصرفات الاحتلال تهدد الأمن الوطني، خاصة في ما يتعلق بملف المياه، وإن وقف الاتفاقية يعد خطوة تستحق التقدير وتراعي المصالح الوطنية الأردنية ومصلحة الشعبين الأردني والفلسطيني.
وكان الأردن شهد اعتراضات ومسيرات حاشدة رفضا للتطبيع الاقتصادي مع الاحتلال الإسرائيلي، ومطالبات بعدم توقيع اتفاق الطاقة مقابل المياه، وكذلك التوقف عن شراء الغاز المحتل من قبل إسرائيل.