فرضت الأزمة الصحية التي تخترق العالم، بما تسببت فيه من أزمة اقتصادية واجتماعية، على مغاربة تأجيل مشاريعهم للهجرة، حيث يبدو أنها دفعتهم إلى مراجعة نواياهم نحو الاغتراب.
وجاء في تقرير للمندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، نوقش في مؤتمر، يوم الجمعة الماضي، بمناسبة اليوم العالمي للهجرة، وشمل أكثر من 15 ألف أسرة، أن 23.3% من المستجوبين عبّروا عن تبوث النية لديهم للهجرة.
فاجأت تلك النسبة من كان يظن أن من يخططون للهجرة يتجاوزون تلك النسبة بكثير، غير أن المكي بناني، المسؤول في المندوبية السامية للتخطيط، أشار في تعليقه على تلك النسبة، إلى أن الأزمة الصحية التي يعرفها العالم، قد تكون أقنعت البعض بالعدول عن فكرة الهجرة.
ويعبّر في استشرافه لنوايا المغاربة، عن اعتقاده بأن تلك النسبة قد ترتفع مع التعافي الاقتصادي في بلدان الاستقبال، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن تلك النسبة قد تنخفض، حسب الفرص التي قد تلوح في المغرب.
ويلاحظ إننيغو موري، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ورئيس منظمة "ريميساس" المتخصصة في تتبع تحويلات المغتربين، أنه في أزمة 2008، كان هناك خيار الهجرة إلى البلدان العربية، بعدما ضاقت الفرص في البلدان الأوروبية.
وأكد موري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الأزمة الصحية التي تحولت إلى أزمة اقتصادية، طاولت جميع البلدان التي يوجد فيها المغتربون المغاربة، حيث تراجعت الفرص في البلدان الأوروبية والعربية على حد سواء، بل إن بلدانا عربية عمدت إلى التخلي عن عمال لديها.
ويبقى فتح الحدود البحرية والأجواء الجوية، رهينا بالتلقيح ضد فيروس كورونا في المغرب والبلدان الشريكة، خاصة في أوروبا، حيث يمكن أن يساهم فتح الحدود في عودة مهاجرين من الخارج، ويحيي أحلام من يرغبون في الهجرة.
ويلاحظ التقرير أن العاطلين ينوون الهجرة بنسبة تناهز 51%، بينما لا تتجاوز نسبة الذين يحلمون بالهجرة من العاملين حاليا نسبة 21.9%، ويتجلى أن البحث عن عمل وتحسين شروطه، غالب في نوايا الهجرة بنسبة 68.5% بين الرجال، وهي نسبة تصل إلى 45.8% بين النساء.
ولا يتطلع المغاربة للهجرة فقط من أجل الإفلات من البطالة أو بحثا عن تحسين شروط العمل، بل هناك أسباب أخرى يستحضرونها، كما يتجلى من البحث الذي كشفت عنه المندوبية السامية للتخطيط، مثل تلك التي تتعلق بالدراسة وشروط الحياة والخدمات الاجتماعية والصحية.
ويرنو المغاربة المشاركون في الاستطلاع الذي استند عليه البحث، إلى الهجرة إلى أوروبا وأميركا الشمالية على التوالي بنسبة 81.8% و9.2%، بينما لا تحظى البلدان العربية سوى بنسبة 2.9% في نوايا الهجرة، حيث يتجلى أن المغاربة يميلون أكثر للهجرة إلى أوروبا التي كانت مقصدهم الأول منذ أكثر من 70 عاماً.
ويقدّر عدد المغتربين المغاربة بحوالي 5 ملايين نسمة، 85% منهم يقيمون في أوروبا، خاصة في فرنسا التي تحتضن حوالي 1.5 مليون مغترب، بينما يتوزع الباقي بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا وبلدان عربية.
ويراهن المغرب على تحويلات المغتربين التي توفر إيرادات لأسرهم وتدعم رصيد المملكة من العملة الصعبة، حيث يتوقع البنك المركزي أن ترتفع في العام الحالي بنسبة 1.6 مليار دولار، كي تصل إلى 6.6 مليارات دولار، هذا في الوقت، الذي يرتقب أن تنخفض عائدات السياحة بأكثر من 60%، كي تستقر في حدود 3 مليارات دولار.
وكانت الأزمة الصحية، وما اقتضته من تدابير حجر صحي وطوارئ صحية وإغلاق للحدود، دفعت الحكومة إلى إلغاء عملية عبور المهاجرين في الصيف نحو المملكة، علما أنها اعتادت استقبال ثلاثة ملايين منهم في تلك الفترة، ما يساهم في إنعاش الاستهلاك وسوق العقارات ويضخ سيولة في المصارف والأسر.
وأكدت الوزيرة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، نزهة الوافي، يوم الجمعة الماضي، أن الوزارة عملت على وضع مقاربة جديدة بهدف جذب كفاءات واستثمارات المغتربين كي يساهموا بالتنمية في بلدهم الأم.
ودفعت الجائحة المغرب إلى الاقتراض الخارجي للمرة الثانية في غضون ثلاثة أشهر، حيث حصل على 3 مليارات دولار من السوق الدولية في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول الجاري، من أجل محاصرة العجز في الموازنة ودعم رصيد النقد الأجنبي. ويتفادى المغرب اللجوء مجدداً إلى صندوق النقد الدولي، لتجنب شروط قد تزيد من الضغوط المعيشية على الفقراء ومحدودي الدخل، وفق خبراء اقتصاد.