الاحتلال يقطع الشريان التجاري بين لبنان وسورية: قصف المعابر

11 أكتوبر 2024
ضرب المعابر سيؤدي إلى شح السلع في أسواق البلدين (رمزي حيدر/فرانس برس)
+ الخط -

 

قلبت الحرب الإسرائيلية على لبنان، أخيراً، آلية التعاطي التجاري الرسمي والهامشي بين البلدين، لتتحول سورية إلى مصدر للغذاء والطاقة للبنان، بعدما كان مرفآ بيروت وطرابلس الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد السوري، منذ فرضت عليه العقوبات الاقتصادية. 

وتعمّد الاحتلال الإسرائيلي قصف ثلاثة معابر حدودية حتى الآن بين لبنان وسورية، أكبرها المصنع ــ جديدة يابوس، ومعبر الجوسية والثالث مطربا.

ويجمع اقتصاديون أن لبنان، ورغم الأزمة الاقتصادية الخانقة، الممتدة منذ عام 2019 والتي صنّفها البنك الدولي على أنها واحدة من أشد ثلاث أزمات في العالم، وأدّت إلى انهيار مالي ومعيشي وشحّ حاد في المواد الأساسية بما فيها الوقود والطاقة والأدوية، بقي المعبر الأهم للسلع والبضائع وحتى المحروقات إلى سورية، وزاد التبادل التجاري بين البلدين، وعبر المعابر معظمها، وإن تركز مرور الشاحنات والواردات والصادرات على معبر "جديدة يابوس" في سورية الذي قصفته إسرائيل يوم الجمعة الماضي، وهو المقابل لمعبر المصنع في الجانب اللبناني وقبله قصفت معبر مطربا، ثم معبر جوسية أمس.
 

معابر غير رسمية

يقول المستشار الاقتصادي السوري، أسامة قاضي لـ"العربي الجديد" إن ضرب المعبر الرئيسي والرسمي بين البلدين، سيعيق التبادل التجاري ويؤثر على حجم التبادل الذي وصفه بالقليل "بطبيعة الحال" لأن كلا البلدين يعانيان من تراجع وأزمات بالموارد ولا يمكن أن يحققا تكاملاً اقتصادياً، لأن المواد المطلوبة بسورية ولبنان تكاد تكون نفسها، وبمقدمتها المشتقات النفطية التي يستوردها البلدان من إيران، إضافة إلى منتجات وسلع صناعية، وحتى غذائية، تأتي من أوروبا للبنان ومن دول شرقية بالنسبة لسورية.

وحول حجم التبادل بين البلدين، يضيف المستشار قاضي أنه لا توجد أرقام رسمية دقيقة، نظراً لتعاظم التبادل غير الرسمي (التهريب) من المعابر الخمسة غير الرسمية، إلا أن التبادل الرسمي، برأيه، لا يزيد عن 300 مليون دولار، والميزان التجاري لمصلحة لبنان.

ويشير قاضي إلى أنه، وبحكم الجوار جغرافيا، وعدم وجود أي منفذ بري للبنان إلا سورية، تعتبر سورية المعبر الوحيد للمنتجات اللبنانية، خاصة الزراعية المتجهة إلى دول الخليج العربي، لذا فإن ضرب المعبر الرئيس قد يؤثر على الاقتصاد اللبناني أكثر من السوري، رغم أن سورية تأتي في المرتبة الثالثة على لائحة أهم أسواق الصادرات اللبنانية بعد الإمارات والسعودية، وخصوصاً الصادرات الزراعية بحصّة 14% من مجموع قيمتها. كما تستورد سورية من لبنان المنتجات الغذائية والبلاستيك ومصنوعاته وتصدر مواد كيميائية وألبسة وأحذية.
 

الاحتلال يقصف معبر المصنع

ويعتبر قاضي أن ضرب معبر المصنع المقابل لجديدة يابوس في سورية سيغيّر من ملامح التجارة التي لن تعوضها المعابر الأخرى، والتي قد لا تسلم من الاعتداءات، إن تم التشكيك بإدخال مواد غير غذائية أو أي منتج يمكن أن يدرج بدعم الحرب وحزب الله.

بدوره، يقول رئيس اتحاد شركات شحن البضائع الدولي في سورية، صالح كيشور، إن القصف الإسرائيلي العنيف على معبر المصنع الحدودي مع لبنان أسفر عن توقف شبه كامل لعمليات الاستيراد والتصدير. وأوضح كيشور خلال تصريحات الثلاثاء الماضي، أن المعبر كان يشهد عبور أكثر من 40 سيارة يومياً، ما يعكس حجم الأضرار التي لحقت بحركة التجارة بين البلدين، مبيناً أن اتحاد شركات الشحن طالب مديريات الجمارك بالسماح للسيارات باستخدام المعابر الحدودية الرسمية الأخرى مع لبنان، معتبراً أن تهديد المعابر أدى إلى خسارة اقتصادية كبيرة للبلدين معاً، لاسيما في ما يخص حركة الاستيراد من لبنان والتصدير إليه، إضافة إلى فقدان الخزينة العامة للدولة مبالغ من رسوم الترانزيت إذ كان يصل عدد سيارات الترانزيت بين لبنان والعراق عبر سورية إلى حوالي 60 سيارة تدفع كل سيارة نحو 600 دولار رسوم ترانزيت.

وحول دور الاتحاد في نقل المواد الإغاثية بسورية قال كيشور إن سيارات أعضاء الاتحاد والشركات المنتسبة إليه عملت في نقل المعونات والمواد الإغاثية إلى لبنان منذ بداية الحرب اللبنانية بشكل مجاني، ولا تزال تعمل إلى اليوم بنقل المواد الإغاثية والتبرعات إلى مراكز الإيواء الموجودة في سورية وخاصة في دمشق وحلب وفقاً لتعليمات الجهات المسؤولة بشكل مجاني أيضاً.
 

علاقة مركبة

من جانبه، يرى الاقتصادي السوري، عبد الناصر الجاسم، أن العلاقة بين سورية ولبنان "كانت مركبة ومحكومة بسطوة حزب الله على الدولة اللبنانية" لكنها اليوم، أو في المستقبل القريب، ستتغير لا شك، والأرجح أن تدخل خانة العلاقة الطبيعية بين الدول الشقيقة والمتجاورة، بصرف النظر عن التداعيات المتوقعة واحتمال اتساع ساحات المعارك أو حتى العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري والتي يتاجر بها. ويشير الجاسم خلال حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن نظام الأسد طلب علانية من الإمارات مساعدات مالية مباشرة وقد وصلته فعلاً، بعدما وجّه رئيس الإمارات محمد بن زايد، يوم الاثنين الماضي، بتقديم حزمة مساعدات إغاثية عاجلة بقيمة 30 مليون دولار إلى النازحين من الشعب اللبناني الشقيق إلى سورية.

هذا فضلاً عن توجيه مفوض شؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، خلال زيارته معبر جديدة يابوس الحدودي الاثنين الماضي، نداء للمانحين "لجمع التبرعات لمساعدتنا في الاستجابة للوضع الإنساني ومنحنا الأموال اللازمة لمعالجة الوضع الآن وفي الأشهر المقبلة"، الأمر الذي يراه الاقتصادي الجاسم "مناسبة وفرصة لنظام الأسد لجمع الأموال واستعادة علاقاته مع الدول الغربية".

ويختم الاقتصادي السوري بأن ضرب معبر المصنع-جديدة يابوس سيؤثر كثيراً على اقتصاد البلدين، خاصة بالنسبة للعرض السلعي بالسوق السورية، لأن مرفأ طرابلس كان يستقبل معظم شحنات التجار السوريين من الخارج، ويتم إدخالها عبر المعبر إلى سورية "هربا من العقوبات المفروضة على سورية ولأن التجار السوريين يفتحون اعتماداتهم من لبنان". وتوقع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بالسوق السورية؛ "خلال اليومين الأخيرين قفز سعر كيلو السكر من 10 آلاف و500 ليرة إلى 12 ألف ليرة والزيت النباتي من 24 إلى 28 ألف ليرة"، والأهم برأي الجاسم هو أزمة المحروقات.


قصة المعابر

ويعتبر معبر المصنع- جديدة يابوس الأهم والرئيسي بين البلدين، سواء للمسافرين بين البلدين أو القادمين لسورية عبر مطار بيروت، أو لنقل البضائع، ويقع بين بلدة جديدة يابوس في محافظة ريف دمشق، وبلدة المصنع اللبنانية. ويبعد عن العاصمة السورية نحو 40 كيلومترا، فيما يبعد عن العاصمة اللبنانية بيروت نحو 100 كيلومتر.

ويأتي معبر الدبوسية الذي افتتح رسمياً عام 2007، كثاني المعابر بين البلدين، أهمية وكثافة، فهو يربط بين محافظة عكار اللبنانية (قرية العبودية) وبلدة الدبوسية بريف حمص وسط سورية، وتأتي أهمية المعبر كونه صلة الوصل بين شمالي لبنان وسورية ورابط بين البلدين لنقل السلع والمنتجات الزراعية والمحروقات، وقد شهد هذا المعبر إغلاقات متكررة خلال الثورة السورية وسيطرة المعارضة على المنطقة، كما أغلقه الجانب اللبناني عام 2021 بسبب انقطاع الكهرباء وغياب المحروقات، ما أدى إلى تعطيل النظام الإلكتروني في المعبر، لكن النظام السوري استعاد السيطرة عليه وأعاد ترميمه في مايو/ أيار الماضي.
وثالث المعابر الحدودية بين البلدين هو معبر العريضة، وهو معبر رسمي يصل بين بلدة العريضة في محافظة عكار اللبنانية ومحافظة طرطوس الساحلية، غربي سورية، وشهد حالات نزوح وهروب نازحين وأسر سورية خلال الحرب، فهو يجمع السكان بروابط عائلية بين ضفتي المعبر، كما تمر عبر معبر العريضة سلع ومنتجات ويخفف عن النقل البحري، خاصة بعبور منتجات زراعية ومحروقات.

ومن المعابر الرسمية النشطة، بين سورية ولبنان، معبر جوسية الرابط بين بلدة جوسية في منطقة القصير بريف حمص الغربي وقرى البقاع اللبنانية، إلا أن معبر جوسية من المعابر التي تشهد تبادلا غير رسمي بين البلدين وتهريب المحروقات والأدوية.

وقد أغلق المعبر خلال سيطرة المعارضة السورية على المنطقة عام 2012، إلا أن نظام الأسد وبالتعاون مع حزب الله الذي سيطر على منطقة القصير أعاد افتتاحه والسيطرة عليه عام 2013 ولم يستخدم المعبر، لسنوات، لأغراض تجارية حتى عام 2017، بل سيطر حزب الله على المنطقة، ولم يزل، واعتبر المعبر أقرب للمنطقة العسكرية، قبل أن يعاد ترميمه عام 2017 وتنشيطه خلال العامين الأخيرين، لنقل بعض المنتجات والمحروقات، بين البلدين.
ويأتي معبر تلكلخ المنشأ رسمياً منذ عام 2009، ضمن المعابر النشطة بين سورية ولبنان، فهو يصل البلدين من مناطق غربي حمص بمناطق وادي خالد شمالي لبنان.

وبحكم طبيعة المنطقة الجبلية، لم يأخذ معبر تلكلخ دوراً اقتصادياً وتبادلياً كبيراً، لكنه من المعابر النشطة بالتهريب.

وآخر المعابر الرسمية الواصلة بين سورية ولبنان، معبر مطربا، وهو حديث تم افتتاحه قبل عامين بين منطقة القصير بسورية والتي يسيطر عليها حزب الله اللبناني غربي حمص، وبين محافظة الهرمل في لبنان، ويستهدف تسهيل عبور المسافرين ونقل بعض السلع والمنتجات، على حسب حاجة المنطقتين الحدوديتين.
لكن ثمة معابر كثيرة غير رسمية بين البلدين، منتشرة على الحدود البرية المشتركة، تسيطر على معظمها العشائر وتستخدم لتهريب المحروقات والتبغ والسلاح والمخدرات.

المساهمون