قالت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، اليوم الأحد، إن الدين العام في العديد من اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مصدر قلق. وشرحت خلال المنتدى السابع للمالية العامة في الدول العربية، المنعقد في دبي، أنه خلال السنوات الماضية، حقق العالم العربي تقدماً هائلاً، ولعب دوراً قيادياً حقيقياً على مستوى العالم.
وأضافت أنه رغم النجاحات، "تشهد المنطقة، على غرار مناطق كثيرة حول العالم، تحديات هائلة في الوقت الذي نواجه فيه أزمات عديدة". ولفتت إلى أنه بعدما ارتفع النمو العالمي 3,4% في العام الماضي، يتراجع حاليا إلى 2,9% خلال عام 2023، ليسجل تحسناً طفيفاً في عام 2024، حيث يصل إلى 3,1%.
وعلى الجانب الإيجابي، تراجع التضخم من 8,8% في عام 2022 إلى 6,6% هذا العام ويُتوقع 4,3% في عام 2024، وإن كان سيظل متجاوزا مستويات ما قبل الجائحة في معظم البلدان. ومن العوامل المساعدة إعادة فتح الصين، وصلابة أسواق العمل والإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وبينما تبدو الصورة واعدة، لا تزال التطورات السلبية هي الكفة الراجحة في ميزان المخاطر. فمن الممكن تعطل مسيرة التعافي في الصين. وقد يظل التضخم متجاوزاً للتوقعات، ما سيقتضي المزيد من التشديد النقدي، الذي قد يؤدي إلى عمليات إعادة تسعير مفاجئة في الأسواق المالية. وربما تتصاعد الحرب الروسية في أوكرانيا مخلفة اقتصاداً عالمياً أكثر تفككاً.
النمو في الدول العربية
وشرحت جورجيفا، في بيان نشر على موقع صندوق النقد الدولي، أنه مع تباطؤ الاقتصاد العالمي، يُتوقع تراجع النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضا من 5,4% في عام 2022 إلى 3,2% هذا العام، قبل أن يرتفع إلى 3,5% في عام 2024. وفي البلدان المصدرة للنفط، قد يؤدي تخفيض الإنتاج وفق اتفاقية أوبك+ إلى تراجع إيرادات النفط الكلية. وستتواصل التحديات في البلدان المستوردة للنفط. ويمثل الدين العام مصدر قلق كبير، حيث تواجه عدة اقتصادات في المنطقة ارتفاعاً في نسب الدين إلى إجمالي الناتج المحلي، التي تقارب 90% في بعض الاقتصادات.
وللعام الرابع على التوالي، يتوقع الصندوق أن يتجاوز التضخم في المنطقة 10%، وهو ما يزيد على المتوسط العالمي. وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات منخفضة الدخل في المنطقة، يعكس ذلك التداعيات الممتدة لارتفاع أسعار الغذاء، وانخفاض أسعار الصرف في بعض الحالات. وحسب التوقعات، يتراجع التضخم تدريجيا مع استقرار أسعار السلع الأولية وتحقق الأثر المرجو من تشديد السياسة النقدية وسياسة المالية العامة. كما يتوقع الصندوق استمرار بلدان مجلس التعاون الخليجي في احتواء التضخم.
وهناك عدة مخاطر تستدعي القلق في المنطقة أيضا، وفق الصندوق. فالحرب الروسية في أوكرانيا والكوارث المناخية قد تؤدي إلى تفاقم عجز الغذاء في البلدان الأكثر عرضة للمخاطر. ويُضاف إلى ذلك الارتفاع المزمن في معدلات البطالة، لا سيما بين الشباب، ما يضعنا أمام خطر هائل يهدد الاستقرار الاجتماعي.
كذلك، يمكن أن تؤدي زيادة تشديد الأوضاع المالية العالمية أو المحلية إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، بل ونقص التمويل في بعض الحالات. ومن شأن تأخر الإصلاحات المحلية الملحة أن يفرض عبئا على الآفاق الإقليمية والموارد الحكومية.
وصفة الصندوق
ودعت جورجيفا إلى بناء الصلابة من خلال سياسات المالية العامة، ويتمثل المبدأ الأول في وضع إطار قوي لإدارة سياسة المالية العامة والتعامل مع المخاطر المحيطة بها. وقالت: "لننظر إلى تقلبات أسعار الطاقة والغذاء في المنطقة، التي تتطلب من الحكومات التدخل لحماية الفئات الضعيفة مع مواصلة خطط التنمية والاستثمارات. ويقتضي ذلك التخطيط الدقيق وتوفر الموارد اللازمة. وهذا ما يفعله المغرب من خلال إلغاء الدعم المكلف غير الموجه تدريجيا لصالح توفير الدعم الاجتماعي الذي يستهدف الفئات المستحقة".
وأضافت: "كذلك وضعت موريتانيا ركيزة مالية لمواجهة تقلبات إيرادات تصدير المعادن، كما رفعت أسعار الوقود بنسبة 30% من خلال تخفيض الدعم. وتعمل بعض البلدان المستوردة للطاقة على بناء احتياطياتها عندما ترتفع الأسعار استعدادا لمواجهة تقلبات أسعار النفط".
وتابعت أنه على الحكومات أيضا إدارة العديد من المخاطر التي تهدد مالياتها العامة، بما في ذلك الناجمة عن الضمانات العامة وخسائر الشركات المملوكة للدولة، ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الدين وتخفيضات حادة في النفقات الضرورية. وتعكف مصر حاليا على تعزيز الرقابة على هذه المخاطر للمساعدة في إدارتها.
أما المبدأ الثاني، بحسب جورجيفا، فيتمثل في التخطيط والاستثمار على المدى الطويل لمواجهة تحديات المناخ. فمن شمال أفريقيا إلى آسيا الوسطى، تبلغ مستويات الاحترار في المنطقة ضعف معدلها في باقي أنحاء العالم.
ولفتت إلى أن حكومات المنطقة أعلنت عن احتياجات تمويلية متعددة السنوات بقيمة تتجاوز 750 مليار دولار لاتخاذ هذه التدابير. وتعتمد تلبية هذه الاحتياجات على توفير بيئة مؤاتية للتمويل المناخي الخاص من خلال السياسات والحلول المالية السليمة".
والمبدأ الثالث هو تعزيز الإيرادات الضريبية، حيث قالت إن "الاستثمار في مستقبل أكثر صلابة مرهون بمواصلة تعزيز سياسات الضرائب والإدارة الضريبية. وقد أحرزت بلدان عديدة في المنطقة تقدماً كبيراً في تعزيز قدراتها الضريبية. ومع ذلك، فإن متوسط نسبة الضرائب إلى إجمالي الناتج المحلي، ما عدا الإيرادات المرتبطة بالهيدروكربونات، لا يزال 11% تقريبا، أي أقل من نصف الحصيلة الممكنة".
واعتبرت أنه "تُمكن زيادة هذه النسبة من خلال تحسين تصميم السياسات الضريبية والإلغاء التدريجي للإعفاءات الضريبية المفتقرة إلى الكفاءة. فعلى سبيل المثال، تعمل الجزائر حالياً على توسيع الوعاء الضريبي وتوزيع العبء الضريبي بعدالة أكبر. ونجحت البحرين والسعودية في جمع إيرادات هائلة من خلال تطبيق ضريبة القيمة المضافة. وفي الإمارات العربية المتحدة، يُتوقع تطبيق ضريبة دخل الشركات بصورة تدريجية".
والعامل الأساسي الآخر لزيادة الإيرادات هو تحديث الإدارة الضريبية، كما يمكن أن يساعد استخدام الأدوات الرقمية في هذا الصدد. وهذا ما قام به الأردن بالفعل، كما اتخذت وزارة المالية الفلسطينية إجراءات مماثلة. ويعكف الصومال أيضا على إصلاح السياسات والإدارة لإعادة بناء القدرات الضريبية. ويُتوقع أن تساهم مثل هذه الإجراءات في زيادة الإيرادات من خلال تحسين الامتثال، كما يمكن أن يساعد الصندوق من خلال برامج تنمية القدرات في تصميم هذه الإجراءات وتنفيذها.