لم يتحرج الشاب اليمني طارق الصهباني والذي يحمل شهادة جامعية والموظف في إحدى الدوائر العامة، من العمل في بيع البطاطس في شوارع وأسواق العاصمة صنعاء، بعدما فقد راتبه الحكومي المتوقف منذ ما يقارب أربع سنوات وتسريحه من عدة شركات وأعمال لجأ إلى العمل فيها، بسبب تردي وضعيتها وتقليص أنشطتها وتسريح أكبر عدد ممكن من عمالها.
يقول الصهباني لـ"العربي الجديد"، إنه قرر خوض مغامرة شاقة غير مألوفة بالنسبة إليه في بيع البطاطس لإعالة أسرته المكونة من ستة أفراد، إذ بدأ بيعها وسلقها في أوان صغيرة في رصيف أحد الشوارع وتطور الأمر إلى توفير أوان كبيرة وفتح "كشك" خاص لبيع البطاطس كوجبة تشهد إقبالا مناسبا من قبل المواطنين، مشيراً إلى توسع مشروعه بعد ذلك من خلال تطوير هذه الوجبة بأشكال وأنواع مختلفة وتقديمها مع البيض المسلوق والأجبان.
ودفعت الفاقة والبطالة أعدادا كبيرة من اليمنيين للبحث عن أي فرص للعمل وتوفير ما تيسر من الدخل وسبل العيش التي تساعدهم على البقاء وتوفير أهم متطلبات الحياة المعيشية الصعبة لأسرهم التي تقاسي الأمرين لتلبية احتياجاتها الغذائية والاستهلاكية والطبية والتعليمية.
وأجبرت الظروف والأوضاع كثيرا من الشباب في عموم المناطق والمدن اليمنية على التخلي عن عاداتهم ونظراتهم الدونية للأعمال والمهن. وتزدحم شوارع وأسواق صنعاء وبعض المدن اليمنية مثل تعز وعدن وإب والحديدة، بالباعة الجائلين للبطاطس المسلوقة والمقلية "شبسي".
ويؤكد الباحث الاقتصادي، جمال حسن العديني، لـ"العربي الجديد"، أن بيع البطاطس من أهم المشاريع التي اجتذبت الشباب اليمني وأصحاب مشروعات الأعمال الخاصة في الفترة الأخيرة والتي تطورت عملية بيعها بشكل لافت في معظم المناطق في اليمن، بسبب تكاليفها المالية المناسبة، ما يجعل الكثير من محدودي الدخل يقبلون على شرائها والاعتماد عليها وجبة رئيسية من ناحية، وأيضاً لعوائدها المجزية للعاملين في بيعها من ناحية أخرى.
ويصل إنتاج اليمن من البطاطس سنوياً وفق بيانات زراعية إلى نحو 233 ألف طن من مساحة زراعية تقدر بحوالي 15711 هكتاراً، تستحوذ محافظة إب وسط اليمن النسبة الأكبر من عملية الإنتاج بحوالي 82 ألف طن، تليها عمران شمال صنعاء بنحو 24 ألف طن، وذمار 17 ألف طن.
ويشير وليد أحمد، الذي يعمل في محل خاص لبيع البطاطس المقلية في أحد أحياء شارع القاهرة شمال صنعاء، إلى أن هناك إقبالا كبيرا على الشراء، خصوصاً من قبل الأطفال والشباب، إذ يبدأ عملية بيعها وفق حديثه لـ"العربي الجديد"، خلال فترة ما بعد الظهر إلى الساعة العاشرة مساء، بينما لا أسعار محددة لبيعها والتي تعتمد على حجم الكمية من "الشيبسي"، حيث بالإمكان شرائها بأي سعر ممكن من 50 ريالا فما فوق (الدولار = نحو 600 ريال).
ويحرص كثير من المواطنين وعمال الأجر اليومي على تناول البطاطس في وجبة الإفطار والتي لا تكلف أكثر من 200 ريال، إضافة إلى اعتماد كثير من الأسر اليمنية على البطاطس كوجبة رئيسية في الغداء، إذ يكفي كيلوغرام أو كيلوغرامين من البطاطس، ويصل سعر الكيلوغرام إلى نحو 300 ريال للوجبة الواحدة لأسرة مكونة من أربعة أفراد.
يؤكد الباحث الاقتصادي، جمال حسن العديني، لـ"العربي الجديد"، أن بيع البطاطس من أهم المشاريع التي اجتذبت الشباب اليمني وأصحاب مشروعات الأعمال الخاصة في الفترة الأخيرة
وينتج اليمن مجموعة من أصناف البطاطس مثل "دايمنت"، "كينبيك" و "ديزري"، وسوبتينا" وهي عبارة عن أصناف هولندية المنشأ، حسب تقارير زراعية رسمية تشير إلى تركز زراعة البطاطس في اليمن بموسمي الربيع والخريف، بسبب الأمطار المتساقطة بغزارة في فصل الصيف والتي تؤدي إلى تلف المحصول، بينما يتسبب الصقيع في الشتاء في إصابة المحصول بالعديد من الأمراض المدمرة لمحصول البطاطس.
ويتميز اليمن بمناطق تعد موطنا رئيسيا لزراعة البطاطس، خصوصاً في قيعانها الشهيرة، قاع البون في محافظة عمران (30 كيلومترا شمالي صنعاء)، وقاع جهران في محافظة ذمار شمالي اليمن والذي يعتبر من أشهر مناطق اليمن زراعة لمحصول البطاطس.
ويقول تقرير صادر عن إدارة الإرشاد الزراعي التابعة لوزارة الزراعة والري اليمنية، إن زراعة البطاطس في اليمن أخذت بالانتشار بسبب مشروع إكثار بذور البطاطس والتركيز على الأصناف الملائمة للزراعة في الأرض اليمنية.
وبدأ تدشين تجارب هذا المشروع في قاع جهران، وقاع الحقل في كل من محافظة ذمار شمالاً وإب وسط اليمن، ومنها توسعت زراعتها لتمتد إلى محافظات البيضاء وصنعاء وتعز وحضرموت ومأرب وعمران، ناهيك عن تحقيق زراعتها مستويات إنتاجية عالية، ولا سيما بعد الإقبال الكبير من المزارعين في تلك المناطق على إدراج تلك الأصناف في أراضيهم الزراعية.