أبقى البنك المركزي المصري أسعار الفائدة الرئيسية من دون تغيير في اجتماع لجنة السياسة النقدية اليوم الخميس، وفقا لبيان أوضح فيه أن اللجنة أبقت سعر الفائدة على الإقراض لأجل ليلة واحدة عند 12.25%، وثبتت سعر الإيداع لليلة واحدة عند 11.25%.
وبقرار تثبيت سعر الفائدة على الجنيه المصري يخالف البنك المركزي توقعات العديد من المؤسسات المالية وبنوك الاستثمار والخبراء المحليين، والذين توقعوا في وقت سابق من هذا الأسبوع زيادة سعر الفائدة على الجنيه باعتبار أن الخطوة تأتي في إطار موجة عالمية تحاول من خلالها السلطات النقدية السيطرة على التضخم المرتفع، وقيام الاحتياطي الفيدرالي الاميركي برفع سعر الفائدة بنسبة 0.75% قبل أيام، وتبعه بنوك مركزية كبرى منها بنك إنجلترا.
"القرار منطقي وله أسباب اقتصادية"، حسب ما قاله خبير مصرفي لـ"العربي الجديد"، معتبرا أنه "إذا كانت البنوك المركزية العالمية ترفع سعر الفائدة بهدف مكافحة التضخم العالي الذي ارتفع لأعلى معدل في 40 سنة كما حدث في الولايات المتحدة وبريطانيا، فإن الوضع يختلف في مصر، حيث إن جزءا كبيرا من التضخم الحاصل في البلاد حاليا مستورد، ويرجع لأسباب خارجية بسبب زيادة سعر الأغذية والمشتقات البترولية والمواد الخام والسلع الوسيطة في الأسواق العالمية، خاصة عقب اندلاع حرب أوكرانيا وتعطل سلاسل الإمدادات والاغلاقات بسبب متحورات كورونا.
وبالتالي فإن علاج التضخم في مصر لا يكمن فقط في زيادة سعر الفائدة وسحب السيولة النقدية من الأسواق، بل في زيادة الإنتاج والصادرات وتقوية العملة المحلية مقابل الدولار والحد من الواردات وفق محللين.
لكن وبرأي خبراء ومديري إدارة أموال، كان الرهان على زيادة البنك المركزي المصري سعر الفائدة بنسبة لا تقل عن نصف في المائة بهدف الحفاظ على الأموال الأجنبية الساخنة المستثمرة في أدوات الدين المصرية، سواء كانت سندات أو أذون خزانة، لكن "هذا السبب غير قائم في ظل خروج 90% من هذه الأموال وصعوبة عودتها في الوقت الحالي، خاصة مع زيادة سعر الفائدة على الدولار وجاذبية الاستثمارات في السندات والأذون الأميركية قليلة المخاطر ومرتفعة العائد".
وأمس الأربعاء كشف محمد معيط، وزير المالية المصري، خروج أكثر من 90% من استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية، بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، وقال معيط إن معظم الأموال الأجنبية رحلت، بما يُقدّر بأكثر من 20 مليار دولار” وإن تأثير الأزمة الحالية على الاقتصاد المصري يوازي ثلاثة أضعاف تأثير أزمة كورونا، ومن المتوقع أن يزداد التضخم للمدى المنظور.
وأعرب وزير المالية عن قلقه بشأن المزيد من الرفع لأسعار الفائدة من قِبل البنك المركزي، لكون كل زيادة بمعدل 100 نقطة أساس تؤثر على الموازنة العامة للدولة بمقدار 30 مليار جنيه.
أيضا من أسباب قرار البنك المركزي، برأي خبراء إدارة أموال واستثمارات في مصر، تثبيت سعر الفائدة، نجاح القطاع المصرفي في سحب جزء كبير من السيولة الموجودة في السوق عن طريق طرح البنكين الأهلي المصري ومصر شهادات ادخار بنسبة 18%، وهذه الشهادة جذبت 750 مليار جنيه، أي ما يزيد عن 40 مليار دولار، وجزء من هذه السيولة كان من الممكن أن يدخل سوق الصرف الأجنبي للمضاربة على الدولار، وهو ما لم يحدث في ظل سحب السيولة للقطاع المصرفي، وهذا ما شجع البنك المركزي على تثبيت سعر الفائدة دون التخوف من زيادة الطلب على العملة الأميركية من قبل المضاربين.
وفي كل الأحوال، فإن البنك المركزي راعى في قرار تثبيت سعر الفائدة الحرص على عدم زيادة أعباء الدين العام الذي تفاقم بشدة في السنوات الأخيرة، خاصة أن الحكومة هي أكبر مقترض من القطاع المصرفي، وأنه في حال زيادة سعر الفائدة بنسبة 1%، فإن هذا يكلف الموازنة العامة نحو 30 مليار جنيه سنويا كخدمة دين وفق أرقام صادرة عن وزير المالية ومسؤولين حكوميين.
وكان متوسط توقعات 17 محللا استطلعت "رويترز" آراءهم قد أشار إلى رفع البنك الفائدة على الإيداع لليلة واحدة إلى 11.75% من 11.25% في الاجتماع الدوري للجنة، وأن يرفع سعر الإقراض 25 نقطة أساس إلى 12.5%.
ورفعت اللجنة أسعار الفائدة في الاجتماعين الماضيين بعدما أبقتها دون تغيير 18 شهرا تقريبا، إذ رفعتها 100 نقطة أساس في اجتماع مفاجئ في 21 مارس/آذار، ونزل في نفس اليوم سعر صرف الجنيه أمام الدولار 14%، ثم زادتها 200 نقطة أساس في اجتماع 19 مايو/أيار الماضي.
وارتفع تضخم أسعار المستهلكين في المدن المصرية إلى 13.5% في مايو/أيار من 13.1% في إبريل/نيسان مع زيادة أسعار السلع الأساسية وتراجع قيمة العملة. وزاد التضخم الأساسي إلى 13.3% في مايو/أيار، مقارنة بـ11.9% في إبريل/نيسان.
ويستهدف البنك المركزي مستوى للتضخم بين 5% و9%، لكنه قال الشهر الماضي إنه سيتسامح مع مستويات أعلى حتى نهاية العام.
وحذر تقرير صادر عن "ستاندرد أند بورز غلوبال" هذا الأسبوع من تأثر التصنيفات الائتمانية لعدد من الدول جراء رفع أسعار الفائدة، الذي قال إنه يضر بأوضاعها المالية الهشة بالفعل، وإن مصر وأوكرانيا والبرازيل وغانا من أكثر الأسواق الناشئة عرضة للخطر.