تدفع مخاوف التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا المصارف والصناديق الغربية للبحث عن العائد المرتفع في أسواق ثانوية في أفريقيا وآسيا لم تدخل بعد في مؤشرات الأسواق الناشئة. وتمنح الإصدارات بالدولار في أسواق كانت مجهولة مثل تنزانيا وأوزبكستان عائداً يبلغ 9%، كما تمنح الإصدارات الدولارية في الدول الناشئة أو ما يطلق عليه إصدارات " يورو بوند" عوائد تبلغ في المتوسط 5%، حسب مؤشر مصرف "جي بي مورغان" الأميركي للأسواق الناشئة. ودفع هذا التوجه الاستثماري الجاري وسط المؤسسات المالية، وكالة بلومبيرغ لتوسيع مؤشر الأسواق الناشئة يوم الثلاثاء الماضي، وإدخال أسواق جديدة بالمؤشر.
وحسب الأرقام حقق المستثمرون الكبار أرباحاً ضخمة خلال في سوق "وول ستريت" خلال العام الماضي، ورغم التعافي الجاري في الاقتصاد الأميركي، فإن المستثمرين تنتابهم المخاوف من مستقبل الموجودات الأميركية والاضطراب الحادث ومنذ شهور في سعر صرف الدولار الذي يتأرجح بسرعة بين الارتفاع والانخفاض. وبالتالي يرى محللون أن مؤشرات النمو المرتفع في الانتعاش الأميركي والأوروبي لا تزال تكتنفها ضبابية بشأن مسار السياسة النقدية المستقبلية، وفي المقابل فإن هنالك ارباحاً يمكن جنيها من الأسواق الناشئة والنامية.
في هذا الشأن، يقول خبراء بصندوق "أووك تري كابيتال منجمنت" الأوروبي في تحليل بنشرة "فندز يورب" الأوروبية الصادرة أمس الخميس، إن "الأسواق الناشئة في موقف جيد حالياً لمقاومة أية صدمة مالية عالمية مثل تلك التي حدثت في الربع الثاني من 2020 بسبب أزمة النقص في الدولارات، كما أن لديها القدرة على الانتعاش السريع". وتستفيد العديد من الاقتصادات الناشئة في منطقة الخليج وأفريقيا ودول أميركا اللاتينية من دورة الارتفاع الكبير وغير المسبوق في أسعار النفط والغاز الطبيعي والمعادن وكذلك منوتراجع سعر الدولار.
وتشتري العديد من شركات الاقتصادات الناشئة بضائعها من الصين وتتعامل تجارياً معها ومع ودول النمو الآسيوية أكثر من تعاملها مع أميركا، وهو ما يخفف من الفاتورة الدولارية.
وتوقع كل من الخبير الاستثماري فرناك كارول والخبيرة جانيت وانغ من صندوق " أووك تري كابيتال منجمنت" الأوروبي في تحليل بنشرة " فندز يوروب"، ارتفاع التدفقات الدولارية على الاقتصادات الناشئة خلال العام الجاري.
ويقول الخبيران، إن أسعار الأصول في الاقتصادات الكبرى شهدت أكبر ارتفاع خلال قرابة عام ونصف العام ومنذ أبريل/ نيسان الماضي بسبب سياسات التحفيز المتواصل، وإن "أسواق المال الأميركية تقف عند "نقطة الانقلاب" في الوقت الراهن. وهو ما يعني أن أسعار الأسهم تتجه نحو التراجع وسط مخاوف التضخم. وفي المقابل يرى محللون أن الأسواق الناشئة تتجه نحو جني المزيد من عوائد الصادرات خلال الشهور المقبلة بسبب ضعف الدولار.
ومنذ بداية 2021 تعكف العديد من الاقتصادات الناشئة على تسديد جزء من ديونها الدولارية واصلاح جداول ميزانياتها مستفيدة في ذلك من ارتفاع دخل الصادرات وتحسن سعر صرف عملاتها في مقابل الدولار. وتعود رغبة المصارف الغربية في الاستثمار في ديونها السيادية بسبب عدم اليقين بشأن مسار السياسة النقدية الأميركية وتداعيات التضخم. وهذه العوامل تشجع كبار المستثمرين على الاستثمار في الأسواق الناشئة.
ولاحظ مصرفيون أن الفارق في العائد على السندات الحكومية والخاصة بدأ يتسع بين الأسواق الناشئة والأسواق المتقدمة، رغم المخاطر بالأسواق الناشئة. وبينما يرتفع العائد على السندات الدولارية بالأسواق الناشئة فوق 5%، حسب مؤشر "جي بي مورغان" لا تتجاوز العوائد على الأصول في السوق الأميركي 1.62% على السندات الحكومية أجل 10 سنوات وتقل عن ذلك في أوروبا.
لكن لاحظ خبراء استثمار أن هنالك تبايناً في أداء الأسواق الناشئة، إذ بينما تستفيد الاقتصادات المصدرة للسلع الأولية والمعادن من دورة انتعاش ما بعد كورونا، تواجه دول الاقتصادات الناشئة المستوردة لها متاعب مالية كبيرة وربما يتأخر انتعاش اقتصاداتها، كما أن احتمال تغيير مسار السياسة النقدية خلال العام المقبل مع عودة الاقتصادات الناضجة للنمو بمعدلات ما قبل جائحة كورونا يقلق بعض الدول التي استدانت بكثافة في العام الماضي مثل روسيا والهند وبيرو وجنوب أفريقيا. وتشير بيانات معهد التمويل الدولي الذي يوجد مقره في واشنطن، إلى أن الديون السيادية والخاصة بالاقتصادات الناشئة بالعملات الصعبة شهدت أكبر قفزاتها خلال العام الماضي، إذ بلغت نحو 8.6 تريليونات دولار.
ويرى المسؤول السابق بمصرف اليابان المركزي، نوبو ياسو أتاغو، أن الدول الناشئة التي تعتمد على التدفقات الأجنبية لتمويل العجز في الحساب الجاري ستعاني من الانتعاش غير المتساوي في فترة ما بعد الجائحةا. ويقول أن" الانتعاش غير المتساوي في فترة ما بعد كورونا سيخلق أزمات للعديد من الاقتصادات الناشئة".
ويرى محللون أن دولاً مثل البرازيل وغانا وأرمينيا وإندونيسيا والعديد من الاقتصادات النامية المستوردة للسلع الأولية ستواجه مصاعب اقتصادية في حال حدوث تشديد في السياسة النقدية ورفع الفائدة الأميركية. وكانت العديد من الاقتصادات الناشئة والنامية عاشت أزمة حادة بسبب النقص في الدولارات خلال العام الماضي.