يَحرِص المُزارعان الفلسطينيان حسين وحسن أبو حليمة، من منطقة السيفا غرب مدينة بيت لاهيا شمالي قِطاع غزة، على تعقيم الأرض خلال الفترة ما بين منتصف شهر يونيو/ حزيران ومنتصف شهر أغسطس/ آب حراريًا، عبر سياسة "التعقيم الشمسي"، وهي البديل الآمن لتعقيم التربة، بدلا من الكيماويات الضارة.
وتنسحب طريقة التعقيم الشمسي، التي يجرى خلالها القضاء على الكائنات الدقيقة الضارة والأعشاب التي تؤثر سلبًا على المحصول الزراعي، على مختلف المناطق الزراعية في قِطاع غزة، ويجرى فيها تعقيم الأرض بواسطة الحرارة التي تُنقل إلى باطِن التربة باستخدام ناقِل الماء، بغرض تهيئة الأرض لاستقبال مختلف المحاصيل.
وتُعطي طريقة التعقيم الشمسي، المُتبعة عند ما يقرب من ثلث المزارعين الفلسطينيين في قِطاع غزة، نتائج أكثر أمانًا على التربة، بفعل استخدامها عوامل طبيعية بعيدا عن المعقمات الكيماوية ذات النتائج العكسية الخطيرة، علاوة على جودة ووفرة المُنتجات الزراعية، ما يعود بالنفع على المُزارِع والمُستهلك.
ويُبين المُزارِع حسين أبو حليمة لـ"العربي الجديد" أن التعقيم الحراري يبدأ مع ارتفاع درجات الحرارة في شهر يونيو، حتى شهر أغسطس، إذ تحتاج العملية لدرجة حرارة مُرتفعة تُساعِد في القضاء على الآفات والأمراض الساكنة في التربة والأعشاب الضارة، لافتا إلى أن نتائجه على الأرض والمحصول أفضل من المعقمات الكيماوية، التي تعطي نتائج مؤقتة وغير مضمونة.
وتواصِل الإدارة العامة للإرشاد وخدمات المزارعين في وازرة الزراعة في غزة جهودها لتوعية المزارعين بأهمية التعقيم الشمسي كبديل آمن عن المعقمات الكيماوية في تعقيم وتجهيز التربة للزراعة، وتوجيههم نحو المُمارسات الصحيحة في إعداد وتجهيز التربة، ضمن سياسة توجيه المُزارِع للإنتاج الزراعي الآمِن.
وعن ذلك، يوضِح مُدير دائرة الخضار والزهور والمحاصيل الحقلية في الإدارة العامة للإرشاد وخدمات المُزارعين في وزارة الزِراعة أحمد قاسم أن الوزارة تسعى، وبمُساعدة أطقهما العامِلة، لنشر وتعميم فكرة التعقيم الشمسي، والتي تنفّذ على مدار شهرين، إذ يجرى تجهيز الأرض قبل العروات الرئيسية في الإنتاج الزراعي، لتحسين خواص التربة والمردود الاقتصادي الجيد للمُزارع حال تطبيقها.
وترتكز فكرة التعقيم الحراري، وفق توضيح قاسم لـ"العربي الجديد"، على استغلال أشعة الشمس ودرجة الحرارة العالية خلال فصل الصيف ما بين شهر يونيو وشهر أغسطس، للقضاء على مُسببات الأمراض، والآفات الساكِنة في التربة الزراعية، استقبالا لعروة الخريف التي تبدأ بعد منتصف شهر أغسطس/ آب.
أما عن آلية التعقيم، فتبدأ بعد انتهاء العُمر الافتراضي للمحصول الزراعي، والتخلص من بقايا المحصول السابِق التي يُمكن أن تكون مصدراً للعدوى في المواسم التالية، ومن ثم حراثة الأرض بعدة خطوات، تبدأ بنِظام (السِكة) وهي الحراثة العميقة وتعريض أكبر نسبة من الأرض لأشعة الشمس، أو (الفرامة) وهي الحراثة الناعمة التي تعمل تسوية للتربة، وخلطها بالسماد العضوي لتحسين خواصها، وتوفير الامدادات السمادية، والاحتفاظ بالرطوبة، ويليها مد شبكة الري وتوزيعها على الأرض، بفاصل لا يتجاوز 50 سنتيمتراً بين كُل منفذ للماء، بهدف تغطية كل الأرض.
وتحتاج عملية التعقيم الشمسي إلى إيصال الماء المُحمل بالحرارة الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة المُلامسة لسطح التُربة، إلى عمق يصل إلى نحو 50 أو 60 سنتيمتراً، وهو العمق الذي تنمو فيه جذور النبات، وتحتاج الأرض الرملية للوصول إلى عمق سنتيمتر واحد إلى كوب واحد للدونم، بمعنى أن النزول لقرابة 50 سنتيمتراً في التربة، يحتاج إلى 50 كوب ماء للدونم (الكوب يعادل 1000 لتر)، بينما تحتاج الأرض الوسطية إلى كوب ونصف كوب ماء لكل سنتيمتر، أما الأرض الطينية، فتحتاج إلى كوبين لكل سنتيمتر، وتتحكم بالنسبة مسامية التُربة، ونفاذيتها للماء.
وبعد ري الأرض، تُغطى بنايلون حَراري خاص بعملية التعقيم وفق آلية معينة، لمدة تتراوح ما بين 4 إلى 6 أسابيع، مع إضافة كمية ماء كل 4 أو 6 أيام، ما يساهم بوصول درجة الحرارة إلى داخل التربة والقضاء على الكائنات الضارة، والتي تموت عند درجة حرارة 60 مئوية، وفي الوقت ذاته، تنشيط الكائنات النافِعة، والتي تتحمل حتى درجة حرارة 90 مئوية، ما يُساهِم كذلك بالحفاظ على التوازن البيئي.
ويشير قاسم إلى أن محدودية الأراضي الزراعية، والتي تُقدر بحوالي 180 ألف دونم في قِطاع غزة، والممارسات غير المتوقفة من الجانب الإسرائيلي، سواء برش المبيدات، أو تجريف المساحات الزراعية، والاستهداف المُباشر للأراضي الزراعية، كانت من الأسباب الأساسية للاتجاه نحو نشر وتعميم طريقة التعقيم الشمسي.
وتُساهِم عملية التعقيم الشمسي في توفير مبالغ كبيرة للمُزارعين، تُقدر كل موسم بنحو 2500 شيكل (قرابة 694 دولاراً)، إلى 3000 شيكل (قرابة 833 دولاراً) لكل دونم، مقارنة بالتعقيم الكيماوي، ويبدأ بإعطاء نتائج ايجابية تفوق نسبة 95%، بعد 3 سنوات من التزام المُزارع بالتعقيم الشمسي، إذ تبدأ خواص التربة بالتحسن، نتيجة تنشيط الكائنات النافِعة، ما يُعطي نتائج أفضل في المحصول الزراعي، وشكل الثمرة، وقوة المجموع الخضري والجذري للنبات.
في الإطار، يُبين مُدير مُديرية زراعة وسط قِطاع غزة أشرف أبو سويرح أن التعقيم الشمسي، مقارنة بالتعقيم الكيماوي، يوفر مبالغ مالية، إلى جانب مُساهمته في إعادة التوازن الطبيعي للتربة، خاصة في ظل الجهود المبذولة لتعزيز سياسة استخدام البدائل الآمنة في الزراعة، وتعظيم هامشية الرِبح لدى المُزارعين.
وتبدأ الاستفادة من التعقيم الشمسي تدريجيا، وفق حديث أبو سويرح لـ"العربي الجديد"، إذ يُساهم العام الأول بتحسن خواص التربة بنسبة 55%، أما العام الثاني، فيساهم بتحسن75%، بينما تصل نسبة التحسن في السنة الثالثة الى ما يزيد عن 95%، على مستوى الزيادة في المحاصيل، والحِفاظ على البيئة، وعلى الإنسان، والمزارِع.
ويرى أبو سويرح أن من أبرز أسباب الاتجاه نحو التعقيم الشمسي محدودية وانحسار المساحات الزراعية، وتواصل الحِصار الإسرائيلي، وارتفاع أسعار مُعقِمات التربة، والمبيدات اللازمة، إلى جانب الاستهداف الإسرائيلي، ورش المُبيدات، والقصف الذي يتسبب بنسبة عالية من السُمية، وذلك للمُساهمة في علاج تلك الآثار، ومعاودة بناء الكائنات النافعة، وتحسين جودة ووفرة الانتاج، ضمن سياسة الزراعة الآمنة.