لا تستثني الأزمات المعيشية وإجراءات الحكومة التقشفية فئة المتقاعدين في تونس ممن باتت معاشاتهم في مرمى الاقتطاعات وتداعيات التضخم، فيما تضطر الظروف بعضهم إلى البحث عن عمل أو التعويل على المساعدة الأسرية لمجابهة تكاليف المعيشة.
وتسحب الحكومة إجراءاتها التقشفية والاقتطاعات على معاشات أكثر من مليون متقاعد، حيث فوجئ المتقاعدون من موظفي القطاع الحكومي بتنفيذ صندوق التقاعد اقتطاعاً على جزء من مرتبات شهر يناير/ كانون الثاني من دون إعلام مسبق، قبل أن يصدر الرئيس قراراً بوقف الخصم من رواتب هذه الفئة.
وفجّر الخصم من معاشات المتقاعدين موجة من الانتقادات بسبب تواصل سياسة تعبئة الموارد من جيوب المواطنين بمختلف شرائحهم.
وقال صندوق المعاشات إنه طبقاً للتشريع الجاري العمل به، يتحمل متقاعدو الوظيفة العمومية نسبة مساهمات المشغل بعنوان الزيادات حيث تصبح المساهمات التي كانت محمولة على المشغل محمولة على المنخرط، وهو ما ينتج عنه انخفاض في المعاشات.
لكن رئيس نقابة المتقاعدين، عبد القادر النصري، يعتبر أن المتقاعدين في تونس فئة هشة تدفع غالياً ثمن الأزمات الاقتصادية والسياسية في بلاده، مؤكداً استعداد نحو 1.1 مليون متقاعد للتحرك من أجل الدفاع عن قوتهم.
وقال النصري في تصريح لـ"العربي الجديد" إن معاشات المتقاعدين في مرمى الاقتطاعات المتكررة بسبب قوانين جائرة وضعتها السلطة لتحميل المحالين على المعاش الضرائب التي تفرض على كل الزيادات في الرواتب التي يحصلون عليها.
وأضاف رئيس نقابة المتقاعدين: "الحكومة تصرف زيادات في المعاشات باليد اليمين وتستعيدها باليد اليسار"، مطالباً بالانتباه إلى وضع المتقاعدين الذين يعانون ضائقة مالية كبرى في سن متقدمة نتيجة الغلاء والتضخم اللذين يلتهمان الرواتب.
وأفاد النصري بأن النقابة متأهبة للدفاع عن حقوق منظوريها واستعادة حقوقهم المهدورة، مشيراً إلى أن الظرف الصحي وانتشار الوباء منعا دعوة المتقاعدين إلى النزول إلى الشارع للاحتجاج وتبليغ أصواتهم.
وأكد ذات المصدر أن أغلب المتقاعدين لا يجدون تبريرات للاقتطاعات الشهرية التي تنفذ من قبل صناديق المعاشات، لافتاً إلى أن الصمت إزاء هذه الإجراءات لن يطول.
ويعتبر النصري أن المحالين على المعاش من القطاع الحكومي أفضل حالاً من المتقاعدين من القطاع الخاص الذين يشكون ضعف الجرايات (المعاشات) بسبب عدم التصريح عن دخولهم الحقيقية من قبل مشغليهم أثناء فترة العمل أو عدم دفع المؤسسات الخاصة المساهمات بعنوان التقاعد والتأمين على المرض.
ويرى أن المتقاعدين يتعرضون لمظالم مزدوجة بسبب تركهم في مهب ما وصفه بـ"سرقة" جهد عمرهم، لينتهي بهم الأمر فقراء بعد انتهاء سنوات العمل والإحالة على المعاش.
وذكر أن آلاف المتقاعدين يعيلون أسراً وفيرة العدد نتيجة عدم تمكن أبنائهم من الالتحاق بسوق العمل، ما يجعل مسؤولياتهم المالية كبيرة في حين يتقاضون رواتب ضعيفة وتزيدها الاقتطاعات المتكررة ضعفاً.
ويقدر معدل معاشات المتقاعدين من القطاع الحكومي بـ1200 دينار (428 دولاراً)، في حين لا يتجاوز معدل معاشات المتقاعدين من القطاع الخاص 850 ديناراً (303 دولارات)، حسب بيانات رسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية.
وتقول المتقاعدة من قطاع التعليم نفيسة الشريف إنها لم تعد قادرة على تحديد مبلغ معاشها، إذ تختلف المبالغ الشهرية المحوّلة لحسابها البنكي، مؤكدة في حديثها لـ"العربي الجديد" تكرر الاقتطاعات بصفة دورية.
وبسبب وضعهم المالي الصعب يحتاج 41% من المتقاعدين التونسيين إلى المساعدات العائلية لتأمين نفقاتهم المعيشية، وفقاً لبيانات رسمية كشف عنها مركز الإحصائيات الديمغرافية بمعهد الإحصاء الحكومي. ويضطر ضعف دخول المتقاعدين لطلب مساعدات عائلية من أبنائهم أو ذويهم.
وحسب دراسة لمركز الدراسات الاجتماعية التابع لاتحاد الشغل، يبلغ معدل مدة الانتفاع بالمعاشات لدى التونسي 22 سنة وارتفع متوسط العمر من 57.8 سنة عام 1976 إلى 75 سنة عام 2019.
وتصرف المعاشات من صندوقين، وهما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للمتقاعدين من القطاع الخاص والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية للمتقاعدين من القطاع الحكومي.
وفق القانون التونسي، يحسب معدل المعاشات عن أعلى أجر يتقاضاه الموظف خلال العشر سنوات الأخيرة من فترة العمل والمساهمة في الصندوق، إذ تقتطع المساهمات على امتداد سنوات الشغل بمساهمة مشتركة من الأجير والمؤجر.
لكن بات الوضع المالي لصناديق المعاشات في تونس صعباً، ما ينعكس سلباً على وضعية المتقاعدين.
وينعكس الركود وتباطؤ النمو وتصاعد البطالة على وضع الصناديق التي تعاني من ضعف المساهمات مقابل زيادة في نفقاتها وسط تعثّر كل المحاولات الحكومية لإصلاح وضعها المالي المتأزم.