تصدر ملف إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر المشهد الطاقوي في الجزائر، واستحوذ على اهتمامات المسؤولين والرأي العام بمختلف اتجاهاته، بخاصة أنّ العديد من الدول تعوّل عليه باعتباره وقوداً مستقبلياً خالياً من الانبعاثات في رحلتها لتحقيق الحياد الكربوني.
وزادت الحرب الروسية الأوكرانية من اهتمام الدول الأوروبية على غرار ألمانيا لفك ارتباطها طاقوياً مع روسيا، وتنويع مصادر الحصول على الوقود، إذ تبدو الجزائر ملاذاً طاقوياً آمناً لهذه الدول، فهي تقدم مزيجاً بين الغاز والنفط، كما الهيدروجين الأخضر مستقبلاً كطاقة متجددة، ما جعل الجزائر تحول بوصلة استثماراتها نحو إنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء.
وبعدما ظل حبيس الوعود والأوراق منذ 2015، وقعت الشركة الجزائرية للنفط "سوناطراك" مع شركة الغاز الألمانية "في إن جي" اتفاقية إنشاء مشروع الهيدروجين الأخضر، الذي يسمح بإنتاج 50 ميغاواط من الكهرباء، على أن تتضاعف الكمية بحلول 2030.
ويعد هذا المشروع، أول خطوة ميدانية للجزائر في طريق استغلال طاقة بديلة وهي "الهيدروجين الأخضر"، بعدما ظلت هذه الطاقة المنتجة من الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية، محل الخطابات الحكومية فقط.
وفي تعليقه، أكد وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب لـ "العربي الجديد" أنّ "المشروع الموقع مع شركة الغاز الألمانية، ذات التجربة الطويلة في إنتاج الطاقات المتجددة، يعد أول مشروع في أرض الواقع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في الجزائر، وهو مشروع نموذجي، سينتج الهيدروجين من الطاقة الشمسية وتحلية مياه البحر، وذلك لإنتاج حوالي 50 ميغاواط من الكهرباء، واختيرت ألمانيا للاستفادة من خبرتها في هذا المجال، ونقل المعرفة في أقرب الآجال، نحن نسعى لتنويع مصادر الطاقة وهذه فرصتنا".
وأضاف الوزير الجزائري أنّ "نقل الهيدروجين الأخضر سيكون عبر كلّ الطرق الممكنة ومنها عن طريق الأمونيا الخضراء وأنابيب الغاز التي تربط الجزائر بإيطاليا، فالجزائر لديها إمكانيات طاقوية تلامس 2000 كيلواط في المتر المربع من الطاقة الشمسية، وهو رقم كبير يجب استغلاله".
وصعدت الحرب الروسية في أوكرانيا بالهيدروجين إلى رأس أولويات الدول الأوروبية باعتباره بديلاً للغاز الروسي، ورفعت الطلب العالمي عليه، ما فتح شهية الجزائر للاستثمار فيه، فيما تبقى مشكلتا النقل وكلف الإنتاج وحدهما ما يؤرق الحكومة الجزائرية.
وعاد خط أنابيب "غالسي" بين الجزائر وإيطاليا، الذي جُمِّد قبل 10 سنوات، إلى الواجهة، وسط خطط لاستعماله في تصدير الهيدروجين إلى أوروبا، ويأتي الطرح الجديد للأنبوب الذي كان مخصصاً لنقل الغاز الجزائري إلى أوروبا، وسط مساعي هذه الأخيرة لتأمين احتياجاتها من الوقود خالي الانبعاثات.
وفي السياق، قال مدير مكتب "إيمارجي" للدراسات النفطية، مراد برور، إنّ "من واجب سوناطراك أن تكون في موقع مراقبة تكنولوجية نشطة وأن تتحرك بحزم نحو الهيدروجين الأخضر، الذي سيكون بديلاً ممتازًا للطاقات التقليدية، وكذلك للاستخدامات الصناعية".
وأضاف أنّ "ذلك يمثل أهمية كبيرة، إذ إنّ إنتاج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي للمياه من مصدر غير كربوني، مكلف نوعاً ما، لكنّه يحمل عائدات مهمة مستقبلاً إذا استحوذت الجزائر على التكنولوجيا، فالهيدروجين هو ناقل لا جدال فيه لتخزين الطاقة الكهربائية، وقادر على تقليل البصمة الكربونية لوسائل النقل، وحتى للاستخدامات الصناعية".
صعدت الحرب الروسية في أوكرانيا بالهيدروجين إلى رأس أولويات الدول الأوروبية باعتباره بديلاً للغاز الروسي
وحول نقله لدول أوروبا، أكد الخبير الجزائري لـ"العربي الجديد" أنّ "الجزائر تحوز ورقتين، الأولى عبر الأمونيا الخضراء وهي تملك شبكة نقل جاهزة لها، أما الورقة الثانية فهي أنابيب الغاز نحو إيطاليا وإسبانيا" مشيراً إلى أنّ إيطاليا تعتبر بوابة آمنة للجزائر لولوج القارة الأوروبية طاقوياً، وما معارضة روما للمساعي الأوروبية لتسقيف أسعار الغاز، إلّا دليل على أنّ إيطاليا تطرح نفسها كوسيط للغاز الجزائري، ومستقبلاً يمكنها أن تضمن توزيع الهيدروجين الأخضر عبر أنابيب الغاز.
وتحوز الجزائر حالياً على أنبوبي غاز، يربطانها مع القارة الأوروبية، الأول "ترانسميد" يربطها مع إيطاليا عبر الأراضي التونسية، والثاني "ميد غاز" الذي يربطها مع إسبانيا مباشرة، بعد توقيف التصدير عبر الأنبوب "المغاربي الأوروبي" الذي يمر عبر دولة المغرب في أعقاب قطع العلاقات معها سنة 2021.