بينما اتخذت الحكومة الجزائرية خطوات نحو تقليص دعم السلع، يلقي تسربه إلى غير مستحقيه، لاسيما من المنتجين الذين يعملون على تصدير منتجاتهم أو بيعها بأسعار مرتفعة في السوق المحلية، بشكوك كبيرة حول نجاح الإجراءات الحكومية التي قد تتحول إلى معاقبة المحتاجين للدعم بشكل حقيقي.
وينعكس الدعم على فاتورة استيراد المواد الغذائية، والتي وصلت منذ بداية العام الجاري إلى نحو 4.56 مليارات دولار، لتشكل الحبوب، خاصة القمح، ثلث هذه الواردات بقيمة 1.35 مليار دولار، ما جعل الجزائر من أكبر الدول عالمياً استيراداً للقمح، الذي يصل حجم استهلاكه سنوياً إلى 15 مليون طن، في حين يقدر الإنتاج المحلي بنحو 6 ملايين طن.
واجهت الحكومات المتعاقبة، انتقادات كونها وقفت عاجزة عن كبح واردات الحبوب، رغم توفر المساحات الزراعية، فضلا عن غض الطرف عن استفادة رجال أعمال نافذين من القمح المدعوم
ولسنوات طويلة، واجهت الحكومات المتعاقبة، انتقادات كونها وقفت عاجزة عن كبح واردات الحبوب، رغم توفر المساحات الزراعية، فضلا عن غض الطرف عن استفادة رجال أعمال نافذين من القمح المدعوم في أنشطتهم التجارية.
وتتعدد قائمة الواردات الغذائية لتضم الحليب الذي يأتي في المركز الثاني في فاتورة غذاء الجزائريين بـ 690 مليون دولار خلال الأشهر السابقة من العام الجاري، في وقت يقدر الطلب الداخلي بـ 5 مليارات لتر سنوياً، فيما بلغت قيمة واردات السكر 348 مليون دولار.
وقال الخبير الاقتصادي جمال نور الدين لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة تواجه مأزقاً كبيراً بين حماية احتياطي البلاد من النقد الأجنبي وضمان غذاء الجزائريين بأي ثمن، خاصة في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد، سواء سياسيا أو اجتماعيا واقتصاديا مع تفشي وباء كورونا".
وأضاف نور الدين لـ "العربي الجديد" أن "المشكلة اليوم هي نتاج سنوات طويلة من سوء التسيير التي أعتمدها نظام بوتفليقة أولا، في شراء "السلم الاجتماعي" من خلال استيراد المواد واسعة الاستهلاك المدعمة وغير المدعمة عوض دعم قطاع الزارعة والصناعات الغذائية، وللأسف النظام الجديد يسير على نفس الطريق، وبالتالي نحن اليوم أمام تهديد كبير للأمن الغذائي للجزائر".
من جانبه قال الخبير الزراعي توفيق زعبار أن " الأمن الغذائي لا يتحقق من خلال شراء كل من نأكله، هذا يسمى "تبعية غذائية للخارج" وهو ما تعيشه الجزائر".
وتابع زعبار في حديث مع "العربي الجديد" أن "الأمن الغذائي له متطلبات يجب توفرها لأجل تحقيقه ومن أهمها وفرة المواد الغذائية من خلال إنتاجها، وامكانية الحصول عليها من طرف المستهلك في كل مكان وزمان، وكذا الاستقرار بمفهومه العام بما في ذلك الاستقرار السياسي.
حكومة عبد العزيز جراد ترفع الدعم عن القمح الموجه لمصانع العجائن، بهدف امتصاص جزء من الملياري دولار التي تدفعها الجزائر سنوياً لاستيراد هذه المادة
وتساءل " هل هذه الامور متوفرة عندنا حاليا؟"، قائلا " هناك خلط بين الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، الأول يُحقق بالإنتاج الداخلي، والثاني ممكن تحقيقه بالواردات شريطة أن يكون ضمان ديمومتها بتوفير الأموال الكافية، وهو مالا يمكن فعله مستقبلا."
ولمواجهة ارتفاع فاتورة غذاء الجزائريين، خاصة القمح، التي أرهقت الخزينة العمومية، قررت الجزائر شد الحزام في ما يتعلق بسياسة الاستيراد، حيث قررت تخفيض وارداتها كما ونقدا، وفي أول خطوة لحكومة عبد العزيز جراد في هذا الشأن، قررت رفع الدعم عن القمح الموجه لمصانع العجائن، بهدف امتصاص جزء من الملياري دولار التي تدفعها الجزائر سنوياً لاستيراد هذه المادة.
وقررت الحكومة قبل 3 أشهرٍ، رفع الدعم عن القمح اللين الموجه لغير صناعة الخبز، والقمح الصلب الموجه لصناعة العجائن، حيث حدد مرسوم وزاري سعر القنطار الواحد (يعادل 100 كيلوغرام) من الدقيق العادي للخبازين بـ 2000 دينار (15.6 دولارا)، بينما يباع للمطاحن التي تستغله لإنتاج العجائن بالأسعار غير المدعمة، أي بين 4 آلاف و5 آلاف دينار (بين 30 و35 دولارا) حسب تطور الأسعار في البورصات العالمية.
وقال رئيس جمعية حماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي، إن "المنظمة كانت تنادي منذ مدة بمراجعة سياسة الدعم وهدفها وصول المنتج إلى المستهلك بسعر مقنن، لكن من الفراغات التي كانت موجودة في هذه السياسة استعمال القمح الصلب في الأنشطة التجارية على غرار صناعة العجائن وبالتالي أصبح الدعم يوجه لغير مستحقيه".
وأضاف زبدي لـ "العربي الجديد" أنه "أصبحت هناك مافيا وتكتلات هدفها امتصاص هذا الدعم لحسابها الشخصي".
وتساءل: "هل من المعقول أن يستخدم مصنع معجنات القمح المدعم في إنتاجه الذي يصدره للخارج ؟، لقد طالبنا عند رفع الدعم بضرورة مرافقة العملية بمراقبة شديدة على المصانع وكذلك أسواق الجملة، حتى لا نكون في النهاية عاقبنا المواطن ولم نعاقب المنتج والمصدر".