- التحسن في قيمة الجنيه مرتبط بإدارة البنك المركزي لسعر الصرف وتراجع الطلب على العملة الصعبة، مع توقعات بتحديات اقتصادية مستمرة.
- الاقتصاد المصري يواجه تحديات مثل سداد التزامات حكومية، تراجع عوائد قناة السويس، وزيادة أسعار واردات الغاز، مما يعقد مستقبل الإصلاحات الاقتصادية.
ارتفع سعر صرف الجنيه المصري مقابل العملات الصعبة خلال اليومين الماضيين، حيث فقد الدولار نحو 50 قرشا من قيمته التي بلغها مطلع الأسبوع. وبلغ سعر شراء الدولار بالبنك المركزي 47.99 جنيها للشراء، و48.12 جنيها للبيع.
وتأثرت جميع العملات الصعبة بقيمة التراجع بالدولار، ومنها الفرنك السويسري والين الياباني وعملات دول الخليج واليوان الصيني، عدا اليورو الذي ظل محتفظا بقيمته عند 51.21 جنيها للشراء و51.38 جنيها للبيع، والجنيه الإسترليني 59.52 للشراء و59.69 للبيع.
وشهد الجنيه تحسناً في أسعار السوق الموازية للعملات الصعبة، حيث جاءت أسعار الدولار أقل من المستويات المعروضة بالبنك المركزي، عند 47.63 جنيها للشراء و48.48 جنيها للبيع.
ويشير محللون إلى أن تحسن الجنيه، مقابل العملات الصعبة، مرهون برغبة البنك المركزي في الاستمرار في توجيه لإدارة سعر الصرف المقيد، دون تعويم كامل للعملة، مع تراجع ضغط الطلب على العملة الصعبة خلال الفترة الحالية، مواكبة لموسم احتفالات دينية واجتماعية متعددة وطويلة، وانكماش القطاعات الصناعية التي ما زالت تعاني صعوبة في الحصول على التمويل الكافي لشراء مستلزمات الإنتاج، بتسهيلات بنكية أو فائدة مخفضة.
وأوضح المحللون أن تدفقات الأموال الساخنة، التي عادت بقوة خلال الأسابيع الماضية، أضافت نحو 17 مليار دولار، وساهمت في توفير الدولار لدى البنوك، بالتوازي مع التدفقات النقدية التي وفّرتها صفقات بيع جزيرة رأس الحكمة، والقروض من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، التي ساهمت في رفع قيمة الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، وتعزيز السيولة النقدية.
وقال الخبير الاقتصادي هاني توفيق إن سعر الصرف سيصعد تدريجياً وبنسب بسيطة خلال الأشهر المقبلة، متوقعاً أن يبدأ الصعود الشهر المقبل، المواكب لفترة سداد التزامات حكومية بسداد أقساط الديون الأجنبية، ومواجهة التراجع في عوائد قناة السويس المتأثرة بالحرب على غزة، واضطراب حركة الشحن بالبحر الأحمر، وزيادة أسعار واردات الغاز، وحاجة القطاع الصناعي والإنتاجي لمزيد من الواردات.
وأوضح توفيق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التدفقات المالية التي حصلت عليها الحكومة من الداعمين الخليجيين ومؤسسات التمويل الدولية لن تكفي حاجة الدولة لسد العجز بين الصادرات والواردات، وسداد التزاماتها الدولية إلا لعدة أشهر، بينما تظل حاجتها إلى المزيد من العملات الصعبة التي تتأثر مواردها بصعوبة الحصول عليها واستمرار معدلات الفائدة المرتفعة لفترة أطول من المتوقع، مع ارتفاع مستوى الدين العام.
وأكد الخبير الاقتصادي أن الزيادة البسيطة في سعر الجنيه تعكس حذر البنك المركزي من توجيه عوائد الأموال الساخنة لدعم الجنيه، أسوة بما حدث قبل أزمة مارس/ آذار 2022، والتي أدت إلى انكشاف الاحتياطي بالنقد الأجنبي مع خروج نحو 22 مليار دولار خلال أيام، بعد الحرب في أوكرانيا.
وبين أن الأموال الساخنة تنجذب بفعل الفائدة المرتفعة على الجنيه، مع وجود استقرار نسبي في سعر الصرف، يضمن للمغامرين في سوق الأسهم والسندات عدم التراجع الحاد بسعر الدولار، بما يؤمن لهم حدا أدنى من الأرباح الصافية، بما يعني أن الجنيه سيتعرض لضغوط تدفعه إلى التراجع مقابل الجنيه، بنسب تقترب من معدلات تضخم على الدولار ما بين 1 -2%.
في السياق ذاته، أكد خبراء اقتصاد أن الأزمة الاقتصادية في مصر لم تنته بعد، رغم ضخ المقرضين الدوليين عشرات المليارات من الدولارات في الاقتصاد المتعثر وسط حرب ساخنة في قطاع غزة، تهدد بحرب إقليمية واسعة.
ورصد نوح بيرمان، الخبير الاقتصادي بمجلس العلاقات الخارجية للأبحاث الأميركي CFR.org، تشكيك العديد من المراقبين في أن الإصلاحات الاقتصادية في مصر ستستمر، رغم تعاطف المقرضين الدوليين مع القاهرة، لإنقاذها من تداعيات الحرب في غزة، باستثمارات تزيد عن 50 مليار دولار، تعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وأبرز بيرمان، في تقرير حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، مخاوف المراقبين من عدم التزام الحكومة بما اتفقت عليه مسبقًا مع مؤسسات التمويل الدولية، والتي تستهدف عدم استنزاف العملات الأجنبية لشراء الجنيه من الأسواق العالمية، بأسعار مبالغ فيها وتحرير سعر الصرف، وترشيد النفقات العامة، وتقليص الفجوة بين الصادرات والواردات، وتشجيع القطاع الخاص في قيادة الاقتصاد، مع إبعاد شركات الجيش التي لا تدفع الضرائب وتدير المصانع ومحطات الوقود ومحلات البيع بالتجزئة وشركات السياحة والعقارات، واعتمادها على تمويل مشروعاتها من الموازنة العامة، فضلا عن تجاوز مؤسسات الجيش اللوائح الحكومية، بما يحول دون قدرة القطاع الخاص على المنافسة.
وأشار بيرمان إلى أن نقاط التعثر المستمرة في الاقتصاد تبرز مع انخفاض عوائد السياحة المتوقعة بنسبة ما بين 10 و30% خلال العام الجاري، وتراجع العوائد من قناة السويس إلى النصف، وارتفاع تكاليف الشحن على الواردات، وتباطؤ بيع الأصول العامة، التي استهدفت العام الماضي نحو 35 شركة مملوكة للدولة.
وفي توقعات خبراء صندوق النقد الدولي لعام 2024، تراجع حجم الاقتصاد المصري من المركز الأول الذي احتله عام 2023 إلى المركز الثاني في قارة أفريقيا خلف جنوب أفريقيا.
وأكد خبراء الصندوق أن التراجع مدفوع بانخفاض قيمة العملة وتأثيرها سلباً على الناتج المحلي الإجمالي، وقدّروا أن يصل الناتج الإجمالي، على أساس الأسعار السائدة حالياً للعملة، لمصر إلى 348 مليار دولار، بينما يرتفع حجم اقتصاد جنوب أفريقيا إلى 373 مليار دولار، مع وضع نيجيريا بالمركز الثالث بقيمة 253 مليار دولار، والجزائر بالمركز الرابع 276 مليار دولار.
وأوضح التقرير أن مصر تظل أكثر دول العالم الناشئ مديونية، وثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، بتعويم عملتها، مما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه بنسبة 40% مقابل الدولار منذ 6 مارس/آذار الماضي.
ويخشى خبراء الصندوق أن يتجه الجنيه إلى مزيد من التراجع خلال الفترة المقبلة، في ظل ارتفاع أسعار النفط والغاز الناجم عن استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتصعيدها في غزة وتوسع التوترات بمنطقة الشرق الأوسط.