يتجه الجنيه المصري نحو الانخفاض التدريجي، مع استمرار تراجع قيمته أمام العملة الأميريكة رسميا. سجل سعر الدولار وفقا للأسعار المعلنة من البنك المركزي أمس، والمعروضة بالبنك الحكومي الأكبر" الأهلي" 19.37 جنيها للشراء مقابل 19.45 جنيها للبيع، واستقر متوسط البيع بالبنوك الخاصة، عند 19.39 للشراء، و19.45 للبيع. ويأتي ذلك، وسط تحذيرات المراقبين من ترك الجنيه للشائعات حول انخفاضه بشدة أمام الدولار تارة وارتفاعه تارة أخرى دون توضيحات رسمية.
ويتوقع الخبير المالي إيهاب مهدي، تعرض الجنيه لصدمة كبيرة خلال الأيام المقبلة، مشيرا إلى أن السوق الموازية، تشهد إقبالا هائلا على الشراء من قبل رجال الأعمال والمستوردين، الذين يرغبون في إنهاء إجراءات الإفراج عن بضائعهم في الموانئ، بعد أن توقفت البنوك عن تنفيذ أية تعليمات للحكومة بحل تلك الأزمة المستمرة منذ مارس/ آذار الماضي.
وأبدى مهدي دهشته من ترك الحكومة ارتفاع الدولار أمام الجنيه، حتى بلغ نحو 23 جنيها في تعاملات أمس بالسوق السوداء، وفي الوقت نفسه تدعم السوق بشائعات يوجهها شخصيات محسوبة على الحكومة بأن الدولار في طريقه للانخفاض، وأخرى تؤكد أن قيمة الجنيه ستتراجع دون 25 جنيها مقابل الدولار، خلال أيام، بما أشعل الطلب على الدولار.
وأكد مهدي وجود مؤسسات في الدولة، تجري حساباتها اليومية في تعاملاتها النقدية مع المواطنين على أساس سعر الدولار في السوق السوداء، ومنها المدارس الأجنبية، التي تحصل على رسوم مقومة بالدولار، وخدمات الأندية الكبرى، وشركات السيارات والعقارات. وأوضح أن الحكومة تركت الجنيه تتحكم في قيمته سوق الشائعات، وحركة التجار في السوق السوداء، بعد أن تعذر توفير الدولار للمتعاملين عبر القنوات الرسمية.
وشهدت حركة التعاملات في البنوك إقبالا ضعيفا، فلا بيع ولا شراء للعملات الصعبة، في ظل التزام الحكومة بالتسهيلات التي وعدت بها مطلع الشهر الجاري، بالسماح بالإفراج الجمركي عن البضائع المكدسة بالموانئ، أو توفير العملة الصعبة للمستثمرين وأصحاب الشركات والمصانع التي تحتاج إلى شراء مستلزمات الإنتاج من الخارج.
اقتصرت التعاملات في النقد الأجنبي، على تدبير الدولار لأصحاب التحويلات والودائع بالعملة الصعبة، والجهات الحكومة المستوردة للمواد الأساسية. يؤكد الخبير الاقتصادي ووكيل وزارة التجارة الخارجية السابق، عبد النبي عبد المطلب لـ "العربي الجديد" أن حالة الانخفاض التي يواجهها الجنيه، ستستمر على هذه المنحى المتجه للتراجع مقابل الدولار، وستكون بمعدل أسرع قليلا خلال المرحلة المقبلة.
وأوضح عبد المطلب أن قرار التخفيض للجنيه سيكون مرهونا بالإعلان الرسمي عن نتائج مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي، حول برنامج جديد للإصلاح الاقتصادي والقرض الذي تتفاوض بشأنه مع الصندوق منذ مارس/ آذار الماضي.
ويسعى الصندوق إلى تحرير الحكومة لسعر الصرف بتركه أكثر مرونة، وفقا للعرض والطلب وتخفيض قبضة البنك المركزي على إدارته.
وقال الخبير الاقتصادي إن الجميع ينتظر قرارات البنك المركزي، التي ستصدرها لجنة السياسات النقدية بالبنك الخميس المقبل، مع وجود احتمالات كبيرة لرفع أسعار الفائدة لمعدلات تتراوح ما بين 100 إلى 300 نقطة أساس، وهناك من يتوقع التثبيت مع تحريك سعر الصرف.
شهدت حركة التعاملات في البنوك إقبالا ضعيفا، فلا بيع ولا شراء للعملات الصعبة، في ظل التزام الحكومة بالتسهيلات التي وعدت بها مطلع الشهر الجاري
ولفت إلى صعوبة وضع توقعات أقرب لليقين، في ظل عدم وجود قواعد واضحة في مصر تحدد سعر الفائدة وفقا لاعتبارات فنية، وأن القرار يتخذ على أسس غير اقتصادية، بعكس الأسواق الناضجة، التي يستطيع أي اقتصادي لديه سلسلة لتطورات التضخم خلال شهر أن يتنبأ بسعر الفائدة أو يقترح سعر الفائدة التوازني.
ويتوقع خبراء أن يواصل البنك المركزي دورة التشدد النقدي، لكبح التضخم ودعم العملة، برفع سعر الفائدة للمرة الثالثة العام الحالي، حيث يبلغ سعر الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة حاليا 11.25% و12.25%، على التوالي، وسعر الخصم 11.75%.
ويشير خبراء إلى أن ضعف الجنيه، وتزايد معدلات التضخم شهريا، الذي بلغ ذروته خلال 4 سنوات، في أغسطس/ آب الماضي، مسجلا 15.4%، سيجبر البنك المركزي على رفع الفائدة، مع تراجع أكبر في قيمة الجنيه، على خلفية زيادة أسعار المواد الغذائية والمشروبات ومدخلات الإنتاج بالشركات، في محاولة لكبح جماح التضخم المتصاعد.
يتوقع مدرس علوم الإدارة بالجامعة الأميركية في مصر، هاني جنينه، أن تعيد الحكومة طرح شهادات ادخار ذات عائد 18%، للحد من نمو التضخم المتوقع أن يصل إلى 20%، نهاية العام الحالي، لتدفع المواطنين نحو تحويل المدخرات بالدولار إلى الجنيه.