استمع إلى الملخص
- في ظل الحرب على غزة، يستخدم الحجاج موسم الحج كمنصة لدعم المقاومة الفلسطينية، مع التشجيع على مقاطعة السلع والخدمات الداعمة لإسرائيل ودعم الاقتصاد الإسلامي.
- يُظهر الحجاج التزامهم بقضية فلسطين من خلال المقاطعة الاقتصادية وتوجيه الدعم المالي للمقاومة، ويُشجعون على بناء تعاون اقتصادي بين رجال الأعمال المسلمين لدعم القضايا الإسلامية عالميًا.
شاء الله عز وجل أن تبقى شعائر الإسلام جامعة للأمة، ومن بين تلك الشعائر التي ذكر الله فيها أن من يؤدونها يحققون منافع لهم حج بيت الله، الذي ينتظم المسلمون من كل بقاع العالم كل عام لأداء الفريضة.
والحج عبادة تعتمد على القدرة المالية بشكل كبير، وترتبط بها جوانب اقتصادية متعددة، من تكاليف السفر والطيران والإقامة، وشراء الهدايا. وتصنف فريضة الحج ضمن السياحة الدينية.
ولكم طالب الاقتصاديون بأن يُستفاد من هذا المؤتمر السنوي الذي يمتد لعدة أشهر في تحقيق التعاون الاقتصادي بين دول العالم الإسلامي، ليتم تبادل الخبرات والسلع والخدمات، لتقوى المعاملات المالية والاقتصادية بين الشعوب والحكومات الإسلامية.
قاطع يا حاج
الحج هذا العام مختلف عن باقي الأعوام السابقة، حيث تواكب موسم الحج حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على شعب غزة منذ أكثر من ثمانية أشهر، وقد لجأت الشعوب إلى تفعيل دورها في دعم صمود المقاومة من خلال مقاطعة السلع والخدمات التي تنتجها شركات تدعم الكيان الصهيوني، حيث حققت هذه المقاطعة نتائج ملموسة، وألحقت خسائر كبيرة بالشركات العالمية، وغيرت خطط ممارسة أعمال وأنشطة هذه الشركات.
ولذلك ففرصة وجود أكثر من مليوني حاج هذا العام بعد أيام في السعودية يمكن أن تؤدي إلى تقديم دعم قوي للمقاومة الفلسطينية من خلال ممارسات اقتصادية بحتة، منها:
- تجنب استخدام الدولار في تدبير نفقات الحج، واشتري العملة السعودية الريال مباشرة، أو عملات أخرى تمكنك من التصرف في أمورك المالية الخاصة بالحج دون أن تشتري أو تستخدم العملة الأميركية، فدور أميركا في إبادة أهل غزة يجعلها أكبر الشركاء والداعمين لإسرائيل في هذه الجريمة.
- احرص على ألا تستخدم أي خدمات لشركات طيران أو نقل تدعم أو تطبع مع الكيان الصهيوني (مصر، الأردن، الإمارات، البحرين، المغرب، السودان)، فكثير من الدول العربية والإسلامية لديها خطوط طيران يمكنك من خلالها الوصول بسهولة ويسر للحرمين الشريفين.
- خلال وجودك في الحرمين الشريفين امتنع عن شراء أي أطعمة أو مشروبات من الشركات التي تدعم الكيان الصهيوني، واحرص على شراء منتجات الدول الإسلامية، وبخاصة أن المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة أو غيرها من بلدان إسلامية كثيرة وتستوفي كافة شروط الصحة والسلامة.
- عند شرائك للهدي، ليكن إقدامك على الذبائح الآتية من دول إسلامية، وإذا كنت ستتبرع بقيمة هديك عن طريق الجمعيات أو البنوك، ليكن هديك هذا العام لغزة وأهلها، الذين يعانون من شظف العيش إلى جانب معاناتهم من ويلات الحرب التي تشنها عليهم إسرائيل.
- اعتاد الحجاج أن يرجعوا إلى أهليهم وذويهم بهدايا، وهي عادة ما تكون من منتجات بلدان غير إسلامية، نظراً لرخص أثمانها، في الوقت الذي تتوفر فيه هدايا من منتجات دول إسلامية، وإن كانت أعلى سعراً من غيرها، إلا أن منتجات الدول الإسلامية تتسم بالجودة الأعلى... فليكن شراؤك للهدايا من منتجات الدول الإسلامية.
- إياك الوقوع في فخ التخفيضات والعروض، فالشركات الداعمة للكيان الصهيوني منيت بخسائر ملموسة وسوف تعمل على خداع الحجاج لتسويق منتجاتها عبر بوابة العروض والتخفيضات، وتذكر أن طلاباً أميركيين ضحوا بمستقبلهم الدراسي وتعرضوا للاعتقال والضرب من أجل نصرة القضية الفلسطينية وركزوا بشكل كبير على سحب استثمارات جامعاتهم من شركات الكيان الصهيوني، فلا تضعف أنت أمام عروض أو تخفيضات لا تسمن ولا تغني من جوع.
- يطيب للحجاج أن تكون لهم صدقات سواء أثناء أدائهم شعيرة الحج أو بعد عودتهم، فاجعل صدقتك أيها الحاج هذا العام لفلسطين وأهلها، وإن اجتهدت في إيصالها لدعم المقاومة، ولشعب غزة المحاصر، فلا تتأخر، فهو واجب الوقت.
- تكثر في أيام الحج حملات الإطعام وسقي الماء أو المشروبات الباردة، وبخاصة أن موسم الحج سيكون في بداية الصيف هذا العام، فاحذر أن تتعاطى مع هذه الحملات إذا كانت توزع أطعمة أو مشروبات لشركات تدعم إسرائيل، فإذا كانت شعيرة الحج تعبر عن وحدة الأمة وتماسكها، فلا يغيب عنا واقع شعب غزة الذي يواجه حرب الإبادة على يد إسرائيل.
- وإذا كنت من رجال الأعمال، فلا تفوت الفرصة في تشبيك علاقات مع من هم على شاكلتك من الحجاج، من بلدك أو من بلد عربي أو إسلامي آخر، فالاقتصاد عماد الحضارة، وأداء رسالتك تجاه المال ليخدم قضايا أمتك يحتاج إلى بذل الجهود وحسن توظيف المتاح منه.
لسنا أقل نصرة من غيرنا
نقلت إلينا وسائل الإعلام كيف انتفض طلاب الجامعات الأميركية والشعوب الغربية ضد حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على شعب غزة الأعزل، وركزوا بشكل كبير على سحب استثمارات جامعاتهم من شركات الكيان الصهيوني، ونجحوا في ذلك إلى حد كبير.
واكتشفنا عملياً أن دعم إسرائيل لا يقتصر فقط على الحكومات والجيوش ولكنه يأتي بشكل كبير من مؤسسات المجتمع المدني، فالجامعات تدفع باستثماراتها لتمويل شركات التكنولوجيا وتصنيع الأسلحة في إسرائيل، بينما نحن مشغولون بالتنافس على امتلاك أحدث أجهزة الهواتف والكمبيوتر وغيرها من السلع التي أصبحت جزءاً مهماً في حياتنا، ولا ندري أن عائد التكنولوجيا من هذه الأجهزة يعود ليدعم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
إذاً، دورنا كمجتمع مدني أن نوظف المال لنصرة قضايا الأمة، التي جذبت أنظار غير المسلمين إليها عبر جانبها الإنساني. وقديماً كتب الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، في هذا الإطار، بشأن كون المال لا بد أن يوظف لصالح قضية فلسطين، كما وظفه غيرنا، فقال في كتابه: "من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث"، "ولك أن تسأل: هل كنا نستطيع أن نطوع الصدقات لإقامة اقتصاد عربي في فلسطين، كما فعل يهود العالم وهم ملوك المال؟ والجواب: نعم، إن الله وضع في بلاد العرب من البركة وأفاء على أهلها من الأموال ما يجعلهم أملأ أهل الأرض، غير أن التبذير المهلك في فنون اللهو جعل ما امتازوا به من فضل يذهب سدى. أين تضيع أموال البترول السيال من ينابيع الدول البترولية؟ إن المال في الشرق كثير، ولكن الشهوات أكثر، ومن ثم يتبدد في مواطن العبث ما كان ينبغي أن يتحول أرصدة للإنشاء والتعمير!"، انتهى الاقتباس من كتاب الشيخ.
ولو عاش الغزالي إلى أيامنا هذه لهاله ما وصلت إليه أحوال الحكومات العربية، وطريقة تبديد المال العربي، وأن ذلك المال انتقل من مرحلة التبديد إلى مرحلة دعم الاقتصاد الإسرائيلي، بل ودعم الجيش الإسرائيلي في حربه على غزة، من خلال عمل خطوط امداد لإسرائيل تمتد عبر أراض عربية لمواجهة الحصار الناتج عن منع الحوثيين السفن الإسرائيلية من المرور في البحر الأحمر.
وإذا كانت الحكومات العربية والإسلامية قد تخاذلت عن نصرة المقاومة في غزة، وتركت نحو مليوني إنسان يواجهون الجوع والموت، فلا أقل من أن ينصرهم أكثر من مليوني مسلم يؤدون واجب الحج.
وإذا كانت أموال الحكومات وترسانتها المالية بعيدة عن دعم المقاومة، فليكن مال المجتمع المدني هو البديل الذي يمكن أن يتحرك ويدعم، لما يمتلكه من حرية الحركة وحرية اتخاذ القرار. ولعله من تمام أداء الفريضة مشاركة الحجاج هموم أهل غزة بالمقاطعة.