تحاول الحكومة الأردنية تخفيف حدة الاحتقان لدى الشارع الغاضب من تردي الأوضاع الاقتصادية ومتوالية ارتفاع الأسعار ورفع الدعم عن كافة السلع والخدمات والزيادة الكبيرة التي طرأت خلال العامين الماضيين على نسب الفقر والبطالة بسبب جائحة كورونا وتداعياتها.
ووفق مراقبين فإن الحكومة تدرك حجم الاستياء الشعبي من سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم قدرة المواطنين على تحمل مزيد من الأعباء بسبب السياسات الاقتصادية المتراكمة التي تقوم في جلها على رفع الضرائب دون انعكاس ذلك إيجابا على مستويات المعيشة والفقر والبطالة، وبالتالي فإن الحكومة تسعى لاحتواء غضبة الشارع من خلال قرارات توصف بأنها ليست أكثر من تجميلية لسياساتها الاقتصادية.
ويأتي ذلك في ظل محاولات الحكومة أيضا لتمرير قرارات اقتصادية جديدة تتعلق برفع الأسعار بخاصة تعرفة الكهرباء أولا ومن بعدها أسعار المياه دون إثارة الاحتجاجات الشعبية، وذلك من خلال صرف نظر الشارع وتوجيهه للاهتمام بقرارات أخرى اتخذتها الأسبوع الماضي بشأن تخفيضات على أسعار عدد من السلع استثنيت منها المواد الغذائية والمركبات وغيرها والتي تشكل عبئا كبيرا على المواطنين.
تخفيض أسعار بعض السلع
تسعى الحكومة، عبر قرارات تخفيض الأسعار، لكسب شعبية الشارع وتهدئته بالتزامن مع مناقشات البرلمان الأردني لمنظومة التشريعات السياسية وفي مقدمتها تعديل الدستور ومن بعده مشروعا قانوني الأحزاب والانتخاب رغم الانتقادات الكبيرة التي تدور حولها.
وكانت الحكومة قررت تخفيض الرسوم الجمركية على مختلف السلع لتصبح 5% فقط باستثناء السلع التي يوجد لها مثيل محلي كالصناعات الغذائية والهندسية وغيرها، حيث ستصبح الجمارك عليها بنسبة 15% بحلول 2027.
إلى ذلك، قال رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب الأردني، فراس العجارمة، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد" إن الحكومة رغم تخفيضها الرسوم الجمركية على بعض السلع إلا أنها في الوقت ذاته رفعت أسعار الكهرباء والتي ستطبق اعتبارا من بداية شهر إبريل/ نيسان المقبل، ما يحمّل المواطنين مزيدا من الأعباء رغم تبريرات الحكومة بأن التعرفة الجديدة لن تمس الشرائح الفقيرة ومحدودة الدخل ومنخفضة الاستهلاك.
وبيّن أن "ارتفاع أسعار الكهرباء سيزيد درجة استياء المواطنين لسوء الأوضاع المعيشية وتراجع القدرات الشرائية، ذلك أن ما تتحدث عنه الحكومة من دعم للشرائح التي تستهلك لغاية 600 كيلو واط ساعة شهريا غير منطقي ولا يغطي فروقات أسعار التعرفة الكهربائية، وسط عدم التيقن من استمرار تقديم ذلك الدعم على غرار تجارب سابقة عندما أوقفت الحكومة دعما كان مقررا للفئات الفقيرة ومتدنية الدخل بدلا من رفع الدعم عن الخبز".
وقال العجارمة إن الحكومة ستكون في مواجهة مع مجلس النواب إن لم تستجب لمطالب لجنة الطاقة النيابية والتي من بينها إعادة النظر بتعرفة الكهرباء على الشرائح الفقيرة وعدم رفع الأسعار على الأشخاص الذين لديهم أنظمة طاقة شمسية وتكبدوا نفقات مرتفعة لقاء تركيب الخلايا الشمسية لتخفيض قيمة فاتورة الكهرباء الشهرية، واليوم يفاجؤون بقرار الحكومة فرض دينار "1.41 دولار" على كل كيلو من طاقة النظام الشمسي.
ضغوط صندوق النقد
ويأتي رفع أسعار الكهرباء استجابة من الحكومة لمطالب صندوق النقد الدولي الذي اعتبر إصلاح قطاع الكهرباء والتعرفة من أهم المرتكزات اللازمة لتطبيق برامج إصلاح اقتصادي جديدة وتقديم مزيد من القروض للأردن خلال الفترة المقبلة.
وقالت وزارة الطاقة إنه بموجب برنامج صندوق النقد الدولي، تلتزم الحكومة بخطة مدتها 3 سنوات ابتداء من عام 2021 لتعديل تعرفة الكهرباء "بهدف تحسين استهداف الدعم المقدم للأسر وخفض التكلفة العالية للكهرباء على الشركات"، وفق تعبيرها.
وأشارت إلى أن قطاع الكهرباء يشكل نحو 20% من الدين العام بسبب تراكم ديون شركة الكهرباء الوطنية التي وصلت إلى حوالي 7.18 مليارات دولار.
وبموجب التعرفة الجديدة للكهرباء سيتم اعتماد ثلاث شرائح ليكون سعر تعرفة الاستهلاك الشهري لهذه الفئة بقيمة 50 فلساً لكلّ كيلو واط ساعة لشريحة الاستهلاك من (1 - 300) كيلو واط ساعة، و100 فلس للاستهلاك من (301- 600)، و200 فلس لكل كيلو واط للاستهلاك الذي يتجاوز 600 كيلو واط.
ووفق تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي يوم الجمعة قبل الماضي، فإن نحو 15% من الأسر الأردنية قد تفقد الوصول إلى دعم أسعار الكهرباء جزئياً أو كلياً، إثر تطبيق التعرفة الكهربائية الجديدة التي تستعد الحكومة لتطبيقها نهاية مارس/ آذار.
زيادة احتقان الشارع
وفي سياق متصل، فإن اتفاق النوايا الموقع بين الأردن والإمارات والكيان الإسرائيلي يشكل أحد العوامل الأساسية التي زادت احتقان الشارع، حيث قال رئيس لجنة الطاقة النيابية إن مجلس النواب بأغلبية أعضائه يتمسك بموقفه الرافض من الاتفاق الذي ما زال في إطار النوايا وقيد الدراسة، والأصل أن تتراجع الحكومة عنه حتى لا تؤدي إلى تأزيم الشارع مرة أخرى وتوتر العلاقة مع مجلس النواب خلال الفترة المقبلة.
ويقوم الاتفاق على حصول الأردن على 200 مليون متر مكعب مياه من إسرائيل سنويا مقابل تزويدها بالكهرباء.
واستهلت الحكومة العام الجديد برفع أسعار المشتقات النفطية لتبلغ بعض الأصناف مستويات قياسية غير مسبوقة خاصة البنزين بنوعية 90 و95 أوكتان.
وشهدت أسعار مختلف السلع وخاصة المواد الغذائية ارتفاعات كبيرة وغير مسبوقة خلال العامين الماضيين وبنسبة تجاوزت 70% لبعض المواد مثل الزيوت النباتية وأصناف من الخضار والفواكه، إضافة إلى ارتفاع متطلبات الإنفاق على الرعاية الصحية والوقاية من وباء كورونا.
وخسر أكثر من 140 ألف شخص وظائفهم بسبب جائحة كورونا، حسب بيانات رسمية.
وحذر المحلل السياسي فارس حباشنة، من مخاطر المرحلة المقبلة واحتمال تأجج الاحتجاجات ضد الحكومة بسبب سياساتها الاقتصادية وارتفاع الأسعار وعزمها على زيادة أسعار الكهرباء إضافة إلى احتمال رفع أسعار المياه هذا العام.
وقال لـ"العربي الجديد" إن محاولة الحكومة تبييض قراراتها الاقتصادية كإعادة هيكلة الرسوم الجمركية لن تنعكس إيجابا على المواطنين، حيث إن تخفيض الرسوم الجمركية لم يطاول السلع التموينية وغيرها من المواد الأساسية، وفي المقابل يتم رفع أسعار الكهرباء.
شهدت أسعار مختلف السلع وخاصة المواد الغذائية ارتفاعات كبيرة وغير مسبوقة خلال العامين الماضيين وبنسبة تجاوزت 70% لبعض المواد مثل الزيوت النباتية وأصناف من الخضار والفواكه
وبحسب حباشنة فإن الشارع الأردني يمر بمرحلة احتقان ربما غير مسبوقة بسبب انحدار الأوضاع المعيشية وعدم الرضا عن مجمل السياسات الاقتصادية والقرارات السياسية للحكومة.
وكان الأردن شهد احتجاجات في مايو/ أيار من العام 2018 ضد حكومة هاني الملقي بسبب رفع أسعار الكهرباء والضرائب انتهت بإسقاط الحكومة والتراجع عن تلك القرارات.
وأصدرت لجنة المتابعة الوطنية التي تضم عددا من الأحزاب وشخصيات سياسية واقتصادية بيانا صحافيا الجمعة قبل الماضية، قالت فيه إن الدولة الأردنية دخلت مئويتها الثانية مع مطلع العام وقد ازدادت معاناة الأردنيين وتفاقم بؤسهم واستشرى الفقر بينهم وذلك بسبب السياسات الجائرة التي تأخذ الدولة نحو الانهيار.