في نهاية عام 2011، عام الثورة المصرية، خرج علينا كمال الجنزوري رئيس حكومة الإنقاذ الوطني في ذلك الوقت بتصريحات مثيرة ومتشائمة أخطر ما فيها قوله إن مصر على وشك الإفلاس، وأن الوضع الاقتصادي أخطر بكثير مما يتصوره أحد، وكرر تلك التصريحات في فبراير/ شباط 2012، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية بأشهر قليلة.
والملفت أن الجنزوري عاد وتوقع في شهر إبريل/ نيسان 2012، أي بعد تصريحه الثاني بأسابيع قليلة، تعافي الاقتصاد المصري خلال الأيام القادمة، مع زيادة احتياطي النقد الأجنبي وتراجع الدين الخارجي، والحصول على قروض ومنح خارجية.
بل وكشف عن تناقص الدين الخارجي لمصر من 35.2 مليار دولار إلى 33.4 مليار دولار في مارس/ آذار 2012، وعن قرب تحسن احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.
تحويلات المصريين العاملين بالخارج ارتفعت لمستوى تاريخي من 12.5 مليار دولار خلال 2010 إلى 14.3 مليار دولار خلال 2011، وإيرادات قناة السويس شهدت زيادة من 4.8 مليار دولار إلى 5.2 مليار دولار
عقب تصريحات رئيس الوزراء الأولى في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2011 اتصلت بمسؤول بارز في الدولة أثق بنزاهته وحيدته وموضوعيته، وسألته عن حقيقة تصريحات الجنزوري، فقال لي: "تصريحات سياسية لا علاقة لها بالواقع، هي موجهة لرجل الشارع الغاضب ورموز الثورة حتى يعود الناس إلى بيوتهم ويتوقفوا عن التظاهر والاعتصامات".
وقبل أن ينهي المسؤول الرفيع كلامه سألني: هل اختفت سلعة من الأسواق، هل شهدت أسعار السلع والخدمات قفزات تفوق القدرة الشرائية للمواطن، هل اختفت المواد الغذائية والسلع التموينية، هل ذهبت أنت أو الأسر المحيطة بك إلى المحال التجارية فلم تجد أغذية أو قمحا أو سكرا أو غيره من السلع الرئيسية، هل انهارت قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، هل توقفت مصر عن سداد أعباء الديون الخارجية، هل توقف البنك المركزي عن تمويل واردات البلاد سواء من الأغذية أو المشتقات البترولية أو الأدوية وغيرها من السلع الاستراتيجية؟
قلت للمسؤول : "لا"، فقال "اطمئن البلد بخير، ولدينا احتياطي كاف من النقد الأجنبي يغطي واردات البلاد لشهور مقبلة، هناك تحسن في المؤشرات الاقتصادية خاصة من أنشطة رئيسية مثل الصادرات وتحويلات العاملين في الخارج. ثورة 25 يناير/ كانون الثاني روجت لمصر وشبابها وسلعها وسياحتها في كل أنحاء العالم، أثبتت أن الشباب المصري واعي وعلى قدر كبير من المسؤولية".
المسؤول طلب مني وقتها الرجوع إلى المؤشرات الاقتصادية الصادرة عن البنك المركزي المصري خاصة المتعلقة بإيرادات النقد الأجنبي في عام الثورة.
وبالفعل عدت لتلك المؤشرات لأبحث عن تأثيرات ثورة 25 يناير على الاقتصاد المصري، وهل صحيح أن الثورة كانت خراباً على مصر كما كان الجنزوري، ومن يقف خلفه، يحاول أن يرسم للمصريين ويثير مخاوفهم ويخلق حالة من الفزع لدى الرأي العام.
الصادرات المصرية ارتفعت بنسبة 19% في 2011 مقارنة بعام 2010، والزيادة المتحققة في الصادرات بنهاية عام الثورة فاقت المعدلات المستهدفة
تقول الأرقام الرسمية إن قيمة الصادرات المصرية ارتفعت بنسبة 19% في عام 2011 مقارنة بعام 2010، وإن الزيادة المتحققة في الصادرات بنهاية عام الثورة فاقت المعدلات المستهدفة التي وضعت بداية العام وحددت بـ120 مليار جنيه (19.87 مليار دولار).
كما رصد البنك المركزي وقتها ارتفاع صافي تحويلات المصريين العاملين في الخارج، لأعلى مستوى في تاريخها خلال الفترة من أكتوبر 2010 إلى نهاية سبتمبر 2011، لتسجل 13.5 مليار دولار.
ووفق بيانات البنك المركزي المصري في مارس 2012، فإن تحويلات المصريين العاملين بالخارج ارتفعت لمستوى تاريخي من 12.5 مليار دولار خلال 2010 إلى 14.3 مليار دولار خلال عام 2011، وإن إيرادات قناة السويس شهدت زيادة من 4.8 مليار دولار إلى 5.2 مليار دولار.
وشكلت تحويلات المصريين العاملين في الخارج والصادرات، مساندة قوية للاقتصاد المصري بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.
وعلى الرغم من تراجع مؤشرات السياحة والاستثمارات المباشرة في عام الثورة، إلا أن تلك المؤشرات استردت عافيتها بسرعة، وأعادت السياح والاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، خاصة مع اعجاب معظم دول العالم بثورة 25 يناير العظيمة.
ووفق الأرقام الرسمية فإن ايرادات السياحة بلغت خلال العام 2011 نحو 8.8 مليار دولار بانخفاض 29.8% مقارنة بعام 2010. لكن السياحة استردت حيويتها وتعافيها في العام 2012 حيث سجلت نموًا بنسبة 17% في عدد السائحين، وزيادة 13% في الإيرادات.
وبالتالي فإن الحديث عن أن مصر خسرت مئات المليارات من الدولارات، في عام الثورة 2011، هو من قبيل المبالغة التي لا تستند إلى واقع وأرقام رسمية، ولو خسرت البلاد 100 مليار دولار أو حتى نصف هذا الرقم لانهار اقتصادها وأعلنت إفلاسها في هذا العام، وتوقفت عن سداد أعباء الدين الخارجي، وعجز البنك المركزي عن تمويل واردات القمح والأغذية والوقود والأدوية، وهذا لم يحدث.