الركود يسيطر على الشركات غير المنتجة للنفط، والبطالة تهدد المصريين، بمختلف أعمارهم وتخصصاتهم، لتدفع الشباب أمام خيارين كلاهما مرّ، مواجهة قاتلة مع البطالة، والبحث عن فرصة عمل نادرة، أو السفر في رحلات الموت، بقوافل الهجرة السرية إلى أوروبا، التي ارتفعت حدتها العام الحالي.
وكشف مؤشر مديري الشركات، الذي تصدره مؤسسة ستاندرد آند بورز، عن استمرار الشركات في حالة الركود المهيمن على الاقتصاد، للشهر الـ 32 على التوالي، مبيناً أنه رغم ارتفاع قراءة المؤشر إلى 49.2 نقطة، وهي الأعلى في عامين، إلا أن ارتفاع الضغوط التضخمية، مع الزيادة الهائلة في تكاليف المدخلات، أدت إلى انخفاض النشاط الإجمالي.
أوضح المؤشر في تقرير عن شهر أغسطس/ آب الماضي، أن مشاكل سعر الصرف وضغوط تكاليف المعيشة سترتفع، بما يتطلب معاجلة كاملة لأزمة الركود التي وقع بها القطاع الخاص غير النفطي، قبل أن تتمكن البلاد من الهروب من الآثار الضارة للتضخم الذي وصل إلى مستويات قياسية، وبلغ نحو 38.2% يوليو/ تموز الماضي. ويدفع الركود إلى خفض معدلات التوظيف، مع ندرة العرض للمنتجات، يواكب ركود في الطلب بالأسواق.
في سياق متصل، أكدت دراسة تحليلية للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن الاقتصاد المصري أصبح غير قادر على توليد فرص عمل جديدة أمام ملايين الشباب وباقي فئات المجتمع من الباحثين بجدية عن فرص عمل، من ذوي المهارات العملية والفنية المختلفة، مع تزايد معاناة المرأة من اتساع الفجوة في الأجور والمميزات التأمينية التي تدفع للرجال المتساوين معها في الدرجة الوظيفية.
كشفت الدراسة التي أعلن المركز تفاصيلها، أول من أمس، في ندوة عن تحليل الطلب بسوق العمل المصري خلال الربع الثالث لعام 2022، عن تعارض الأرقام التي تذكرها الحكومة، حول تراجع معدلات البطالة، مع الواقع، لاعتمادها على مؤشرات قديمة للتخفيض من أزمة البطالة وفقاً للمؤشرات الرسمية التي تصدر عن جهاز التعبئة والإحصاء، بينما يوجد ملايين العاطلين من العمل الذين تعبوا من كثرة البحث عن وظيفة، ومنهم من توقف عن البحث يأساً أو لعدم تناسب الوظائف المتاحة مع العائد منها.
وبيّنت المناقشات التي أدارتها مديرة المركز، عبلة عبد اللطيف، أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من تراجع قدرة الاقتصاد على توليد فرص عمل، بعد أن توقفت أغلب مشروعات إنشاء الطرق والجسور والبنية الأساسية التي كانت تمولها الحكومة في العاصمة والمناطق المحيطة بها، مع عدم القدرة على التمويل والتوجه نحو التقشف في النفقات العامة.
وأكد الحضور أن تزايد معدلات البطالة، يمثل كارثة سياسية قومية، لأن العاطلين سيتحولون إلى قنابل موقوتة داخل البيوت، مشيرين إلى أن التشغيل مهم جداً للشباب، حتى لا يصبح وقوداً للإرهاب.
وشدد رئيس مجلس إدارة جمعية رجال أعمال محافظة الإسكندرية (شمال) محمد هنو، على أن تراجع الشركات عن التوظيف يرجع إلى مخاوف المستثمرين من البيروقراطية، وعدم توظيف الحكومة لطاقات المجتمع، في دفعه لتوفير فرص عمل جيدة، مشيراً إلى أن بعض الوظائف لم تعد توفر لصاحبها إلا قيمة المواصلات وطعامه الشخصي، بينما يجب أن توفر للأسرة بأكملها حياة كريمة.
وأوضح الخبراء أن بحث الحكومة عن سفر المصريين للعمل في الخارج ومواجهة البطالة وزيادة موارد البلاد من العملة الصعبة، سيظل حلاً مؤقتاً رهين الظروف الإقليمية والدولية، بينما يجب تحسين توظيف العمالة مع "تصدير" العمالة ضمن اتفاقيات رسمية تضمن حقوقهم، حتى تصبح قيمة رأسمالية بالاقتصاد.
وأظهرت الدراسة أن 50% من فرص العمل تتوافر في القاهرة، بينما النصف الآخر تنتجه المحافظات كافة، مع وجود فجوة هائلة بالأجور بين الرجال والنساء. وأوضحت نتائج تحليل الطلب في سوق العمل، أن الاقتصاد المصري ينتج نصف ما كان ينتجه من وظائف لذوي الياقات الزرقاء (الأعمال الفنية) وثلثي ما كان ينتجه لذوي الياقات البيضاء (الأعمال الإدارية) مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي 2022. كذلك تتزايد حدة التراجع كلما انخفض مستوى المهارة والخبرة وحداثة التخرج، رغم الارتفاع المستمر في متوسط أعداد المتقدمين للوظيفة الواحدة، خصوصاً ذوي الياقات البيضاء، بما يبين أن إنتاج الوظائف لا يواكب الزيادة في أعداد الباحثين عن عمل.
كذلك بيّن التحليل أن الوظائف الفنية هي الفئة الأكثر هشاشة والأشد تراجعاً في الطلب عليها بسوق العمل، وأن محافظة الإسكندرية هي الأقل تمييزاً ضد الإناث في سوق العمل، والأقل توفيراً للتغطية التأمينية الصحية والاجتماعية في الوقت نفسه، بنسبة 66% عن مثيلاتها بالمحافظات الأخرى، بينما الوجه القبلي هو الأعلى تمييزاً بنسبة 80%. واحتل مجال التسويق والمبيعات صدارة قائمة الأكثر إنتاجاً للوظائف بجميع الأقاليم عدا المحافظات الحدودية خلال فترة التحليل.
وبيّن التحليل أن الطلب على الإناث لا يمثل سوى 6.1% فقط من إجمالي الوظائف في مصر، فيما تشترط 61.9% من الوظائف ذكوراً، بينما لا يُشترط النوع في 31.9% من الوظائف. وفي السياق، أكد الرئيس التنفيذي للبنك الأهلي، هشام عكاشة، خلال مشاركته في المناقشة، أهمية تطوير التحليل بما يتماشى مع التطورات السريعة لسوق العمل.
وأشارت رئيسة مجموعة الموارد البشرية بالبنك الأهلي، حنان الشيخة، إلى أن النتائج الخاصة بتراجع حجم الطلب على الخريجين الجدد، أصبح اتجاهاً للعديد من الشركات الكبرى بالفعل لعدم جاهزية حديثي التخرج لسوق العمل، سواء من ناحية المهارات والفنيات والخبرة مع تراجع جديتهم في العمل. وأضافت الشيخة أن العديد من الشركات تفضل توظيف الشباب الذين أمضوا ما بين 4 – 10 سنوات في أماكن عمل وخبرات أخرى. وكشفت مديرة المركز المصري للدراسات الاقتصادية، عبلة عبد اللطيف، عن تواصل المركز مع الجهات المعنية لترجمة نتائج تحليل الطلب في سوق العمل إلى توجهات وخطط عمل حتى تواكب مهارات الخريجين مع متطلبات شروط العمل الحالية، سواء بوزارات التعليم والاتصالات في ما يتعلق بالتخصصات المطلوبة عالمياً في العمل الحر بقطاع البرمجيات وفق ما توصل إليه التحليل الأخير للمركز، ولكن لم يتم الانتهاء إلى شيء حتى الآن.
وتواجه الدولة احتمال تخفيض التصنيف الائتماني من عدة مؤسسات مالية دولية خلال الأسابيع المقبلة، بشكل يحد من قدرتها في الحصول على قروض دولية جديدة، لارتفاع معدلات الدين الخارجي إلى ما يزيد على 165 مليار دولار، وتحميل الموازنة 43% من مواردها لسداد مستحقات الدين العام، بما يضغط على الجنيه ويدفعه إلى المزيد من التدهور مقابل الدولار والعملات الرئيسية.