زار الرئيس الأميركي جو بايدن الرياض في شهر يوليو الماضي بعد ضغوط من مستشار الأمن القومي، على أمل انتزاع موافقة من الحكومة السعودية بزيادة الإنتاج النفطي، وإقناع حكومة المملكة باتخاذ خطوات لتعزيز إمدادات النفط في الأسواق العالمية.
وهو ما يساهم في خفض أسعار المشتقات البترولية في الولايات المتحدة، وتخفيف ضغوط التضخم وأعباء المعيشة عن المواطن الأميركي، لكن بايدن عاد خاوي اليدين وخالي الوفاض من منطقة الخليج، كما قلت في مقال سابق نشر في توقيت الزيارة.
حذرت واشنطن السعودية أكثر من مرة من التقارب مع روسيا في الملف النفطي، خاصة عقب اندلاع حرب أوكرانيا
لم ييأس بايدن خاصة مع ضغوط التضخم داخل بلاده على الاقتصاد والأسواق والمواطن، وواصل الضغط على الرياض التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، وأكبر منتج منفرد للنفط داخل منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، حيث تنتج أكثر من 10 ملايين برميل يومياً.
أخذت ضغوط بايدن أشكالاً عدة، منها الضغوط مباشرة على الحكومة السعودية، أو الضغط على "أوبك" التي تعد السعودية أبرز أعضائها والفاعل الرئيسي بها، أو الضغط على تحالف "أوبك+" الذي تقوده الرياض وموسكو.
كما حذرت واشنطن السعودية أكثر من مرة من التقارب مع روسيا في الملف النفطي، خاصة عقب اندلاع حرب أوكرانيا في نهاية فبراير الماضي.
وخرج قانون معاقبة "أوبك" من أدراج المشرعين الأميركيين، حيث مررت اللجنة القضائية التابعة للكونغرس، في بداية شهر مايو الماضي، مشروع قانون يعرف باسم نوبك "NOPEC" ضد أعضاء "أوبك" والذي يتيح للإدارة الأميركية فرض عقوبات على المنظمة النفطية بتهمة ممارسة الاحتكار في سوق الطاقة.
واستمرت ضغوط الإدارة الأميركية على السعودية طوال العام الجاري حتى فوجئت بقرار تحالف "أوبك+" نهاية الأسبوع الماضي بخفض الإنتاج النفطي مليوني برميل بداية من الشهر المقبل، وهو ما أثار قلق كبار المستهلكين للخام الأسود حول العالم، ومنهم الولايات المتحدة والصين والهند.
هنا جن جنون بايدن وإدارته التي هاجمت تحالف السعودية مع روسيا لزيادة أسعار النفط، واعتبرت قرار "أوبك+" عملاً عدائياً وخطأً فادحاً ومخيبا للآمال ويضر بالاقتصاد العالمي، خاصة أنه يأتي في وقت حساس، إذ سيجري تطبيقه قبل أسبوع فقط من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
موسكو كسبت نحو 120 مليار دولار من صادرات النفط منذ اندلاع حرب أوكرانيا، والتي تسببت في ارتفاع سعر النفط لتتجاوز 140 دولاراً
كما أن القرار يدعم المجهود الحربي الروسي في حرب أوكرانيا من وجهة نظر واشنطن، إذ يوفر لها سيولة ضخمة من قفزة أسعار النفط المتوقعة، خاصة أن الأرقام تشير إلى أن موسكو كسبت نحو 120 مليار دولار من صادراتها النفطية منذ اندلاع حرب أوكرانيا، والتي تسببت في ارتفاع أسعار النفط لتتجاوز 140 دولاراً للبرميل في مارس/آذار الماضي. كما طالب مشرعون ديمقراطيون في الكونغرس بإجراءات انتقامية ضد السعودية بعد قرار "أوبك+".
زاد من حالة احتقان بايدن تجاه الرياض زيادة أسعار البنزين في الفترة الأخيرة داخل الولايات المتحدة، عقب زيادة أسعار النفط، وتضييق أوروبا الخناق على النفط الروسي، وحدوث مشكلات في مصافي النفط في الساحل الغربي والغرب الأوسط داخل الولايات المتحدة، وهو ما أثار غضب الناخب الأميركي.
بايدن في وضع حرج بسب دخول الرياض في تحالف نفطي مع موسكو، ويواجه خيارات وبدائل صعبة بعد قرار خفض الإنتاج قبل أسابيع فقط من انتخابات التجديد النصفية الحاسمة للكونغرس.
أول تلك البدائل السحب من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، وربما التقارب مع دول معادية له تنتج النفط بغزارة، مثل فنزويلا وإيران، والضغط على شركات الطاقة لخفض أسعار البنزين والسولار وغاز التدفئة، وربما تخفيف القيود المفروضة على تصدير المنتجات البترولية.
إدارة بايدن تدرك أن التوقيت حرج للغاية، فالانتخابات على الأبواب، والتضخم يواصل ارتفاعه، وهو ما يدفع البنك الفيدرالي نحو مواصلة رفع سعر الفائدة، والاقتصاد الأميركي يتجه بسرعة نحو الركود التضخمي، والناخب يزداد غضبه مع ارتفاع أسعار الوقود ومنتجات الأغذية وغلاء المعيشة، وهو ما قد يؤثر على نتائج الانتخابات المرتقبة.
إدارة بايدن تدرك أن التوقيت حرج للغاية، فالانتخابات على الأبواب، والتضخم يواصل ارتفاعه، والاقتصاد يتجه بسرعة نحو الركود
السؤال هنا: هل يتجاوز بايدن تلك المعضلة على الأقل حتى مرور انتخابات يوم 8 نوفمبر التشريعية، أم يتحول إلى "أسد جريح" وتفلت أعصاب إدارته، وينتقل من مرحلة التهديد إلى فرض عقوبات على منظمة أوبك وكبار الأعضاء بها؟
ومن الخاسر في معركة "أوبك+" الحالية، تحالف الرياض وموسكو الذي بات يحرك أسعار النفط، أم كبار المستهلكين الذين استفزهم قرار الخفض المفاجئ للإنتاج، بسبب ارتداداته الخطيرة، وفاتورته الضخمة، سواء السياسية أو الاقتصادية؟