أثارت تصريحات رسمية بشأن التحويلات التي تلقاها مهاجرو دول جنوب الصحراء المقيمون في تونس جدلاً كبيراً بسبب ضخامة المبالغ المصرح عنها، ما يثير مخاوف بشأن استعمال المهاجرين غير النظاميين في تحويل تونس إلى ساحة للتدفقات المالية غير المشروعة بينما تعيش البلاد على وقع أزمة ملف الهجرة غير النظامية الذي تحوّل إلى مشكل إقليمي.
والجمعة الماضية، أشرف الرئيس التونسي قيس سعيد على مجلس أمن قومي حول ملف الهجرة غير النظامية تم خلالها تقديم عرض وبيانات حول حجم تحويلات المهاجرين غير النظاميين خلال النصف الأول من السنة الحالية والتي قدرت في مجملها بنحو 3 مليارات دينار أي ما يعادل مليار دولار.
وكشف مسؤول لم تعلن صفته ظهر في الفيديو الذي نشرته الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أن تحويلات المهاجرين التي تلقوها عن طريق مراكز البريد بلغت مليار دينار وهي تشكل ثلث مجمل المبالغ التي جرى تحويلها عبر البريد والمصارف التونسية.
وقال المسؤول نفسه إن المهاجرين غير النظاميين في مدينة صفاقس تلقوا تحويلات بقيمة 23 مليون دينار عبر مكتبي بريد، مشيرا إلى أن ثلث المبالغ التي تصل للمهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء تمر عبر شبكة البريد فيما تمر باقي التحويلات عن طريق الجهاز المصرفي. وأضاف "هذه المبالغ متأتية من دول أفريقية فقيرة جداً".
في المقابل، قال الرئيس التونسي إن شبكات الاتجار بالبشر والاتجار بالأعضاء وراء التحويلات المكثفة لفائدة المهاجرين الواصلين إلى تونس، مشيرا إلى أن الاتجار بالبشر والأعضاء تحول إلى سوق مزدهرة.
وفجّر حجم مجمل المبلغ الذي تم تحويله لفائدة المهاجرين غير النظاميين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء جدلاً كبيراً بسبب قيمته المرتفعة والتي تقترب من تحويلات المغتربين التونسيين البالغ عددهم 1.5 مليون تونسي في مختلف دول العالم.
وخلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري بلغت تحويلات المغتربين التونسيين 1.1 مليار دولار وفق بيانات رسمية للبنك المركزي التونسي، وهو تقريبا ذات المبلغ الذي حصل عليه المهاجرون عبر التحويلات الواصلة إليهم من دول المنشأ.
وتضع التحويلات الواصلة إلى تونس عبر شبكات الاتجار بالبشر والأعضاء البلاد مجدداً في مخاطر التصنيف مجدداً ضمن البلدان المتهمة بالتدفقات المالية غير المشروعة.
ويقول الخبير في الحوكمة ومكافحة الفساد شرف الدين اليعقوبي، إن تونس تقدمت أشواطا مهمة في تعقّب التدفقات المالية غير المشروعة بعد جهود كبيرة بذلتها السلطات وأجهزة الرقابة عام 2019.
ويؤكد اليعقوبي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن أجهزة الرقابة المالية ولجنة التحاليل المالية لم تعلن في تقاريرها السنوية السابقة عن رصد حركة أموال غير مشروعة تحوّل إلى تونس باستعمال المهاجرين غير النظاميين، مشيرا إلى أن كل العمليات المالية المشبوهة يبلّغ عنها من قبل المصارف أو مصالح البريد.
ويستبعد اليعقوبي استعمال تحويلات المهاجرين لتحويل تونس إلى ساحة للتدفقات المالية غير المشروعة، مرجحا أن تكون أغلب الأموال التي يتلقاها المهاجرون عبر مكاتب البريد أو المصارف تحوّل لفائدتهم لأغراض معيشية بحتة أو من أجل الدراسة بالنسبة للطلبة.
وأشار في سياق متصل إلى أن تحويل مبالغ كبيرة لفائدة مهاجرين لا يمكن أن يتم عبر شبكات التحويل المالي المكثف على غرار "ويسترن يونيون" أو "مونيغرام" نظرا لكلفتها العالية وهو ما يؤكد أن التحويلات تصل للمهاجرين لمساعدتهم على مجابهة مصاريف الحياة في تونس.
وخلال عام 2019 بذلت تونس مجهودات كبيرة من أجل الخروج من القائمة السوداء للدول التي تشكو من نقص في أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لمجموعة العمل المالي "فاتف".
وتعاني تونس من أزمات اقتصادية واجتماعية مركّبة فضلا عن تزايد كبير في أعداد المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء الواصلين إليها بطرق غير نظامية، ما تسبب في أزمة اندلعت شرارتها منذ فبراير/ شباط الماضي بعد أن أدان الرئيس التونسي قيس سعيّد الهجرة واعتبرها تهديدًا ديمغرافيًا لبلاده واستهدافا لهيئة الدولة.
ولا تكشف السلطات الرسمية في تونس عن عدد المهاجرين غير النظاميين على أراضيها، غير أن منظمات مدنية تقدر عددهم بأكثر من 120 ألفا من بينهم 40 ألفا يقيمون في مدينة صفاقس التي كانت مسرحا لاشتباكات بينهم وبين سكان المدينة.
ويرى الخبير المالي خالد النوري أنه من الصعب تحويل مليار دولار لفائدة المهاجرين في غضون ستة أشهر، مؤكدا أن هذا الرقم يفوق عائدات القطاع السياحي خلال ذات الفترة ويقترب من تحويلات 1.5 مليون تونسي في الخارج.
وأكد النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الجهاز المصرفي والبريد التونسي يستأثران بنحو 80 بالمائة من التبليغات التي تصل إلى لجنة التحاليل المالية حول التدفقات المالية غير المشروعة، مشيرا إلى أن اللجنة لم تصدر في كل تقاريرها السابقة معطيات حول حركة أموال مشبوهة في تونس تصل عن طريق تحويلات لفائدة المهاجرين غير النظاميين.
وأشار في سياق متصل إلى أن التدفقات المالية غير المشروعة لا يمكن أن تكون لها علاقة بالمهاجرين غير النظاميين، سيما وأن إدراج تونس ضمن القائمة السوداء لمجموعة العمال المالي سبق التوافد المكثف للمهاجرين غير النظاميين على تونس، وفق قوله.
وأفاد الخبير المالي بأن التقرير الصادر في يونيو/ حزيران الماضي عن مجموعة البنك الدولي حول الهجرة والتنمية تحدث عن الصعوبات التي يواجهها المهاجرون من دول جنوب الصحراء وضعف مكاسبهم المالية، حيث لم تتجاوز تحويلاتهم من تونس نحو دول المنشأ 27 مليون دولار عام 2021.
وذكر التقرير الصادر عن المؤسسة المالية الدولية أن التحويلات المالية تلقت دفعة جراء صعود أسعار النفط في بلدان مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي ساعد على زيادة دخول المغتربين، وأيضاً بسبب التحويلات المالية الكبيرة من الاتحاد الروسي إلى بلدان آسيا الوسطى؛ وقوة أسواق العمل في الولايات المتحدة واقتصادات بلدان المقصد المتقدمة.
وبحسب المناطق، زادت تدفقات التحويلات 6.1% في أفريقيا جنوب الصحراء. وانخفضت تدفقات التحويلات بنسبة 3.8% إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 64 مليار دولار في 2022 بعد أن سجَّلت معدل نمو قويا قدره 12.2% في 2021.