تتصاعد التحذيرات في السودان من انفجار "القنبلة المائية" بين إثيوبيا ومصر والسودان، في ظلّ مضي أديس أبابا قدماً في ملء سدّ النهضة بشكل أحادي من دون الاتفاق مع القاهرة والخرطوم.
وبدأت إثيوبيا فعلياً التمهيد للملء الثاني لسدّ النهضة، رغم التلويح المصري بالحرب والتصعيد في اللهجة السودانية، فقد شرعت أديس أبابا، قبل أيام، في فتح البوابات العليا للسدّ، تمهيداً لعملية الملء، المقرر أن تكتمل بحلول يونيو/ حزيران المقبل، ما يمثل تحدياً لدولتي المصبّ مصر والسودان.
وترفض مصر السيطرة الإثيوبية المطلقة على السدّ، من دون اتفاقيات أو قيود حول تشغيله وضمان حصتها في المياه، حيث يمثل وضعه الحالي تهديداً وجوديا للشعب المصري، فالمخاوف متصاعدة من دمار الرقعة الزراعية الضئيلة في الأساس، وانخفاض حصص المياه المخصصة للشرب، إذ تعتمد مصر بأكثر من 90% على نهر النيل كمصدر للمياه في الحياة اليومية والأنشطة المختلفة.
كما يخشى السودان من تأثر سدّ "الروصيرص"، أحد أهم مصادر الري والتوليد الكهربائي، بنقص الموارد المائية التي تصل إليه عبر إثيوبيا، إلى جانب التأثيرات المتوقعة على القطاع الزراعي الحيوي في الدولة التي تعاني من أزمات معيشية حادة بالأساس، وذلك في حال اكتمال المشروع الإثيوبي، أو غرق البلاد إذا ما تعرض السد للانهيار أو الضرب من قبل مصر.
إثيوبيا تخطط لبناء 3 سدود كبرى بخلاف سدّ النهضة، تقدر سعتها التخزينية بحوالي 200 مليار متر مكعب من المياه.
وكانت حدة اللهجة المصرية قد بدأت في التصاعد خلال الأيام الماضية، إذ قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نهاية مارس/ آذار الماضي: "لا يستطيع أيّ أحد أخذ نقطة مياه من مصر (..) وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد".
وأضاف السيسي "لا يتصور أحد أنّه بعيد عن قدرتنا (..) مياه مصر لا مساس بها والمساس بها خط أحمر، وسيكون ردّ فعلنا حال المساس بها أمراً سيؤثر في استقرار المنطقة بالكامل". في المقابل، أعلنت إثيوبيا أنّ كلّ الخيارات مفتوحة بالنسبة لها، لتبدأ قبل أيام في فتح البوابات العلوية للتمهيد للملء الثاني، في تحدٍّ للتهديدات المصرية.
وفي ظل هذه التطورات، قال رئيس وفد التفاوض السوداني السابق مع إثيوبيا دياب حسن، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "حرب المياه قادمة"، مشيراً إلى أنّ السدود التي تمضي إثيوبيا في بنائها ستتسبب في جوع المصريين والسودانيين.
وأضاف حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ أضرار سدّ النهضة على السودان ستكون أكثر مقارنة بمصر، لأنّ تخزين السودان للمياه يجرى بشكل سنوي، وليس تخزيناً لسنوات عدة مثل مصر. وتابع أنّه كان هناك حديث عن منافع للسدّ، منها مدّ السودان بالكهرباء، "لكنّ هذا الأمر أصبح على كف عفريت (غير محسوم) مع عدم التزام إثيوبيا بتوقيع اتفاق قانوني ملزم".
وتخطط إثيوبيا لبناء 3 سدود كبرى بخلاف سدّ النهضة، وهي سدود "كارداوبة" و"بيكو أبو" و"مندايا"، والتي تقدر سعتها التخزينية بحوالي 200 مليار متر مكعب من المياه.
ودعا السودان في وقت سابق إثيوبيا لعدم المضيّ قدماً في تنفيذ خطة الملء الثانية بشكل أحادي، مشيراً إلى أنّ غياب آلية واضحة لتنسيق البيانات يمكن أن يؤثر على سلامة سد الروصيرص السوداني الواقع على بعد 100 كيلومتر من السد الإثيوبي، كما يمكن أن يتسبب في نقص حاد في مياه الشرب، على غرار ما حدث العام الماضي عندما أقدمت إثيوبيا، بشكل مفاجئ، على الملء الأول لبحيرة سدّ النهضة بمقدار 4.9 مليارات متر مكعب.
وحذر أحمد المفتي، الخبير في مياه النيل والعضو السابق بالمجلس الوزاري لوضع استراتيجيات المياه في السودان، مما وصفه بـ"القنبلة المائية" بسبب شروع إثيوبيا في التخزين من دون اتفاق ملزم.
ولفت المفتي في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنّ إثيوبيا أفلحت في إقناع الرأي العام السوداني بأنّ السودان سوف يستفيد من كهرباء سدّ النهضة، بينما حقيقة الأمر تشير إلى أنّها لن تلتزم بإعطاء السودان ولو 1% من كهرباء السدّ، ولن تلتزم بأيّ "أسعار تفضيلية" للسودان.
وكشفت وزارة الري والموارد المائية السودانية مؤخراً عن تراجع مستويات المياه الواردة من إثيوبيا للسودان، بما يعادل 90 مليون متر مكعب يومياً، وذلك حسب أجهزة قياس مناسيب النيل الأزرق عند محطة الديم الحدودية.
وجددت الوزارة رفضها أي إجراءات أحادية الجانب يتخذها أي طرف، خاصة مع استمرار جهود الاتحاد الأفريقي للتوصل إلى توافق بين السودان ومصر وإثيوبيا في النقاط الخلافية العالقة، والتي يمكن الاتفاق حولها إذا توفرت الإرادة السياسية.