استمع إلى الملخص
- **رفع أسعار الكهرباء ونظام الخدمة المدنية**: أثارت قرارات رفع أسعار الكهرباء وإصدار نظامين جديدين للخدمة المدنية والموارد البشرية اعتراضات واسعة، بسبب بنود مثيرة للجدل مثل منع الإجازات دون راتب وحظر عمل الموظف الحكومي بعد ساعات الدوام الرسمي.
- **تشكيل لجنة نقابية ودعوات لإعادة النظر**: استجابة للاحتجاجات، شكل مجلس النقباء لجنة لدراسة النظامين ورفع مذكرة لرئيس الوزراء، مع تحذيرات من آثار التقاعد المبكر على سوق العمل ومنظومة الضمان الاجتماعي.
يبدو أن الحكومة الأردنية التي تشكلت في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020 برئاسة بشر الخصاونة، تواجه أشد حملة انتقادات واحتجاجات على قراراتها الأخيرة التي أدت إلى حالة من الاحتقان لدى الشارع الأردني الذي يرى فيها تعميقاً للأوضاع المعيشية المتردية، وزيادة في معدلات الفقر والبطالة.
وحسب خبراء اقتصاد، فإن الحكومة ربما أرجأت تطبيق بعض القرارات قبيل رحيلها المتوقع في أي لحظة، نتيجة لاستحقاقات دستورية تتعلق بإجراء الانتخابات البرلمانية في العاشر من سبتمبر/ أيلول المقبل، وكذلك عدم انعقاد البرلمان الحالي الذي يُعَدّ في حكم المنتهية ولايته، بانتظار قرار الملك بحلّه خلال أسبوعين على أبعد تقدير.
الكهرباء والخدمة المدنية
وبالتزامن مع تطبيق قرار رفع أسعار الكهرباء على بعض القطاعات، في إطار ما أسمته الحكومة تعرفة كهربائية مرتبطة بالذروة ستشمل لاحقاً الاشتراكات المنزلية، أُصدِر نظامان للخدمة المدنية ونظام الموارد البشرية للعاملين في الجهاز الحكومي، ما أثار اعتراضات واسعة تزداد يومياً.
واشتمل النظامان على بنود مثيرة للجدل، وتمسّ العاملين كافة في الجهاز الحكومي، من أهمها منع الإجازات دون راتب، وحظر عمل الموظف الحكومي نهائياً بعد ساعات الدوام الرسمي، وإلغاء الترفيعات التي تستحق بعد انقضاء سنوات محددة. وحذرت شخصيات سياسية واجتماعية ووزراء سابقون من التبعات الخطيرة لتطبيق النظامين على السلم والأمن المجتمعي وارتفاع الجنح والجرائم والانحدار الشديد في مستويات المعيشة وارتفاع الفقر والبطالة والتبعات السلبية على الأسر.
ومن وجهة نظر الحكومة، يهدف النظامان إلى تطوير منظومة الموارد البشرية في القطاع العام، تحقيقاً لمتطلبات التحديث الإداري. وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالحملات المطالبة الحكومة بإعادة النظر بالنظامين ومعالجة البنود التي تلحق الضرر بالموظفين وعائلاتهم والاقتصاد الأردني بشكل عام والتفكير خارج الصندوق في آليات حقيقية وفاعلة لتطوير القطاع العام بما يتفق والمسارات الإصلاحية التي يعمل الأردن على تطبيقها على أساس تحقيق نهضة شاملة.
تشكيل لجنة نقابية
مجلس النقباء الذي يمثل النقابات المهنية التي تضم حوالى مليون منتسب إليها، شكل لجنة برئاسة نقيب الممرضين خالد ربابعة لدراسة مشروع النظامين على عجل ورفع مذكرة إلى رئيس الوزراء متضمنة التعديلات المطلوبة على النصوص المثيرة للجدل والمستغربة في خطوة إجرائية من قبل النقابات قبل الذهاب إلى إجراءات أخرى. وقال الربابعة لـ"العربي الجديد" إن مجلس النقباء اتخذ قراراً بتشكيل اللجنة، وتضم عدداً من النقباء بهدف حصر ملاحظات النقابات على نظامي الخدمة المدنية والموارد البشرية ورفع المطالبات إلى رئيس الحكومة أو ما يراه مجلس النقباء مناسباً.
وأضاف أنه سيُطلَب من النقابات تزويد اللجنة بملاحظاتها بشكل عاجل على النظامين لغايات الاطلاع عليها وإعداد المذكرة إلى رئيس الوزراء. وكانت مساعدة رئيس مجلس النواب الأردني، النائب ميادة شريم، قد قالت في وقت سابق، إن نظام الموارد البشرية الذي أقرته الحكومة أخيراً جاء فردياً ولم يراعِ الحاجات الاقتصادية ولا حتى الاجتماعية لموظفي القطاع العام وحرمهم حقوق أساسية ستؤثر بما لا شك فيه بالمستوى المعيشي للأسر الأردنية.
وأضافت أن القرار الذي أُعِدّ تحت الظلام لم يستند إلى دراسات أو بيانات أو نتائج استطلاعات جعلت الحكومة تذهب لاتخاذ مثل هذه القرارات التي تطاول القطاع العام بمجمله، مؤكدة ضرورة إعادة النظر بهذا النظام بما يتناسب وحاجات المجتمع الأردني والقطاع العام ودراسة مدى تأثيره بالوضع الاقتصادي وتحقيق الأمان والرضا الوظيفي للموظف الذي يعاني بالأساس من سوء الأوضاع المعيشية وعدم قدرته على تحقيق الاكتفاء الأسري أو الذاتي.
وطالبت شريم بتشكيل لجنة مختصة لدراسة نظام الموارد البشرية ومعدل نظام الخدمة المدنية لسنة 2024 لبيان انعكاساته ومدى جدواه، مع مراعاة حفظ المكتسبات القانونية والأمن الوظيفي لجميع موظفي القطاع العام.
شبح الفقر والبطالة
وطالب المرصد العمالي الأردني الحكومة بوقف إحالة موظفيها على التقاعد المبكر "قسراً" أو تشجيعاً، مشيراً إلى الآثار السلبية لهذه السياسة على سوق العمل واستدامة منظومة الضمان الاجتماعي. وأوضح المرصد أن التوسع في التقاعد المبكر يخلق أخطاراً عميقة تهدد استقرار سوق العمل واستدامة منظومة الضمان الاجتماعي، وأن الترويج لهذا النهج حلاً مؤقتاً للتحديات الإدارية يؤدي إلى نتائج عكسية.
وقال رئيس المرصد أحمد عوض إن هذه السياسة تؤدي إلى زيادة معدلات البطالة، إذ يعود المتقاعدون مبكراً إلى سوق العمل، ما يزيد من المنافسة على الوظائف المتاحة في ظل قلة فرص العمل الجديدة، وبالتالي يرفع معدلات البطالة، حيث إن هؤلاء المتقاعدين في سنّ تمكنهم العمل.
وأضاف عوض لـ"العربي الجديد" أن البطالة في الأردن لا تزال على ارتفاع ومستويات المعيشة في تراجع، وبالتالي فإن تطبيق بعض النصوص الواردة في النظامين سيؤدي إلى ارتفاع آخر على نسبتي البطالة والفقر، وإلى تعميق المشكلات الاجتماعية وزيادة حالات التعثر المالي والملاحقات القانونية والحجز على الممتلكات وعدم قدرة الغالبية على توفير متطلبات الرعاية الصحية والمسكن الملائم والنفقات الأساسية على الطعام والملبس وغير ذلك.
مأزق التقاعد المبكر
خبير التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي، حذر من استمرار الحكومة بالعمل بالتقاعد المبكر نتيجة لسلبياته التي تنطوي على العامل بالدرجة الأولى وعلى مؤسسة الضمان الاجتماعي في الدرجة الثانية. كذلك حذر من الآثار السلبية الخطيرة لتطبيق النظامين على الموظفين والأمن المجتمعي والوضع الاقتصادي. وقال الصبيحي لـ"العربي الجديد" إن إحالة الموظفين على التقاعد المبكر في غاية الخطورة من ناحية حرمان الموظف الحق بالحصول على راتب تقاعدي بحدٍّ يمكّنه من تلبية احتياجاته الأساسية أو جزء كبير منها، ومن ناحية أخرى تترتب أعباء مالية مرتفعة على مؤسسة الضمان الاجتماعي وتهدد موجوداتها المالية من خلال ارتفاع قياسي في حالات التقاعد المبكر وزيادة فاتورة الرواتب وتراجع الإيرادات الشهرية المتحققة من الاقتطاعات.
وأكد أهمية التوقف عن إحالات التقاعد المبكر وربطه كما كان سابقاً بقرار الموظف ذاته لتجنب المخاطر التي تنطوي على ذلك. وقال الصبيحي إنه انتُهيَ من خدمات حوالى 17 ألف موظف في القطاع العام، لاستكمالهم شروط التقاعد المبكر منذ عام 2018 حتى الشهر الماضي من العام الجاري، معظمهم "دون طلبهم". المختص في علم الاجتماع حسين الخزاعي، حذر أيضاً من خطورة تطبيق نظام إدارة الموارد البشرية الجديد على المجتمع الأردني وضرورة وقف العمل به فوراً.
وقال إن النظام الجديد للعمل في الجهاز الحكومي سيلحق ضرراً اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً وأمنياً بالمجتمع الأردني، محذراً من زيادة عدد حالات الطلاق جراء تطبيق النظام. وبيّن أن ذلك يعود إلى عدم القدرة على المواءمة بين احتياجات الأسرة وسداد الديون بسبب فقدان العمل الإضافي الذي يرفع وتيرة العنف الأسري الناتج من الغضب والتوتر والعصبية جراء العجز عن مواجهة الأعباء الاقتصادية وعدم القدرة على تأمين الاحتياجات، خصوصاً أن الأسرة كانت تعتمد على عمل إضافي يوفر دخلاً مسانداً لسداد الاحتياجات، وبالتالي الوصول إلى الطلاق.
وقال الخزاعي إن المرأة الأردنية هي من سيدفع الثمن الأغلى جراء تطبيق هذا النظام، إذ إن نسبة الإناث الباحثات عن عمل إضافي في الأردن أكثر من الذكور، وخصوصاً في الفئات العمرية المنتجة الشابة (25 عاماً - 40 عاماً) التي تبلغ فيها نسبة الإناث الباحثات عن عمل إضافي ضعف نسبة الذكور. وأكد خطورة القرار غير المدروس من الناحية الاقتصادية، وأن عدد المقترضين الأردنيين من البنوك بلغ مليوناً و220 ألف شخص، بينهم ربع مليون مقترضة أنثى، وأن تركهنّ لأعمالهن الإضافية يؤدي إلى تعثر سداد أقساط البنوك، وبالتالي خلق اضطرابات أسرية تدفع ثمنها المرأة بالدرجة الأولى ثم الرجال.
وتحدث الخزاعي عن خسارة كبرى سيتأثر بها قطاع البنوك التي تقرض سنوياً 50 ألف أردني، وفي حال عدم توافر دخل إضافي للموظفين، ستنخفض نسبة المقترضين وستتأثر البنوك ويتأثر عاملوها. وقال إن 76% من الأردنيين المشتغلين، دخلهم الشهري أقلّ من 500 دينار، وكان على الحكومة أولاً زيادة رواتب الموظفين ثم البحث عن بدائل ليتمكن المواطن من تأمين احتياجاته.