تعاني نسبة كبيرة من المزارعين العراقيين أوضاعاً مأساوية انعكست على حياتهم المعيشية التي دفعت بنحو نصفهم تحت خط الفقر، وحسب مراقبين، السبب في ذلك يعود للخطط التي أعلنتها وزارة الزراعة بتقليل الساحات الزراعية في المحافظات، فضلاً عن السياسات المائية التي تتبعها دول الجوار.
وقال رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في العراق، حسن التميمي، إن أكثر من 50 بالمائة من العاملين في قطاع الزراعة العراقي يعيشون تحت مستوى خط الفقر، وأوضاعهم المعيشية سيئة للغاية.
وأضاف أن من بين أسباب زيادة نسبة الفقر انعدام الدعم الحكومي للفلاحين، فضلاً عن الخطط السيئة التي قدمتها الحكومة، وتقليل المساحات المزروعة، ما حرم كثيراً من المزارعين من استثمار أراضيهم، وجعلها معرضة للتصحر والجفاف.
وكشف التميمي، من خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن أكثر من 40 بالمائة من العاملين في قطاع الزراعة هجروا مهنة الزراعة، وبدأوا البحث عن مصادر عيش جديدة تؤمّن لهم دخلهم اليومي.
ولمعالجة مشكلة الزراعة في العراق والحد من ارتفاع نسب الفقر، يرى التميمي أنّ الحكومة عليها التعاقد فوراً مع شركات عالمية، واستقدام خبراتها الزراعية من خلال وسائل الري الحديثة، بدلاً من وسائل الري البدائية التي ما زالت وزارة الزراعة تعتمد عليها رغم أنّها تسبب هدراً كبيراً في المياه.
وأضاف رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية، أنّ هناك بساتين وحقولاً زراعية مهددة بالانقراض بسبب عمليات التجريف، فضلاً عن التصحر الكبير الذي بدأ يحاصر المناطق الزراعية، مما تسبب في هجرة الكثير من العائلات.
وأكد أنّ الحكومات التي سيطرت على مقدرات الدولة منذ سنة 2003 لم تقدم أي رؤية أو استراتيجية تنهض بالواقع الزراعي العراقي، فضلاً عن عدم وجود رغبة تفاوضية حقيقية مع دول الجوار لإطلاق المياه عبر الروافد التي تصب في نهري دجلة والفرات.
وأشار المختص في الاقتصاد الزراعي، طاهر ناظم، إلى أن من أهم أسباب الفقر الذي يعيشه الفلاح العراقي هو غياب الأمن، وعدم وجود الحماية الحكومية للأرض والبستان.
وأضاف ناظم لـ"العربي الجديد"، أن هناك عشرات البساتين جُرفت، ومساحات شاسعة من زراعة الحبوب أحرقت بشكل متعمد، مما سبب حالة إرباك وعدم ثقة لدى الفلاح العراقي بالحكومة التي عجزت عن توفير الحماية له.
وأوضح أيضاً أنّ هناك مناطق زراعية ما زالت تحت سيطرة المليشيات الموالية لإيران، والتي جرى تهجير أهلها بشكل قسري وتجريف بساتينهم والسيطرة على حقولهم الزراعية، مما أجبر المزارعين من أبناء هذه المناطق على السكن في المخيمات منذ سنوات. وقال المتحدث باسم الوزارة، حميد النايف، إن وزارته لديها خطة تعتمد على مياه الآبار، حيث حصلت الموافقة على زراعة مليونين ونصف مليون دونم من الحنطة، وهذه الخطة لن نصل بها إلى درجة الاكتفاء الذاتي، لكنها ستكون عاملاً مساعداً لزيادة إنتاج المحصول في الموسم المقبل. وأوضح النايف، في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ الوزارة قدّمت خطة زراعية تقدر بـ150 ألف دونم إلى وزارة الموارد المائية، لكنّها رفضت الخطة، بداعي أنّ المياه لا تكفي.
وأضاف أنّ المعطيات تشير إلى نقص كبير في إنتاج الحنطة، بناء على الخطة التي أقرتها وزارة الموارد المائية، التي تقدر بزراعة مليون و300 ألف دونم، وهناك محافظات استُثنيت من الخطة الزراعية بالكامل، من بينها محافظة ديالى، بسبب قطع الروافد الإيرانية. وأشار إلى أنّ هناك محافظات لم تُستثن من الزراعة، لكنّ لكل منها نسبة محدودة، وفقاً لما تمتلكه من مياه وحدود في مجال الريّ.
من جهته، قال مدير زراعة محافظة بابل، ثامر الخفاجي، في تصريح صحافي، إنّ تقليص الخطة الزراعية إلى ربع مساحة المحافظة من الأراضي الزراعية يعد إجراءً صادماً، لما له من أثر كبير على الأمن الغذائي، فضلاً عن تأثيره بشكل مباشر على المستوى الاقتصادي للمزارعين.
وأضاف أنّ الوزارة كانت رافضة زراعة أي نسبة من الأراضي الزراعية للموسم الشتوي الحالي، لكنّ مديريته أصرت على تخصيص نسبة محددة حتى يتسنى لعدد من المزارعين مواصلة العمل. ولفت إلى أنّ هناك الكثير من المزارعين يعتمدون على مياه المبازل والآبار الجوفية ما يجعل قرار تحديد خطة الموسم الحالي بـ25 % قراراً جائراً ولا ينصف المزارعين.
واستغرب اتحاد الجمعيات الفلاحية من قرار وزارة الزراعة السماح للمزارعين الذين يمتلكون الأراضي القريبة من الأنهار فقط بزراعة الموسم الشتوي، مؤكدة أن هذا القرار سيكون سبباً بالخلافات بين المزارعين، وربما يصل إلى خلافات بين المناطق.