تجاوزت إيرادات صندوق الأجيال القادمة بالكويت عائدات النفط، في السنوات الخمس الماضية، ما دفع برلمانيين إلى تقديم مقترح في 6 أغسطس/آب، بتوزيع 20% من أرباح الصندوق "بالتساوي" على المواطنين، وهو الأمر الذي وصفه مراقبون بأنه "غير واقعي" ولا جدوى منه، فيما يراه برلمانيون تحقيقاً للعدالة الاجتماعية، وحقاً للكويتيين.
ويؤكد البرلمانيون الذين قدموا المقترح في مجلس الأمة، وهم: محمد هايف وفارس العتيبي ومبارك الحجرف وخالد المؤنس ومحمد المطي، أن "هدف الكويت من إنشاء الصندوق هو تأمين مستقبل أجيال البلاد القادمة"، وبالتالي فإن توزيع أرباحه على المواطنين بالتساوي يحقق الهدف الأصلي من إنشائه، من دون أن يمس ذلك متانة الصندوق في شيء، طالما أن التوزيع سيكون من صافي الأرباح فقط.
وهذه هي المرة الثانية التي يطرح فيها هؤلاء النواب المقترح نفسه، إذ تقدموا به في يناير/كانون الثاني الماضي من دون اعتماده آنذاك.
وينص المقترح على توزيع نسبة 20% من الأرباح السنوية لاحتياطي الأجيال القادمة بالتساوي على كل مواطنة ومواطن أتم من العمر 21 عاماً، على أن يتم توزيعها بشكل سنوي عند انتهاء كل سنة مالية.
ويقول مقدمو المقترح إن هكذا توزيعات من شأنها أن تساهم في رفع مستوى المعيشة والإنفاق والادخار للكويتيين، وأن تحفزهم على المشاركة في الأنشطة الإنتاجية والابتكارية، وتخفف من الضغط على الموازنة العامة وتسهل عملية التخفيضات والإصلاحات الاقتصادية المطلوبة في ظل تراجع أسعار النفط.
الأولوية لسد العجز
غير أن الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان، يشير، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن قبول المقترح النيابي مستبعد "لأنه بلا جدوى اقتصادية ولا معنى له" حسب تعبيره، موضحا أن الميزانية الكويتية تعاني عجزاً، ولا يمكن إضافة هكذا أعباء عليها.
ويضيف رمضان أنّ سد عجز الموازنة العامة المقبلة أولوية اقتصادية في الفترة المقبلة، وليس توزيع أرباح صندوق الأجيال القادمة على المواطنين، خاصة أن الدولة لم تفرض ضرائب إضافية.
وطالما أن العبء الضريبي غير موجود فإن سد العجز من أرباح صندوق الأجيال القادمة هو الأولى، وليس هناك أي داعٍ لتوزيع تلك الأرباح، بحسب رمضان.
ويؤكد الخبير الاقتصادي الكويتي أن مفهوم توزيع الأرباح يتناسب مع الاقتصادات الكبيرة، التي تعتمد بشكل كامل على إيرادات الضرائب، وفي هذه الحالة فقط يمكن الحديث عن توزيع جزء من أرباح صندوق الأجيال القادمة على المواطنين.
ويعزز رأي رمضان إعلان لجنة الميزانيات بمجلس الأمة الكويتي، في 10 يوليو/تموز الماضي، أن مشروع الميزانية الحكومية للسنة المالية 2023-2024 يقدّر عجزاً يبلغ 6.8 مليارات دينار (22.2 مليار دولار) نتيجة انخفاض أسعار وإنتاج النفط.
معيار التقييم
أما الخبير الاقتصادي اللبناني، جاسم عجاقة، فيشير، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الكويت تدير صناديقها بقدر كبير من الموازنة بين أهدافها، فصندوق احتياطي الأجيال القادمة من أهم الصناديق التي تستثمر خارج الكويت، وهو من أكبر الصناديق السيادية بالعالم، بأصول تتخطى الـ 750 مليار دولار، أما صندوق الاحتياطي العام للدولة فتستخدمه الحكومة حال تعرضها لإشكال مالي، وهو تحت السيطرة بإدارة الهيئة العامة للاستثمار.
ويضيف عجاقة أن تقييم المقترح البرلماني بتوزيع 20% من أرباح استثمار صندوق الأجيال بالتساوي على الكويتيين الذين بلغوا سن 21 سنة يتعلق بالهدف من طرحه وما إذا كان مربوطا بخطة اقتصادية معينة، أم يأتي بدافع سياسي فقط بهدف إرضاء الناخبين.
فإذا كان الهدف من المقترح هو التنمية البشرية ورفع مستوى المجتمع الكويتي على كل الأصعدة وفق خطة اقتصادية فإن المقترح سيكون جيدا، أما إذا كان بهدف إرضاء الرأي العام فقط فسيكون غير موفق، بحسب ما يراه عجاقة، مشيرا إلى أن الفيصل في عملية التقييم هو إعلان خطة واضحة للهدف الاقتصادي من توزيع خُمس صافي أرباح صندوق الأجيال على المواطنين بالتساوي.
ويلفت عجاقة إلى معيار "قياس الاستهلاك"، في هذا الصدد، مشيرا إلى أن الاقتصاديين يمكنهم تحديد هذا القياس حال إعلان خطة توزيع الأرباح وعلاقة صرف خُمس صافي أرباح صندوق الأجيال في السوق بالمؤشرات الخاصة بالتنمية الاقتصادية والبشرية، وبالتالي تحديد الجدوى من المقترح البرلماني.
لذا يتوقع عجاقة أن يأخذ المقترح وقتا للتداول في مجلس الأمة الكويتي قبل إقراره، مشيرا إلى أن الكويت لا تتعجل تاريخيا في مثل هكذا قرارات.
توقعات متفائلة
يشار إلى أن استثمارات صندوق الأجيال القادمة الكويتي تنتشر في أكثر من 125 اقتصاداً حول العالم بين الأسواق المتقدمة والناشئة، على أساس استراتيجية معتمدة لتوزيع الأصول في فئات مختلفة، تتراوح بين أصول تقليدية، كالأسهم والسندات في شركات حكومية وخاصة، والعقارات، وصناديق المساهمات الخاصة والاستثمارات البديلة وغيرها.
وصندوق الأجيال القادمة هو أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، ويضم أصولاً خارجية كشفت وكالة "كابيتال إنتليجنس" الائتمانية الدولية بـ 803 مليارات دولار، نصفها بالولايات المتحدة الأميركية، ويهدف إلى تأمين مستقبل أجيال الكويت من خلال استثمار جزء من إيرادات النفط في أسواق وشركات عالمية متنوعة.
ويتم تحويل 10% من إيرادات الدولة إلى هذا الصندوق سنوياً، ولا يُسمح بالسحب منه إلا في حالات استثنائية.
وتصب أغلب توقعات المؤسسات الدولية في أن الصندوق سيحقق أرباحاً خلال العام الجاري تصل إلى 6.8 مليارات دينار (23 مليار دولار)، وأن يسجل 13% من إجمالي الناتج المحلي المتوقع عند 52.2 مليار دينار (170 مليار دولار).