يبدأ في العاصمة التركية أنقرة اجتماع اللجنة الاستراتيجية العليا المشتركة العاشر، بين قطر وتركيا، برئاسة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي يصل إلى تركيا، اليوم الخميس، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء القطرية (قنا)، أمس الأربعاء.
وسيبحث الجانبان العلاقات الاستراتيجية وسبل دعمها وتطويرها في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، بما يخدم الأهداف والمصالح المشتركة، فضلاً عن تبادل وجهات النظر حول تطورات المنطقة والحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، والمستجدات الإقليمية والدولية، خاصة بعد انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتكشف مصادر من أنقرة، لـ"العربي الجديد"، أنّ اتفاقات جديدة ستضاف اليوم إلى 111 اتفاقاً ومذكرة تفاهم سابقة، تشمل قطاعات اقتصادية، لا سيما الصناعة، الزراعة، الطاقة والاستثمار، إضافة إلى بحث آلية تنفيذ الاتفاقات وتطوير العلاقات في المجالات الاقتصادية والأمنية والملكية الفكرية والجامعات والشباب والثقافة.
وتضيف المصادر أنّ اجتماع اللجنة الاستراتيجية العليا سيتابع ما خلصت إليه أعمال اللجنة المشتركة القطرية التركية للتعاون الاقتصادي والتجاري، التي استضافتها إسطنبول في فبراير/ شباط الماضي، وركزت على أوجه التعاون وزيادة قيمة التجارة والاستثمار.
أهمية اللجنة الاستراتيجية العليا
وتأسست اللجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين عام 2014 بهدف دعم وتطوير علاقات التعاون في مختلف القطاعات، لتضاف إلى علاقات قائمة منذ عام 1973، حيث احتفل البلدان، في يوليو/ تموز من العام 2023، بالذكرى الـ50 لتأسيس العلاقات التي تحولت إلى علاقات استراتيجية خلال السنوات الأخيرة. وعكست الحرص المشترك على تعميق العلاقات الثنائية بما يخدم الشعبين التركي والقطري، والتنسيق المستمر بين الطرفين تجاه القضايا الساخنة في المنطقة والعالم.
وزاد حجم التبادل التجاري بعد اتفاقات اللجنة الاستراتيجية عن 1.5 مليار دولار العام الماضي، وتتزايد الطموحات لبلوغه خمسة مليارات دولار. وتأتي المنتجات البترولية والألومنيوم الخام على رأس الصادرات القطرية إلى تركيا، في حين تتركز الواردات القطرية من تركيا على محولات ومواد غذائية وغيرها.
وينشط التبادل التجاري بالتوازي مع زيادة الاستثمارات القطرية في تركيا لتزيد على 32 مليار دولار، إذ تعتبر تركيا وجهة استثمارية مفضلة لرأس المال القطري، بعد تأسيس أكثر من 200 شركة قطرية هناك، تعمل بقطاعات شتى، كالعقارات والمقاولات والسياحة والتصنيع والإعلام والتمويل والصحة، كما شهدت الفترة الأخيرة اتجاه الاستثمارات القطرية إلى مجال الموانئ والقطاع التكنولوجي.
وتمتلك قطر أسهماً في العديد من الشركات التركية، أهمها 49.8% من أسهم شركة "بي إم سي" المصنعة للمحركات والدبابات، واستثمارات في العديد من الشركات والمشاريع التركية، وعلى رأسها مشروع قناة إسطنبول المخطط تنفيذه خلال السنوات المقبلة. وذلك بعد زيادة الاستثمارات ونشاط الشركات التركية بقطر الذي تعمل بأسواقه نحو 771 شركة، فضلا عن 15 شركة تركية تعمل بالمنطقة الحرة في الدوحة.
تطور العلاقات القطرية التركية
ويرى مدير أكاديمية فكر في إسطنبول باكير أتاجان أنّ العلاقات التركية القطرية "دخلت طور الاستراتيجية" بعد تحقيق المنافع المشتركة وزيادة الاتفاقات والأعمال بقطاعات الاقتصاد والدفاع والاستثمارات، لافتاً إلى أن قطر من أولى الدول المستثمرة في تركيا بما يزيد عن 33 مليار دولار.
ويضيف أتاجان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الخط البياني للتبادل التجاري بزيادة مطردة، فبعد نمو التجارة 17% عام 2022 وأكثر من 10% عام 2023 وصل حجم التجارة لأكثر من 2.2 مليار دولار "وليس 1.5 مليار كما يقال"، معتبراً أن دور القطاع الخاص والحكومي القطري في تركيا "هو في تنام مستمر ومرشح للزيادة بعد تحسين المناخ التركي واعتبار جذب الاستثمارات الخارجية هدفاً لتطوير أداء الاقتصاد التركي وتحسين سعر صرف الليرة"، مذكّراً بدور قطر في تعزيز التبادل ودعم الاستقرار المالي بعد اتفاق إنشاء خط ثنائي الاتجاه لمبادلة العملة وحزمة من المشاريع الاقتصادية والاستثمارات والودائع في المصرف المركزي التركي.
وقال نائب الرئيس التركي جودت يلماز إنّ "العلاقات مع شقيقتنا قطر تستمد قوتها من روابطنا التاريخية وروح التضامن بين بلدينا، وقد وصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بالإرادة السياسية القوية للرئيس أردوغان والأمير تميم بن حمد آل ثاني". واعتبر يلماز، في تصريحات سابقة، أنّ اللجنة الاستراتيجية العليا "من أهم آليات تطوير هذه الشراكة، وأن ما يدعو للسرور أن الثقة المتبادلة بين بلدينا تظهر نفسها في أقوى صورة في مجال الاستثمار، وأن التعاون الاقتصادي والمالي والتجاري سيظل إحدى الركائز الأساسية لشراكتنا الاستراتيجية".
وكانت إسطنبول قد استضافت، في فبراير/ شباط الماضي، الدورة الأولى للجنة المشتركة القطرية التركية للتعاون الاقتصادي والتجاري برئاسة وزير التجارة والصناعة القطري الشيخ محمد بن حمد بن قاسم آل ثاني، ووزير التجارة التركي عمر بولاط.
وبحثت اللجنة المشتركة سبل التعاون في قطاعات التجارة والاستثمار، والصناعات التحويلية، والخدمات اللوجستية، وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات الرقمية، والخدمات المالية، والغذاء، والزراعة، والخدمات الصحية، والتعليم، واتفق الجانبان على اتخاذ الخطوات اللازمة للمضي قدما في نهج توطيد التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين، بهدف زيادة حجم التبادل التجاري بينهما، وتيسير تدفق السلع والخدمات والاستثمارات بين البلدين.
ويذكر أن التعاون بين البلدين تجاوز الأمن والاقتصاد ليشمل التعليم والشباب والثقافة، حيث تم افتتاح المركز الثقافي التركي "يونس إمره" في الدوحة عام 2015 لتعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين، وفي العام 2018 أبرمت اتفاقية بين البلدين تشمل تبادل الوثائق التاريخية والمصادر العلمية وتبادل الخبرات الثقافية، كما أبرمت اتفاقية أخرى عام 2021 بين "مكتبة قطر الوطنية" و"مكتبة الأمة" التركية في المجالات العلمية والتقنية والثقافية، كما تم افتتاح أول مدرسة تركية في قطر عام 2016، وهناك حوالي عشر جامعات تركية مدرجة على قائمة وزارة التعليم والتعليم العالي، فضلاً عن تعاون بين البلدين في مجال المنح والبعثات الدراسية.