حذرت المصارف اللبنانية من أنها ستضطر إلى العودة إلى التدابير التنظيمية السابقة في حال لم تتوقف الاقتحامات، و"ذلك تجنّباً لحصول ما لا تُحمَد عقباه"، بحسب ما أكدت في بيان لها، اليوم الثلاثاء.
وقالت جمعية المصارف، في بيانها: "مع ما تتعرّض له من اعتداءات، وخاصة ما يتعرّض له موظفوها والزبائن الموجودون داخل الفروع، لا تستطيع الاستمرار بمتابعة أعمالها وكأنّ شيئاً لم يكن".
وذكرت: "مرّة جديدة تُستهدف المصارف بموجة من الاعتداءات على فروعها وموظفيها في مرحلة هي الأخطر في تاريخ لبنان".
وأضافت: "بالأمس تم إشاعة أخبار عن نيّة المصارف إقفال فروعها، فقامت المصارف بتكذيبها ضنّاً منها بمصالح المودعين، وبهدف تأمين استمرارية خدماتها لهم، فما كان إلا أن تتابعت الاعتداءات وكأنها ممنهجة لتدفع بالمصارف إلى الإقفال. أضف إلى ذلك، فإنّ تساهل الدولة ومؤسساتها بالتعامل مع المعتدين رغم تهديدهم حياة الموظفين، يشجّع المعتدين على الاستمرار بفعلتهم وكأنّ المطلوب هو إقفال المصارف لفترة غير محددة".
وأشارت جمعية المصارف إلى أنه "ما هكذا تعالج الأزمات النظامية التي كانت الدولة من أول مسببيها، وما هكذا يستعيد المودعون أموالاً بددتها السياسات الخاطئة على مدى السنين".
وفي ختام البيان، قالت الجمعية: "يبقى التعقّل وإقرار القوانين اللازمة والكفيلة بالحفاظ على حقوق المودعين هو الطريق الوحيد إلى الحل الناجع".
وترتفع وتيرة عمليات اقتحام المصارف بالفترة الأخيرة من قبل المودعين الذين يطالبون باستعادة ودائعهم الدولارية المحتجزة في البنوك منذ أواخر عام 2019 وتخضع السحوبات فيها لتعاميم مصرف لبنان التي تقضم الجزء الأكبر من قيمتها.
وعمد المودع حافظ سرحال، اليوم الثلاثاء، إلى اقتحام بنك "الاعتماد اللبناني" في منطقة شحيم (محافظة جبل لبنان)، وبيده قنبلة يدوية هدّد بتفجيرها ما لم يتجاوب المصرف معه بتسليمه وديعته التي تبلغ حوالي 35 ألف دولار، وقد حضرت القوى الأمنية وفرضت طوقاً أمنياً حول المصرف، بينما تجري المفاوضات بين المودع وإدارة المصرف.
كذلك، بالتزامن مع هذه العملية، أعلن تحالف "متحدون" (يضم محامين متخصصين بكشف الفساد وفق تعريف لهم)، أنّ المودع يوسف رضا حاول استيفاء وديعته بالقوة من مصرف BBAC في منطقة بنت جبيل، واستلم مبلغ 7 آلاف دولار من أصل 10 آلاف دولار.
#المودعين:
— متحدون United For Lebanon (@UnitedForLeb) July 18, 2023
محاولة المودع #يوسف_رضا استيفاء وديعته بالقوة من مصرف #BBAC فرع #بنت_جبيل واستلامه مبلغ ٧ آلاف دولار من أصل ١٠ آلاف، ومودعين آخرين في #شحيم، #حافظ_سرحال، #الاعتماد_اللبناني...#مودعون_ومحامون_متحدون #لبنان #١٨٤_عقوبات #حق_الدفاع_المشروع #تحرير_الودائع #ثورة_المودعين pic.twitter.com/5rbh8dJGy4
وأمس الاثنين، تمكّن المودع اللبناني إدغار عواد من "تحرير" كامل وديعته البالغة 15 ألف دولار أميركي من بنك "الموارد" في منطقة أنطلياس (محافظة جبل لبنان)، وذلك بعد عملية اقتحام نفذها صباحاً، وفق ما أفادت "جمعية صرخة المودعين".
وقال التحالف، في بيان، إنه "لن يكون اليوم 18 يوليو/ تموز، أو الأمس، أو ما سيلي، كغيره من الأيام بالنسبة إلى المودعين الذين أذاقهم أصحاب المصارف الأمرّين لصوصية وذلاً وهواناً"، مشيراً إلى أنّ "المودعين قرروا استيفاء حقوقهم بالقوة والقانون بموجب حق الدفاع المشروع، بعدما أيقنوا بأنّ الحياة للأقوياء في نفوسهم، وها هم وقادمون كثر سيعبرون بلبنان وشعبه من ثورة المودعين إلى الانتفاضة الثانية لثورة تشرين، والمطلوب كان واحداً أساساً: قضاء نزيه ومقتدر يحكم باسم الشعب اللبناني ولصالحه، وليس باسم مافيا سلطة الفساد ولصالحها ولحمايتها".
وأشار البيان إلى أنه "لن يجدي هذه المرة تلويح المصارف بالإقفال مجدداً، فبعدما فشلت كل السبل الأخرى بما فيها اللجوء إلى القضاء في إنصافهم، ستكون بيوت أصحاب المصارف وعائلاتهم التي تتنعّم بجنى عمر المودعين وعلى حسابهم أهدافاً مشروعة ومحققة، ولا سيما إثر انطلاق عمليات تحرير الودائع، حيث بدأت السُبحة تكرّ".
وختم البيان مؤكداً أنّ "اجتماعات يعقدها المودعون ومحاموهم بشكل يومي، لمؤازرة بعضهم البعض بعدما انكفأ القضاء ودخل في غيبوبة تامة. ويبقى المطلوب إعادة الودائع إلى أصحابها كاملة وبعملة الإيداع والتعويض عن خسائر المودعين ولا سيما مودعي الليرة اللبنانية أو المواجهة القاسية ليس فقط مع المودعين أصحاب الحق بل مع كل الشعب اللبناني صاحب الشرعية ومصدر السلطات. وإن غذاً لناظره قريب".
وسبق للمصارف اللبنانية أن لجأت إلى الإقفال الشامل لفترة من الوقت وأكثر من مرّة، رداً على اقتحامات المودعين، والقرارات القضائية الصادرة بحقها لصالحهم، كما عمدت إلى فتح جزئي مع فرض قيود وتدابير مشددة لدخول المودعين وأخذهم مواعيد قبل توجههم إلى أي فرع مصرفي، الأمر الذي زاد من "إذلال" المودعين على أيدي المصارف.
وتشهد الساحة اللبنانية كلّ فترة، اعتصامات غير حاشدة، أمام المصارف وفروعها، من قبل مودعين وجمعيات تعنى بشؤونهم للمطالبة باستعادة ودائعهم المحتجزة، وتسجل فيها أعمال حرق وتكسير واجهات وتحطيم ماكينات الصرافات الآلية، بيد أنّ أياً من هذه التحركات لم تساهم حتى اللحظة في إرجاع ودائع المواطنين.
تأتي هذه التطورات كلها، على مسافة أيام من انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، أواخر شهر يوليو/ تموز الجاري، الذي رغم التحقيقات معه وجلسات الاستجواب الخارجية والمحلية منها في ملف الادعاء اللبناني اليوم، بتهم تتصل بجرائم مالية عدة، لا يزال حراً، ويمارس مهامه في الحاكمية بشكل طبيعي ولم تصدر بحقه أي مذكرة توقيف.
وتبقى الأنظار متجهة إلى من سيخلف سلامة، ويتولى منصبه الذي أمضى به 3 عقود، وإلى تداعيات المرحلة المقبلة، في ظل خشية شعبية من تفلّت سعر صرف الدولار، وتحليقه عالياً، بشكل يضرب بالكامل قدرة المواطنين الشرائية ويزيد من انهيار قيمة العملة الوطنية.