- الإصلاحات السابقة شملت رفع سن التقاعد وزيادة الاشتراكات لكنها لم تحل الأزمة، مما يدفع للمطالبة بإصلاح شمولي يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية.
- المفاوضات بين الحكومة والاتحادات العمالية تواجه تحديات، مع رفض الاتحادات تحميل العمال تكاليف الإصلاح والمطالبة بمقاربة تحافظ على القدرة الشرائية للمتقاعدين.
يخشى عمال المغرب تعديلات مرتقبة على نظام التقاعد وفق خطة حكومية ترمي إلى رفع سن التقاعد من أجل الحد من الضغوط المالية على صناديق إدارة المعاشات، الأمر الذي قد يؤثر على مستحقاتهم وقدراتهم المعيشية.
ورغم عدم كشف الحكومة بعدُ عن تفاصيل خطتها لإصلاح نظام التقاعد، إلا أن ذلك لم يحل دون تعبير اتحادات عمالية عن مخاوفها من تضرر القدرات المالية للمتقاعدين. وأعلنت الحكومة نهاية إبريل الماضي أنه جرى الاتفاق مع الاتحادات العمالية وأرباب العمل على إصلاح نظام التقاعد، مشددة على ضرورة السعي إلى التوافق حول هذا الملف من أجل الوصول إلى تصور موحد في أفق سبتمبر المقبل، بغية عرضه على البرلمان.
وسبق للمغرب أن شكّل لجنة وطنية لإصلاح التقاعد أوصت بالعمل على ضمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، وإرساء العدالة في الحفاظ على الحقوق المكتسبة وصيانة الاحتياطيات، وتعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد، والحد من تأثير الإصلاح على موازنة الدولة.
وشرعت الحكومة قبل ثمانية أعوام في إصلاح نظام التقاعد في الوظيفة العمومية، بهدف رفع سن التقاعد من 60 إلى 63 عاماً، مع زيادة اشتراكات الدولة والموظفين في الصندوق المغربي للتقاعد من 10% إلى 14%. غير أن مراقبين ومؤسسات مختصة رأوا أن ذلك لم يفض سوى إلى تأجيل الأزمة، داعين إلى إصلاح شمولي، وهو ما يدفع محمد الهاكش، العضو السابق في اللجنة الفنية لإصلاح التقاعد، إلى التأكيد في تصريح لـ"العربي الجديد" على ضرورة تفادي التركيز فقط على الجوانب ذات الصلة بتوازن الصناديق.
لكن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أكد لدى تقديمه حصيلة عامين ونصف من ولاية حكومته، أن صناديق التقاعد قد تواجه مشاكل في أفق 2028، إذا لم يعمد إلى إصلاحها. في حين يشدد الهاكش على ضرورة تجنب خلق جيش من المتقاعدين الفقراء، خاصة في ظل الصعوبات المعيشية التي قد تنجم عن التضخم أو خفض قيمة العملة، مؤكدا أن أي إصلاح لا يجب أن يؤثر سلباً على القدرة الشرائية للمتقاعدين.
ويقول الهاكش إن التضخم يفضي إلى تراجع قيمة الأجور والمعاشات، ما يؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية، مشددا على أنه يتوجب السعي إلى رفع المعاشات والأجور بما يستوعب مستوى التضخم، عبر تفعيل السلّم المتحرك للأجور. ويضيف أن السواد الأعظم من الموظفين والأجراء يواصلون بعد إحالتهم على التقاعد الوفاء بالتزامات لها علاقة بالقروض التي يكون قد حصلوا عليها مثل تلك التي تهمّ السكن أو دراسة الأبناء، ما يعني أن خفض المعاشات سيزجّهم في حالة من الهشاشة التي لا يستطيعون تحمّلها.
وتوقّع مراقبون أن تكون المفاوضات المقبلة حول إصلاح التقاعد صعبة بين الحكومة والاتحادات العمالية، في ظل حديث عن رغبة السلطات العمومية في نقل سن التقاعد من 60 عاماً إلى 63 عاماً في الوظائف الحكومية وإلى 65 عاماً في القطاعين العام والخاص، حيث تؤكد الاتحادات إلى حد الآن رفضها تحميل الأجراء (العمال) تكاليف إصلاح صناديق التقاعد.
غير أن وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، شدد في كلمة أمام الغرفة الثانية في البرلمان، الثلاثاء الماضي، على أنه لم يتم الخوض في الحوار الاجتماعي الذي سبق عيد العمال الأخير (الأول من مايو) في الجوانب المتصلة بسن التقاعد المستهدف والمعاشات، غير أنه أكد على أنه يتوجب على الدولة والمشغلين تحمّل مسؤولية الإصلاح، وليس الأجراء فقط.
وعبّرت اتحادات عمالية عن مواقفها من إصلاح التقاعد بعد التأكيد على زيادة أجور الموظفين والحد الأدنى للأجور، حيث شددت على أن ملف التقاعد يستوجب مقاربة مجتمعية تتعدى المقاربة التقنية الضيقة. وأكدت على ضرورة تحمل الدولة مسؤوليتها في تدبير الأنظمة، وعلى رأسها نظام المعاشات المدنية، والحفاظ على مكتسبات الموظفين والموظفات وكافة الأجراء.
وشددت نقابة الاتحاد المغربي للشغل على رفض ما وصفته بـ"الثالوث الملعون" المتمثل في رفع سن التقاعد إلى 65 عاماً، ورفع قيمة المساهمات وخفض قيمة المعاشات. وبدوره، ينّبه اتحاد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إلى حساسية مسألة زيادة سن التقاعد، مشددا على رفض المسّ بالمكتسبات الخاصة بالتقاعد.
لكن وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يشير إلى التوجه نحو وضع منظومة للتقاعد في شكل قطبين، قطب للقطاع العام وآخر للقطاع الخاص، وتحديد آليات الانتقال إلى المنظومة الجديدة. ويتجلى أن الحكومة أعدت تشخيصا لوضعية نظام التقاعد وسيناريوهات الإصلاح عبر مكتب للدراسات، غير أن الاتحادات العمالية شددت على ضرورة إشراكها في بلورة التشخيص ووضع تصور الإصلاح.
وتؤكد اتحادات عمالية أن مكاتب الدراسات التي تقترح على الحكومة سيناريوهات للإصلاح تراعي الجانب المحاسبي والتوازن المالي، بينما يتوجب على الحكومة الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية عبر استحضار خصوصيات كل الصناديق والمنخرطين فيها وفئات الموظفين. وتشدد على أن الإصلاح يجب أن يراعي الحفاظ على القدرة الشرائية للمتقاعدين، بعيداً عن المقاربات التي تراعي التوازن المالي، الذي يمكن تحقيقه عبر تحسين الحوكمة وتوسيع قاعدة المنخرطين في صناديق التقاعد.
وتوجد في المغرب ثلاثة صناديق أساسية لإدارة المعاشات، هي الصندوق المغربي للتقاعد، الذي يُدير معاشات الموظفين الحكوميين، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي يدير معاشات العاملين في القطاع الخاص، فضلاً عن النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، ويدير معاشات العاملين في الجهات الحكومية المحلية. وهي جميعاً تُسجل عجزاً في ميزانيتها، وقد أضحت مهددة باستنفاد احتياطياتها.
وبحسب تقرير لمرصد العمل الحكومي (مركز أبحاث مستقل)، فإن أكثرها عجزاً هو الصندوق المغربي للتقاعد، بنحو 7.8 مليارات درهم (حوالي 776.1 مليون دولار)، مع أمد استدامة يصل إلى 2028، قبل أن يستنفد الصندوق احتياطياته. أما النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، فيُسجل عجزاً بنحو 3.3 مليارات درهم، بأمد استدامة يصل إلى 2052، فيما يسجل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عجزاً بـ375 مليون درهم، بأمد استدامة يصل إلى 2038.