ساهمت التدابير التي فرضتها جائحة فيروس الجديد في تعثر استثمارات المغتربين في المغرب، حيث اكتفوا بتحويل أموال إلى أسرهم، ما دعم الاستهلاك ورصيد المملكة من العملة الصعبة.
وتحدت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج الأزمة الصحية، حيث وصلت في الـ11 شهراً الأولى من العام الماضي إلى 6.9 مليارات دولار، بزيادة بلغت نسبتها 3.9% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019، وفق بيانات رسمية صادرة عن مكتب الصرف الحكومي، اطلعت عليها "العربي الجديد".
وجاءت تلك التحويلات مخالفة لكل توقعات المؤسسات المغربية والدولية، فقد كانت الحكومة ترجح خلال قانون المالية التعديلي (تعديل الموازنة) في يوليو/ تموز الماضي تراجعها بنسبة 20%.
غير أن مواصلة المغتربين تحويل الأموال في ظل الأزمة وارتفاعها في العام الماضي فاجأ المراقبين والمسؤولين بالدولة، الذين اضطروا لإعادة النظر في تقديراتهم والمراهنة على تلك التحويلات، حيث عاد بنك المغرب ليتوقع أن تقفز إلى 7.8 مليارات دولار خلال العام الجاري، ثم إلى 7.9 مليارات دولار في العام المقبل، 2022.
ويراهن محافظ البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري على خفض أسعار تحويل أموال المغتربين، حيث طالب المصارف ببحث الأمر مع الوسطاء الدوليين. وتتنافس المصارف المغربية الـ24 على جذب أموال المغتربين، التي تمثل حوالي 20% من الودائع لديها، ما يدفعها إلى فتح فروع لها في البلدان التي تشهد حضوراً قوياً للمغاربة.
ويقول إنييغو موري، رئيس منظمة "ريميساس"، التي تعنى بتتبع تحويلات المغتربين عبر العالم، لـ"العربي الجديد"، إن المغتربين المغاربة واصلوا تحويل الأموال تعبيراً عن التضامن مع أسرهم التي تعول عليهم كثيراً خلال تداعيات الجائحة، مشيرا إلى أن أكثر من 60% من المغتربين يوجهون حوالي خمس إيراداتهم لأسرهم، التي تستطيع بواسطتها تأمين احتياجاتها.
ويرى موري أن هذه التحويلات تساهم في دعم الاستهلاك الداخلي، الذي يعتبر حاسما في النمو الاقتصادي، مضيفا أنه في المقابل فإن قيود السفر تسببت في عدم قضاء المغتربين اجازة الصيف في المملكة التي تستقبل نحو ثلاثة ملايين مغترب خلالها، وهو ما يساهم عادة في إنعاش قطاع العقارات، خاصة أنهم اعتادوا على شراء مساكن، حيث يستحوذ هذا القطاع على اهتمامهم أكثر من القطاعات الأخرى.
ونفذت المملكة إجراءات وفرضت قيودا صارمة منذ مارس/ آذار الماضي، ضمن محاولات حكومية لمنع تفشي كورونا محليا، شملت تعليق الطيران والتنقل وإغلاق المرافق الحيوية عدة أشهر.
وأفاد بحث صادر عن المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، بأن الاستثمار في العقارات يستحوذ على اهتمام المغتربين بنسبة 40.7%، يليه قطاع الزراعة بنسبة 19%، البناء 16.6%، الخدمات 6%، التجارة 5.5%، والمطاعم 4.5%.
وتفضي حالة عدم اليقين المرتبطة بتوفير اللقاحات بشكل كاف، لا سيما في الدول الأوروبية التي يقيم فيها أغلب المغتربين المغاربة، إلى تريث العديد من هؤلاء في توظيف جزء من مدخراتهم في مشاريع استثمارية بالمغرب.
ويرى الاقتصادي جواد الكردودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المؤشرات تظهر أن العام الماضي لم يشهد إقبالا على العقارات التي اعتاد المغتربون شراءها في الأعوام الماضية.
وتتوقع المندوبية السامية للتخطيط أن ينمو قطاع البناء والأشغال العمومية بنسبة 5.1% خلال العام الجاري، بعد انكماش العام الماضي.
ويقول الكردودي إن العقارات كانت في السابق أهم استثمار للمغتربين، رغم أنهم كانوا يواجهون العديد من المشاكل، تتعلق بتأخر تسليم الوحدات السكنية من قبل المطورين العقارييين أو وجود مشاكل في الجودة خلافا لما اتفق عليه.
ويضيف أن استثمار مدخرات المغتربين في قطاعات استثمارية ظلت لعقود محل إشكال، فهي تقتصر على بعض المشاريع الصغيرة، مثل المقاهي والمطاعم والفنادق، بينما يتوجب مساعدتهم على تطوير أفكار استثمارية، لا سيما من قبل المصارف.
وشدد محافظ البنك المركزي، في آخر تصريح له حول هذا الموضوع، على ضرورة لجوء المصارف إلى عقد لقاءات مع المغتربين من أجل التعرف أكثر إلى مطالبهم بعد مساهمتهم في دعم رصيد المملكة من النقد الأجنبي في ظل أزمة كورونا.
ويبدو أن الأسر المغربية تتريث في إنفاق مدخراتها تحسباً لما قد يأتي، فقد أظهرت البيانات المصرفية ارتفاع قيمة المدخرات بنحو 4.6 مليارات دولار خلال الـ11 شهراً الأولى من العام الماضي، لتصل إلى حوالي 64 مليار دولار.
ويراهن المغرب عبر خطة وضعها إلى جذب 500 ألف من المستثمرين المغتربين في أفق 2030. واتفقت الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج مع وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة على تبسيط شروط الحصول على التمويل الذي يتيحه صندوق إنعاش استثمارات المغتربين في مجالات الصناعة والفندقة والتربية والصحة.
وكان المغرب قد وضع صندوقا لدعم الاستثمار الخاص بالمغاربة المقيمين بالخارج، الذي يتولى المساهمة في تمويل إنشاء أو توسيع مشاريع في الصناعة والتعليم والفندقة والصحة بنحو 100 ألف دولار على الأقل، على أن يساهم المستثمر بـ25% من أمواله الذاتية في المشروع، بينما يوفر الصندوق 10%، بينما يجري تمويل النسبة المتبقية عبر قروض مصرفية.