أسفرت المعارك عن وجهها القبيح في ست من كبريات المدن العراقية تمكنت القوات الحكومية من تحريرها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، إذ توقفت معظم المتاجر والمصانع والورش ومفاصل عديدة بالقطاع الخاص نتيجة الدمار الذي أصاب تلك المدن، مما دفع معظم سكانها إلى هجرتها.
وتجاوز التدمير في بعض المدن أكثر من 80%، حسب شهادات الأهالي والمراقبين، وفي المقابل تعثرت الحكومة في إطلاق حملات إعادة الإعمار أو توزيع منح على السكان الذين نزلوا من الصحراء حيث مخيمات النزوح، مما فاقم أوضاعهم المعيشية.
وتعتبر مدن الفلوجة والرمادي وهيت والرطبة (غرب) وتكريت والشرقاط (شمال)، التي استعادتها القوات العراقية بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن خلال الأشهر الستة عشرة الماضية، نموذجا واضحا في حالة مدن ما بعد طرد داعش، وفقا لتعبير المستشار بمركز العين للاستشارات في بغداد، فلاح النقيب.
النقيب كشف لـ"العربي الجديد" عن أن مسحاً أعده المركز بتمويل من منظمة تابعة للأمم المتحدة يظهر أن نسبة الفقر في مناطق ما بعد داعش تبلغ 65% وفي الأرياف والقرى أكثر من هذه النسبة بكثير.
وأوضح أن المنازل مدمّرة والمعامل والمصالح معطلة ولا دخل كافياً للمواطن، وغالبية من عادوا إلى مدنهم بعد تحريرها لا يجدون قوت يومهم.
وعلى الرغم من مرور أكثر من عام ونصف العام على بدء تحرير المدن، حيث بدأ التدخل الغربي العسكري بالعراق لدعم القوات الحكومية، إلا أن الحكومة لم تنفق أي مبالغ مالية على إعادة تعمير تلك المدن المحررة في الوقت الذي ما زالت فيه مصرّة على تخصيص مبلغ مليارات الدينار في كل مناسبة دينية جنوب العراق.
ما يعتبره السكان في المدن المنكوبة طائفية ممنهجة من الحكومة، ويقدّر عدد من عاد إلى المدن المحررة نحو مليوني مدني فقط، بينما ما زال ضعف من هذا العدد خارجها، ويرفضون العودة بسبب سوء الأحوال المعيشية فيها، وانعدام فرص العمل وانتشار الأمراض.
ويقول خبراء إن توقف الأعمال في المدن والمناطق المحررة سبب إرباكاً للسوق المحلية نتيجة تراجع القدرة الشرائية، وتكدّس السلع بسبب قلة الموارد المالية للمواطنين وخاصة بالنسبة لمن لا يملكون وظائف حكومية أو رواتب تقاعدية.
وقال الخبير الاقتصادي، سامر العبيدي، لـ "العربي الجديد"، إن "الأعمال متوقفة في المدن المحررة بنسبة تصل إلى أكثر من 80 % فالمصانع والمنشآت والورش الصناعية والمجمعات التجارية مدمرة والمشاريع متوقفة، وبالتالي فقد عشرات الآلاف مصادر رزقهم وفقدوا قدرتهم الشرائية".
وأضاف العبيدي أن" تراجع القدرة الشرائية يعني حصول إرباك في السوق المحلية فالبضائع تكدس ولا تجد من يشتريها، إلا القليل من الناس".
وأوضح أن التجار أنفسهم لم يعد في مقدورهم شراء بضائع بمبالغ كبيرة كالسابق، بعد أن فقد معظمهم معظم ممتلكاتهم ورؤوس أموالهم بسبب الحرب وتبعاتها.
تجار وبائعون في الأسواق شكوا من تراجع حركة السوق في المدن المحررة بشكل واضح، بسبب توقف الأعمال وتفشي الفقر والبطالة.
تاجر مواد إنشائية من الرمادي، مازن المعموري، يقول لـ"العربي الجديد": "أصبحنا نخشى توريد بضائع بكميات كبيرة إلى المدينة لأن الناس لا تملك القدرات المالية اللازمة لشراء ما تحتاجه لإعادة تعمير منازلها المدمرة في ظل عدم وجود تعويضات حكومية لهم، مما أدى إلى توقف معظم الأعمال في المدينة وتفشي البطالة.
وأوضح المعموري أن مبيعات مواد البناء تراجعت عمّا كانت عليه قبل عام 2014 بأكثر من 90%، ورغم حاجة الناس لها لا يقبلون عليها لقلة الموارد المالية، ومصادر كسب المال بسبب الدمار الذي أحدثته الحرب.
ذات الحال ينطبق على أصحاب المهن الصناعية الذين فقدوا أعمالهم بسبب الدمار الذي لحق بمحالهم ومخازنهم وورشهم الصناعية والتي كان يعمل فيها آلاف الشباب، وتعتمد عليها في معيشتها عشرات الآلاف من الأسر.
وتعرضت الأحياء الصناعية التي تضم مصانع ومنشآت ومحال وورشاً صناعية مختلفة في المدن المحررة إلى دمار واسع والتي كانت تشغل حوالى 70 % من اليد العاملة في تلك المدن، وفقاً للخبراء. وبلغت نسبة البطالة في العراق 35%، ونسبة الفقر 31%، وحسب تقارير برلمانية.
ويقول فاضل حسن من أهالي الفلوجة: "عدنا إلى المدينة بعد رحلة نزوح مريرة وطويلة لكننا وجدنا أنفسنا في مدينة توقفت فيها معظم الأعمال فالحي الصناعي مدمر بالكامل، ولا توجد حركة عمرانية واسعة لعدم وجود تعويضات مالية".
وتابع حسن: "أصبح كثير من الشباب يهجرون مدنهم المحررة إلى مدن أخرى أو لخارج البلاد، بحثاً عن العمل بسبب عدم قدرتهم على العيش في مدنهم لانعدام فرص العمل الضرورية لكسب الرزق والعيش".