انتقد مفوض شؤون المناخ في الاتحاد الأوروبي بشدة اليوم السبت محاولة منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) عرقلة اتفاق بشأن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب28)، واصفا المحاولة بأنها "غير مفيدة" و"ليست صالحة".
ويناقش ما يقرب من 200 دولة مجتمعة في دبي لحضور قمة المناخ ما إذا كان سيتم الاتفاق للمرة الأولى على إنهاء استخدام العالم للوقود الأحفوري، وهو السبب الرئيسي لتغير المناخ.
وفي تدخل غير معتاد حث الأمين العام لمنظمة أوبك هيثم الغيص دول مجموعة أوبك+ قبل أيام، في رسالة اطلعت عليها رويترز، على رفض أي اتفاق يتعلق بالوقود الأحفوري خلال المؤتمر.
وعن الرسالة قال فوبكه هوكسترا مفوض الاتحاد الأوروبي المعني بالمناخ: "بالنسبة للكثيرين، ومنهم أنا، اعتبر ذلك أمرا ليس صالحا وغير مفيد ولا ينسجم مع موقف العالم في ما يتعلق بالوضع المأساوي للغاية لمناخنا".
وتابع هوكسترا لرويترز في مقابلة: "نحن هنا لا نولي اهتماما لمصالحنا الوطنية أو المالية المحددة بشكل ضيق، نحن هنا للقيام بما هو صحيح لمستقبل العالم".
وقالت وزيرة التحول البيئي الإسبانية تيريزا ريبيرا التي تتولى بلادها الرئاسة نصف السنوية لمجلس الاتحاد الأوروبي السبت للصحافيين: "أعتقد أنه أمر مثير للاشمئزاز أن تعارض دول أوبك وضع المعايير حيث ينبغي أن تكون" في ما يتعلق بالمناخ.
وعبرت وزيرة انتقال الطاقة الفرنسية أنييس بانييه روناشيه عن "الاستغراب" و"الغضب" حيال ذلك.
حملة ضد الوقود الأحفوري
وتطالب 80 دولة على الأقل، منها الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الفقيرة والمعرضة لآثار تغير المناخ، بأن يدعو اتفاق كوب28 بوضوح إلى إنهاء استخدام الوقود الأحفوري في نهاية المطاف.
وقال هوكسترا: "يجب أن تكون هذه بداية لنهاية (الوقود) الأحفوري، وعلينا جميعا أن نقر بذلك سواء أنتجنا النفط أو استهلكناه أم لا". وأضاف أنها ستكون "فضيحة" إذا لم يتوصل مؤتمر كوب28 إلى اتفاق من شأنه أن يمنح العالم فرصة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى مستوى 1.5 درجة مئوية، وهو الحد الذي يقول العلماء إنه سيجنب العالم آثارا كارثية.
ويقول مراقبون ومفاوضون في كوب28 إن الدول الأعضاء في أوبك وأوبك+، ومنها السعودية وروسيا، من أقوى المعارضين لاتفاق التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري خلال المؤتمر.
وقال ألدن ماير، المشارك في المؤتمر مع مركز الأبحاث إي3جي، إن هذه هي المرة الأولى التي تتدخل فيها أمانة أوبك في محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ بإرسال مثل هذه الرسالة "وهذا يشير إلى بعض الذعر".
وقال ممثل الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) السبت إنه لا يوجد "حل وحيد" لتحول الطاقة مع تزايد الضغوط للتوصل إلى اتفاق يلحظ الاستغناء التدريجي عن الوقود الأحفوري في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ.
وتابع عايض القحطاني مسؤول الأبحاث في منظمة أوبك متحدثًا باسم الأمين العام هيثم الغيص خلال مؤتمر كوب28: "لا يوجد حل أو مسار وحيد لتحقيق مستقبل الطاقة المستدامة".
وأضاف: "نحتاج إلى أساليب واقعية لمعالجة الانبعاثات، تلك التي تمّكن من تحقيق نمو اقتصادي وتساعد في القضاء على الفقر وزيادة القدرة على الصمود في الوقت نفسه".
معارضة وانتقادات
تقاوم بعض الدول التعهد المقترح بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في اتفاق قمة كوب28 مما يهدد مساعي محادثات الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ لإعلان التزام صارم لأول مرة منذ 30 عاما بشأن إنهاء استخدام النفط والغاز.
وقال مراقبون في المفاوضات إن السعودية وروسيا كانتا من بين الدول التي تصر على أن تركز القمة المنعقدة في دبي فقط على الحد من تلوث المناخ، دون ذكر المسبب له وهو الوقود الأحفوري. والسعودية هي أكبر منتج في أوبك والقائد الفعلي للمنظمة. وروسيا عضو في تحالف أوبك+.
ومن خلال الإصرار على التركيز على الانبعاثات بدلا من الوقود الأحفوري، يبدو أن البلدين يعتمدان على آفاق تكنولوجيا احتجاز الكربون المكلفة، والتي تقول لجنة علوم المناخ التابعة للأمم المتحدة إنها لا يمكن أن تكون بديلا عن الحد من استخدام الوقود الأحفوري على مستوى العالم.
ولم تؤيد دول أخرى مثل الهند والصين صراحة التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في المؤتمر، لكنها دعمت دعوة تلقى تأييدا واسعا لتعزيز الطاقة المتجددة.
وقالت رئيسة أيرلندا السابقة ماري روبنسون التي ترأس مجموعة تعرف باسم الحكماء وتضم زعماء عالم سابقين إن الرسالة أظهرت أن أوبك "قلقة" بشأن مسار محادثات كوب28. وأشارت روبنسون إلى أن "روسيا والسعودية تقفان على الجانب الخطأ من هذا، ومن المحتمل أن تضغطا بقوة. علينا حقا أن نتأكد من أن نقطة التحول تسير نحو الاتجاه الصحيح".
وقال ممثل لروسيا في كلمة إن موسكو تدرس ما إذا كان جزء من احتياطيات الذهب البالغة نحو 300 مليار دولار التي جمدها الغرب بعد غزو أوكرانيا يمكن استخدامه في صندوق للأضرار المناخية للدول النامية.
في غضون ذلك، اشتكت الصين مما قالت إنه حديث غير مقبول عن مشاركة تايوان في المحادثات. وندد ممثل فلسطيني بالحرب الإسرائيلية على غزة قائلا إن الصراع جعل من الصعب التركيز على جهود تغير المناخ.
دول معرضة للخطر
وقالت دول معرضة لمخاطر تغير المناخ إن رفض الإشارة إلى الوقود الأحفوري في القمة سيهدد العالم بأسره.
وشرحت تينا ستيج مبعوثة جزر مارشال في بيان: "لا شيء يشكل خطرا على رخاء ومستقبل جميع الناس على وجه الأرض، بما في ذلك كل مواطني دول أوبك، أكثر من الوقود الأحفوري". وتتعرض جزر مارشال لخطر الغرق بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة تغير المناخ.
وتتضمن النسخة الأحدث للنص الذي يجري التفاوض حوله، وصدرت أمس الجمعة، مجموعة من الخيارات بداية من الاتفاق على "التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وفقا لأفضل السبل العلمية المتاحة" إلى التخلص التدريجي من "عمليات حرق الوقود الأحفوري التي لا يتم فيها التقاط الكربون واحتجازه" أو عدم ذكر الوقود الأحفوري على الإطلاق.
وقالت مبعوثة المناخ الألمانية جنيفر مورجان إن البلدان "تدخل المرحلة الحرجة من المفاوضات".
وردا على سؤال حول خطاب أوبك، تجنب ماجد السويدي المدير العام لكوب28 مصطلح "الوقود الأحفوري" لكنه قال إن الإمارات التي ترأس القمة ترغب في التوصل لاتفاق لوضع العالم على المسار الصحيح نحو الوصول إلى هدف 1.5 درجة مئوية.
وقال في مؤتمر صحافي: "رئيس كوب واضح للغاية منذ اليوم الأول في أنه يريد تحقيق نتيجة تضعنا بوضوح على المسار الصحيح للوصول إلى 1.5 درجة... من الواضح أننا نريد أن نرى نتيجة واعدة قدر الإمكان ونعتقد أننا سنحققها".
وفي حديثه نيابة عن تحالف الدول الجزرية الصغيرة، عبر سيدريك شوستر وزير البيئة في ساموا عن قلقه من تعثر محادثات هذا العام بسبب الخلافات.
وأضاف أن "هدف مصادر الطاقة المتجددة لا يمكن أن يكون بديلا عن التزام أقوى بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وإنهاء دعم الوقود الأحفوري. كوب28 بحاجة إلى تحقيقهما كليهما".
ويبدو أن أذربيجان تستعد لاستضافة قمة كوب29 العام المقبل بعد حصولها على دعم من دول أوروبا الشرقية.
استغنوا عن النفط
وأمام جناح أوبك في مقر انعقاد مؤتمر المناخ، احتج نحو سبعة نشطاء رافعين أيديهم التي كتبوا عليها عبارات مثل "استغنوا عن النفط"، وفق لقطات شاركتها المنظمة غير الحكومية 350.org.
وعلقت هيلينا سبيريتوس من الصندوق العالمي للطبيعة قائلة: "يظهر رد فعل أوبك أنهم خائفون من الدعوات المتزايدة للتخلي عن الوقود الأحفوري والتحول في مجال الطاقة... هناك اليوم احتمال حقيقي أن يرسل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ إشارة لبداية نهاية عصر الوقود الأحفوري".
وقال مفاوض من إحدى الدول المؤيدة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري إن المجموعة العربية في الأمم المتحدة هي الوحيدة التي لديها مثل هذه المعارضة الكاملة.
وأشاد ممثل قطر بالغاز الطبيعي الذي تعد بلاده منتجًا رئيسيًا له. إذ أكد وزير البيئة القطري فالح ناصر آل ثاني أن قطر تزود الأسواق العالمية "بالطاقة النظيفة" بفضل إنتاج الغاز الطبيعي.
وعبر آخرون عن نفاد صبرهم. وقال وزير ساموا سيدريك شوستر الذي يرأس تحالف الدول الجزرية الصغيرة: "نحن قلقون جدًا بشأن وتيرة المفاوضات، نظراً للوقت المحدود المتبقي لنا هنا في دبي".
ودعا وزير المناخ الهندي بوبندر ياداف من على المنصة السبت الدول المتقدمة إلى "أن تكون قدوة".
وفي الكواليس، يتفاوض الوزراء من أجل إيجاد صيغة قادرة على الجمع بين إشارة قوية لصالح التخلص من الوقود الأحفوري، والاعتراف بأن البلدان النامية لا ينبغي لها أن تضحي بتنميتها الاقتصادية.
وعبر وزير البيئة الكندي ستيفن غيلبو الذي يضطلع بدور رئيسي في مفاوضات مؤتمر الأطراف عن تفاؤله بقوله لدى سؤاله عن إمكانية أن يرد ذكر الوقود الأحفوري في الاتفاق الذي يتوقع أن يتم تبنيه الثلاثاء: "أنا واثق تمامًا، نعم".
وأضاف: "المناقشات ستستمر بضعة أيام أخرى. تتحدث مجموعات مختلفة بعضها مع البعضً الآخر وتتناقش وتحاول فهم ما يمكن أن نتفق عليه، لكن المحادثات ما زالت في مراحلها المبكرة".
(رويترز، فرانس برس)