اقترحت إدارة الرئيس جوزيف بايدن تأسيس نظام عالمي جديد، لحل إشكالات الضرائب التي تُجبى من الشركات متعددة الجنسيات، وتخلق العديد من النزاعات بينها وبين حكومات دول العالم. وأرسلت الإدارة الأميركية وثيقة النظام الجديد إلى منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في باريس، وإلى 135 دولة من دول العالم. واقترحت الوثيقة، التي كشفت عنها صحيفة "فاينانشيال تايمز"، الخميس، نظام ضرائب عالمياً يفرض ضريبة موحدة على الشركات متعددة الجنسيات، حسب الأرباح المتحققة في كل دولة تبيع فيها خدماتها، وبحد أدنى لا يقل عن 21% من الأرباح، وذلك بغض النظر عن مكان إقامة الشركة أو مقرها الرئيسي.
وتسعى إدارة بايدن، عبر هذا المقترح، إلى ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، وهي أولاً: حل النزاعات التجارية التي تنشأ بين الدول حول ضرائب الشركات متعددة الجنسيات، خاصة نزاعات الضرائب على شركات التقنية والإنترنت، مع أهم حليف لها، أي دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وبالتالي تتمكن من تكوين تحالف "حكومات الاقتصادات الرأسمالية"، لاحتواء التمدد التجاري الصيني. وثانياً: التمكن من زيادة الدخل الضريبي للخزانة الأميركية لتمويل مشاريع تحديث البنى التحتية الذي رصدت له 2.3 تريليون دولار. وتأمل الولايات المتحدة من خلال جمع 2.5 تريليون دولار زيادة الضرائب على الشركات خلال الـ15 عاماً المقبلة. وثالثاً: سد الثغرات التي تنفذ منها الشركات متعددة الجنسيات من النظم الضريبية في أميركا والدول الرأسمالية.
وتقدّر دراسة صادرة عن "معهد دراسات السياسة والأبحاث" البريطاني، أن الشركات الكبرى متعددة الجنسيات تحوّل سنوياً نحو 1.3 تريليون دولار من أرباحها من الدول إلى "الملاذات الآمنة من الضرائب"، في جزر الأفشور والدول منخفضة الضرائب.
وتقدّر خسارة الدول من التهرب الضريبي عبر هذه التحويلات بنحو 330 مليار دولار سنوياً. ولاحظت صحيفة "صنداي تايمز" في تقريرها الأخير عن الأثرياء في بريطانيا، أن العديد من كبار الأثرياء لا توجد أسماؤهم بين كبار دافعي الضرائب.
ومن المتوقع أن تفتح منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، خلال الشهور المقبلة، النقاش حول المقترح الأميركي الذي ينظر له خبراء في الضرائب على أنه سيمنح مخرجاً من نزاعات الضرائب على الشركات، ويسد ثغرات تحويل الشركات لحسابات مبيعاتها وأرباحها خارج الاقتصادات الكبرى وحرمانها من التمويل الاستثماري في التنمية والتحديث.
في هذا الشأن، وصف رئيس وحدة الضرائب في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، باسكال سينت آمانز، المقترح الأميركي بـ"أنه مقترح إيجابي وجاد ويملك فرصة النجاح على الصعيدين العالمي والمحلي في الولايات المتحدة، حيث تخضع التشريعات لتصويت الكونغرس". وأضاف آمانز، في تعليقات مساء الأربعاء، بعد تسلم الوثيقة الأميركية، لـ"فاينانشيال تايمز"، "أعتقد أنه سيحرك مياه المفاوضات الراكدة حول الضرائب التي توقفت خلال السنوات الماضية".
وكانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قد عرقلت مسار المفاوضات حول تأسيس نظام عالمي لضرائب الشركات داخل المنظمة الدولية، بحجة أن النظام يمارس تمييزاً ضد شركات التقنية الأميركية التي تملك حصة الأسد من شركات الإنترنت وخدمات التقنية في العالم. وطالبت إدارة ترامب بنظام يمنح شركات خدمات التقنية الأميركية حرية الاختيار بين الدول في دفع الضرائب. ولكن مقترح بايدن ألغى هذا الشرط، وهو ما سيفتح المجال أمام الموافقة عليه من قبل الدول الأوروبية.
وتستخدم شركات التقنية والإنترنت الكبرى في أوروبا عدة حيل لتفادي دفع الضرائب، وفق محللين ماليين ومختصين بالضرائب. أولى هذه الحيل هي اختيارها لفتح مكاتب وشركات فرعية تتيح لها إخفاء أرباحها ومبيعاتها بعيداً عن عيون الضرائب. وعادة ما تختار الدول أو مناطق الأفشور التي لا تفرض ضرائب، أو تفرض فقط رسوماً طفيفة، أو تختار دول "الضرائب المنخفضة" في أوروبا مثل هولندا وجمهورية أيرلندا وسويسرا ولكسمبورغ.
ويقول خبراء في الضرائب في لندن، إن هذه الشركات تستخدم حيلة يطلق عليها اسم "الساندوتش الهولندي" في تحويل مبيعاتها وأرباحها، حيث تمرر المداخيل من دون أن تمر على الضرائب الأوروبية. فالشركات متعددة الجنسيات تتسلم دخل مبيعاتها في أوروبا والشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا، عبر حساباتها في أيرلندا. وبما أن النظام الضريبي في تلك الدولة يفرض 12.5% ضريبة على أرباح الشركات، فإنها تعمل على تفادي ذلك من خلال فتح "مكتب ثانوي" لها في هولندا لتحويل دخلها مباشرة إلى "شركات واجهة" لها بمناطق الأفشور مثل جزيرة برمودا أو بنما أو كيمان آيلندز، وهي جزر لا تلزم الشركات بدفع ضرائب.
ويسمح نظام الضرائب في دول الاتحاد الأوروبي بتحويل الأموال بين فروع الشركات في المجموعة الأوروبية ولا يخضع للرقابة من سلطات الضرائب. وبالتالي تمرر الأموال مباشرة من أيرلندا إلى هولندا، ومن هولندا يتم تحويلها تلقائياً إلى حسابات الشركات في مناطق الأفشور.
يُذكر أن أوراق بنما كشفت عن حجم الأموال الضخمة التي تحول من الدول دون خضوعها للضرائب في كل من أوروبا وأميركا ودول الخليج، كما كشفت عن الكيفيات التي يستخدمها الأثرياء والشركات في إخفاء أموالهم من السلطات في دولهم. وذلك إضافة إلى عمليات غسل الأموال القذرة التي تنفذ عبر مناطق الأفشور.