بدائل خطرة لاقتناء سيارة في الجزائر بسبب وقف الاستيراد

24 أكتوبر 2024
السوق المحلي يحتاج 400 ألف سيارة (فرانس برس)
+ الخط -

 

مع استمرار حالة "الغلق" جراء عدم إعلان الحكومة الجزائرية عن حصص استيراد السيارات الجديدة، وتفاقم أسعار السيارات المستعملة بشكل غير مبرر في المعاملات المحلية، لا يجد الجزائريون سبيلاً للحصول على سيارة إلا عبر بدائل يتم جلبها من وراء الحدود بطرق مختلفة تحوم حولها جملة أخطار، أقلّها التعرض للاحتيال وضياع الأموال.

يلجأ المواطنون إلى استيراد السيارات المستعملة، هروباً من حالة الندرة التي تعاني منها السوق المحلية، مستعينين أحياناً باستئناف استيراد السيارات لأقل من ثلاث سنوات، وأحياناً بشراء السيارات المستعملة من البلدان المجاورة، وإدخالها إلى الجزائر بطرق لا تخلو من الخطورة.
 

المخاطرة لجلب سيارة

في ظل غلاء أسعار السيارات في الجزائر، أضحى جلب المواطنين السيارات من ليبيا ظاهرة متزايدة في الفترة الأخيرة، للاستفادة من فارق السعر والوفرة والتنوع، على الرغم من الوضع الأمني المضطرب الذي تعاني منه الجارة الشرقية منذ سقوط نظام معمر القذافي.
يغامر العديد من الجزائريين، تبعاً لذلك، لجلب سيارات مستعملة وتمريرها عبر الحدود بأساليب تقترب من ممارسات التهريب، وإن كانت إجراءات شراء هذا النوع من السيارات في ليبيا تتم بشكل قانوني، وهي طريقة لا تخلو من مخاطر كونها غير قانونية 100%، ويبتدع آخرون أساليب مغايرة لتجديد سيارة قديمة فيما يعرف عند هؤلاء بـ"تلبيس" المركبة.

محمد هو شاب التقت به "العربي الجديد" وكشف عن بعض التفاصيل الخاصة بهذا النوع من العمليات، قال إنّ ذلك يتم بشراء سيارة مستعملة في الجزائر بطريقة قانونية وبجميع الوثائق الإدارية، بسعر متدنٍ، إذ لا يتم التركيز على حالة الهيكل وأجزاء المحرك المراد استبدالها في عملية التلبيس.
ذكر الشاب الذي عمل في الأصل في مجال دهن السيارات، بكثير من التحفظ، أنّ المركبة تنقل عبر الحدود البرية إلى ليبيا، حيث تفكك بالكامل سوى الهيكل الذي يحمل الرقم التسلسلي، وتعويضها بأجزاء من هيكل ومحرك سيارة من ليبيا بسعر أقل ثلاث مرات من أسعار السيارات في الجزائر، للحصول في نهاية المطاف على مركبة في حالة جيدة بفارق سعر معتبر.
على الرغم من مخاطر الطريق، خاصة في ظل الظروف الأمنية المضطربة المتواصلة في ليبيا، إلا أنّ محمد أكد أنّ هذه الوسيلة أضحت في الفترة الأخيرة تعرف انتشاراً كبيراً في أوساط الشباب، فهم يعتبرونها مصدر رزق، خاصة مع عدم توفر بدائل أقل خطورة للحصول على السيارة في السوق الجزائرية، وإلا فانتظار استئناف استيراد الجديد من قبل الوكلاء المعتمدين، أو الوقوع ضحية أطماع انتهازيين في السوق الداخلية للمركبات المستعملة.

استيراد السيارات المستعملة

قال رئيس جمعية حماية المستهلك وإرشاده، مصطفى زبدي، إنّه ينبغي أولاً معرفة أنّ السوق الوطنية للسيارات هي ثاني أكبر سوق في القارة بعد جنوب أفريقيا، ويكلّف استيراد السيارات الجديدة الخزينة العمومية من 4 إلى 5 مليارات دولار سنوياً. وعلى هذا الأساس "كان لا بد من وجود تنوع في تغطية الاحتياجات الوطنية من هذه المركبات، ما يبرز أهمية فتح مجال استيراد السيارات الأقل من ثلاث سنوات، المستأنف وفقاً لدفتر الشروط في نسخته الأخيرة".
لم يستبعد محدثنا وجود مغامرة ومخاطر عدة في لجوء المواطنين إلى استيراد هذه السيارات المستعملة طبقاً لهذه الصيغة، أولها إلزامية دفع مبلغ مالي مقدماً للمعاملة، وانتظار إتمام الإجراءات بعد ذلك للحصول على السيارة، بينما لا تحميه في ذلك إلا ورقة تنص على دفع هذا القسط من المال، لا ترقى في الحقيقة إلى الحجية الكاملة في نظر القانون، وهو الأمر الذي نصح زبدي بتفاديه إلا إذا كان الشخص المتعامل معه مشهوداً له بالثقة.
وأشار رئيس جمعية حماية المستهلك إلى أنّ "موقع المخاطرة يكمن أيضاً في استيراد السيارات دون الحصول على البطاقة الرمادية، إلى حين استيفاء كل الإجراءات الجمركية وتسجيلها في الجزائر، فهي تُدخل المشتري في متاهات الإدارة، أما طريقة استيراد السيارة الأقل من ثلاث سنوات من جهة موثوقة وعبر تسليم البطاقة الرمادية فهي الأسلم".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

في المقابل، حذّر زبدي من الوقوع ضحية احتيال من نوع آخر، فالتحقّق من سلامة ومسافة سير العربة على وجه الدقة غير ممكن، والمفروض القيام بالمراقبة التقنية أولاً قبل ترسيم عملية الشراء، معتبراً إياها من أبرز الوسائل الوقائية.
ولفت إلى ظهور صفحات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعرض القيام بجميع إجراءات ومعاملات استيراد هذه السيارات المستعملة لصالح مواطنين جزائريين، دون الحاجة لمغادرتهم التراب الوطني، الأمر الذي اعتبر أنّه لا يخلو من مخاطرة، خاصة في حالة دفع أموال ومقدمات دون الحصول على ضمانات حقيقة.

ممارسات احتكارية

في السياق، قال الخبير المالي الاقتصادي، نبيل جمعة، إنّ الاستراتيجية التي تبنتها الجهات المسؤولة تقوم على استيراد 200 ألف سيارة كأقصى حد، حفاظاً على العملة الصعبة وسعياً لتحجيم نفقات الواردات الوطنية، لكنّ ذلك لم يغن من الأمر شيئاً، إذ إنّ الطلب على السيارات بلغ 400 ألف سيارة، بسبب تراكم الطلب على مدار قرابة خمس سنوات من تجميد معاملات الاستيراد.
وذكر المتحدث لـ"العربي الجديد" أنّ الوضع الحالي خلق ندرة في السوق ترجمتها ارتفاعاً كبيراً في أسعار السيارات المستعملة محلياً، كما طفت على السطح ممارسات احتكارية "أبطالها" أشخاص يسعون للاستفادة من الأزمات، من خلال إعادة طرح السيارات الجديدة من طرف الوكلاء للبيع مقابل هامش ربح مرتفع جداً، على اعتبار أن الزبون لا يملك خيارات أخرى.
وأشار جمعة في سياق تحليله للوضع إلى شروط تصل إلى حد التعجيز تفرض على الراغبين في الاستيراد ضمن دفتر الأعباء الخاص بالوكلاء. وقال إنّ "السلطات فرضتها، مخافة تكرار سيناريوهات أخطاء سابقة استعملت فيها معاملات استيراد السيارات مطية لاستنزاف العملة الوطنية وتضخيم الفواتير".
وقال جمعة إنّ عدوى الندرة وارتفاع الأسعار انتقلا أيضاً إلى قطع الغيار (لتغطية حاجيات السيارات في الجزائر وتلك المستوردة (في إطار ما يعرف بأقل من ثلاث سنوات)، فهي تشهد ارتفاعاً كبيراً في السوق، تدفع المستهلك دفعاً نحو البحث عن بدائل أقل ثمناً غير أنّها أقل جودة كذلك، ونسبة كبيرة منها منتجات مقلدة (غير أصلية)، سرعان ما تتلف ليجد المستهلك نفسه مضطراً لدفع ثمنها مرتين أو ثلاثاً أو أكثر من ذلك.
واقترح جمعة الاستفادة من جملة معطيات دولية تحيط بقطاع صناعة السيارات، مشيراً إلى فائض كبير في أوروبا وآسيا يمكن اقتناؤها بأقل تكلفة ممكنة، من أجل إشباع الاحتياجات الوطنية ودفع الأسعار نحو الاستقرار، والاستفادة كذلك من أزمة بعض المصنّعين، على غرار فولكس فاغن، واغتنام هذه الفرصة لافتكاك صفقات اقتناء كميات من السيارات للعلامة الألمانية بأسعار تفاوضية لصالح الخزينة العمومية والمستهلك.