بريق الذهب يجذب المستثمرين والحكومات وسط أمواج التوترات

24 أكتوبر 2024
عامل يصب سبائك الذهب في مصنع تكرير بمدينة نوفوسيبيرسك الروسية، 15 سبتمبر 2023 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الذهب كملاذ آمن: مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأوروبا، ارتفع الطلب على الذهب، حيث تجاوز سعر الأونصة 2747 دولاراً، مما يعكس مخاوف المستثمرين من النزاعات العالمية والانتخابات الأمريكية المقبلة.

- استثمارات متزايدة: زادت استثمارات الشركات العائلية والبنوك المركزية في الذهب، حيث ارتفعت الأصول المدارة إلى 5.5 تريليونات دولار، وبلغت نسبة الذهب في احتياطيات البنوك المركزية 11%، لحماية الأصول من العقوبات.

- توقعات الأسعار: يتوقع المحللون استمرار ارتفاع أسعار الذهب، مع تقديرات بوصول الأونصة إلى 2800 دولار في الربع الأخير من العام و3000 دولار في العام المقبل، مدعومة بالطلب المتزايد والسياسات النقدية المتغيرة.

يزداد الذهب بريقاً وسط تصاعد وتيرة التوترات والحروب، لاسيما في الشرق الأوسط، وبين روسيا وأوكرانيا، حيث تتشكل تحالفات عسكرية تنذر بصراعات عالمية أشد ضراوة، ما يرفع من معدل الخوف لدى المستثمرين خاصة الكيانات العائلية والبنوك المركزية، والتي تحول جزءا من سيولتها المالية إلى سبائك ذهبية وتضعها في خزائن آمنة في متناول اليد، مستفيدة في ذلك من المصادرات التي طاولت احتياطيات روسيا وفنزويلا لدى الغرب في السنوات الأخيرة.

واخترق المعدن النفيس حاجز 2747 دولاراً للأونصة (الأوقية)، أمس الأربعاء، مسجلاً أعلى مستوى له على الإطلاق، حيث يستمر الطلب عليه ملاذا آمنا مع مراقبة المستثمرين الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وسط مخاوف من تصاعد النزاع بين إسرائيل وإيران إلى حرب أوسع نطاقاً، فضلا عن تطورات الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة المقررة في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

وباتت خزائن الذهب تجتذب زخماً هو الأكبر منذ عقود، فالمعدن الأصفر في خضم نهضة غير عادية، حيث قفز بنسبة 38% خلال عام. وبينما لم يكن المعدن النفيس يستهوي الكثير من أباطرة المال حول العالم في السنوات الماضية، على رأسهم الملياردير الأميركي "وارن بافيت" الذي يرى أن الرهانات على الذهب يقوم بها أولئك الذين يخشون الأصول الأخرى، وأنه يستفيد من الخوف، فإن الوقت الحالي يشير إلى أن الخوف ينتشر، والكثير من المستثمرين خائفين، وفق تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية.

ومن بين المؤسسات الاستثمارية الأميركية التي تدير أكثر من 100 مليون دولار من الأصول، أفاد ربعها فقط بامتلاك أسهم في صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب، وفقاً لديرك باور ولاي هوانغ الباحثين في جامعة غرب أستراليا. ويروج عشاق الذهب لتوقعات تبدو غريبة لتبرير رهاناتهم، في نظر بعض المحللين، منها التخلف الوشيك عن سداد الديون الأميركية، والإطلاق المفترض لعملة مدعومة بالذهب من قِبَل الصين وروسيا، ولكن هناك المزيد من الناس باتوا مقتنعين بأن الأمور تتجه حقاً عالمياً نحو الانحدار مقارنة بما كان عليه الحال قبل بضع سنوات فقط، وهناك أسباب أكثر عقلانية للبرهنة على ذلك.

الشركات العائلية تزيد استثمارها في الذهب

وفي هذه الأجواء تنمو الشركات العائلية بسرعة، وهي أداة الاستثمار المفضلة للأثرياء من القطاع الخاص، فقد ارتفعت الأصول الخاضعة للإدارة من جانبها من 3.3 تريليونات دولار في عام 2019 إلى 5.5 تريليونات دولار اليوم، ويريد العديد من المستثمرين حماية ثرواتهم من النتائج المأساوية. ووفقاً لشركة "كامبدن ويلث" (Campden Wealth)، وهي شركة استشارات، فإن أكثر من ثلثي شركات العائلات تستثمر في الذهب. ويأتي الكثير من الطلب من آسيا، حيث تشكل الصين والهند خمس الناتج الاقتصادي العالمي، ومع ذلك تشكلان نصف مشتريات المستهلكين من الذهب. كما أن المواطنين الألمان والسويسريين هم الأوروبيون الوحيدون الذين يتحركون بنفس الحماس.

وعلاوة على ذلك، فإن شغف الصينيين والهنود بالذهب آخذ في النمو. ففي الصين دفعت أزمة العقارات الناس الذين لديهم رأس المال إلى البحث في أماكن أخرى. وارتفعت مشتريات سبائك الذهب والعملات المعدنية بنسبة 44% على أساس سنوي حتى يونيو/حزيران 2024. ومع ازدياد ثراء الهند، أصبح المزيد من الناس قادرين على شراء الذهب. ومن بين الأمور المترتبة على ذلك أن الإقراض المدعوم بالذهب قد انطلق. وشهدت شركة "موثوت فاينانس" (Muthoot Finance)، وهي واحدة من هذه الشركات المقرضة، ارتفاع سعر سهمها إلى ثلاثة أمثاله تقريباً على مدى السنوات الخمس الماضية.

ولكن هناك فئة أخرى من المستثمرين، ربما الأكثر جنوناً، هي التي دفعت الارتفاع الأخير للذهب حقاً، إنهم مديرو الاحتياطيات في البنوك المركزية. فبينما انخفضت حصة الذهب في احتياطيات البنوك المركزية لعقود من الزمن، من نحو 40% في عام 1970 إلى 6% فقط في عام 2008، صعدت في الآونة الأخيرة بشكل مطرد، حتى وصلت إلى 11% في العام الماضي، وهو أعلى مستوى لها في أكثر من عقدين من الزمان.

وكان غزو روسيا لأوكرانيا، وتجميد احتياطياتها من العملات الأجنبية في وقت لاحق، لحظة محورية. فقد أظهر لمديري الاحتياطيات أنه إذا تم وضع بلادهم تحت العقوبات، فلن تكون سندات الخزانة الأميركية وغيرها من الأصول الآمنة المفترضة المقومة بالعملات الغربية ذات فائدة. ومنذ بداية عام 2022، اشترت السلطات النقدية في الصين وتركيا والهند 316 و198 و95 طناً من الذهب على التوالي، وفقاً لمجلس الذهب العالمي.

البنوك المركزية تُبقي الذهب تحت يدها

وبدلاً من الاستثمار في صناديق الاستثمار المتداولة، تعمل البنوك المركزية في الغالب على تكديس الذهب، والتأكد من وجوده في متناول اليد، فكما تواجه الأصول المالية احتمال المصادرة، فإن الذهب المحتفظ به في الخارج يواجه نفس المشكلة. على سبيل المثال، رفضت الحكومة البريطانية إعادة عشرات الأطنان من الذهب إلى فنزويلا، لأنها لا تعترف بنيكولاس مادورو رئيسا شرعيا.

وعلى الرغم من أنه ليس كل البنوك المركزية التي تستحوذ على الذهب لديها علاقات متوترة مع الغرب، فإن بنوكا ومؤسسات مثل سلطة النقد في سنغافورة جمعت 75 طناً منذ بداية عام 2022. كما رفع البنك الوطني البولندي حيازاته بمقدار 167 طناً خلال نفس الفترة في جزء من استراتيجية للاحتفاظ بنسبة 20% من الاحتياطيات في الذهب. وأشار آدم غلابنسكي، رئيس البنك المركزي البولندي مؤخراً، إلى الذهب باعتباره تحوطاً استراتيجياً، قائلا إن "سعر الذهب يميل إلى الارتفاع على وجه التحديد في الأوقات التي قد يحتاج فيها البنك المركزي إلى ذخيرته أكثر من أي وقت مضى". وفي سبتمبر/أيلول الماضي، افتتحت جمهورية لاوس في جنوب آسيا بنكا للسبائك في عاصمتها.

ويبدو أن الطلب من البنوك المركزية من غير المرجح أن ينخفض في أي وقت قريب. وفي استطلاع للمستثمرين السياديين أجرته شركة "Invesco Asset Management" هذا العام، لم يتوقع أي من البنوك المركزية البالغ عددها 51 بنكاً تقليص مخصصاتها من الذهب في السنوات الثلاث المقبلة، وتوقع 37% زيادتها. ومن بين محافظي البنوك المركزية، يعتقد نحو 56% أن الذهب يوفر الحماية ضد "تسييس" احتياطيات البنوك المركزية، ويرى 70% أنه بمثابة تحوط ضد التضخم.

وقد يشتري المستثمرون الأثرياء المزيد من الذهب أيضاً. ولكن بالنسبة لموردي الذهب فإن الهدف الحقيقي هو المؤسسات الاستثمارية، فجلب جزء ضئيل فقط من عشرات تريليونات الدولارات التي تديرها سيكون بمثابة نعمة ضخمة. ويشير بنك "غولدمان ساكس" الأميركي إلى أن الطلب على صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب يميل إلى الارتفاع أيضا مع انخفاض أسعار الفائدة. فخفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية يؤدي عادة إلى زيادة حيازات صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب بنحو 60 طناً، بقيمة 5 مليارات دولار.

2800 دولار للمعدن الأصفر بنهاية 2024

وكتبت سوكي كوبر، المحللة لدى بنك "ستاندرد تشارترد"، في مذكرة وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس الأربعاء أن "قدرة الذهب على الاستفادة من التوجهات التي تدفع الأسعار إلى الارتفاع، بغض النظر عن الخلفية الاقتصادية، تعكس استمرار التدفقات الإيجابية للأموال نحو السوق". ويتوقع البنك أن يصل متوسط سعر الذهب إلى 2800 دولار للأونصة (الأوقية) في الربع الأخير من العام الجاري، مع احتمالية بلوغه 2900 دولار في الربع الأول من عام 2025. كما توقع فيفيك دهار المحلل في مصرف "كومنولث بنك أوف أستراليا"، في مذكرة له قبل أيام، أن يصل سعر الذهب إلى 3000 دولار في الربع الأخير من العام المقبل.

وفي السياق، قال أنطونيو إرنستو دي جياكومو، محلل السوق في موقع "xs.com" للتداول، إن الارتفاع الجديد للمعدن النفيس يعكس الطلب على الملاذ الآمن في ظل عدم اليقين الجيوسياسي والتوترات الدولية والسياسات النقدية المتغيرة.

وأوضح دي جياكومو في مذكرة، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، أمس، أنه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن التكهنات حول التغييرات المحتملة في السياسة الاقتصادية للبلاد تدفع المستثمرين إلى البحث عن أصول أكثر استقراراً مثل الذهب. وأضاف أن التوترات الجيوسياسية، وخاصة الحرب في الشرق الأوسط، أدت أيضاً إلى رفع مستويات عدم اليقين، لافتا إلى أنه نظراً للتوترات المستمرة، فمن المرجح أن يظل الذهب خياراًجذاباً.

المساهمون