أخذت زراعة الزعفران، المعروف بالذهب الأحمر لارتفاع ثمنه عالمياً، طريقها نحو الانتشار في أفغانستان، بعد أن جذب بريق مكاسبه الكثير من المزارعين في أقاليم عدة، بينما بدأ قبل سنوات بشكل محدود في إقليم هرات المجاور لإيران.
وتقول وزارة التجارة الأفغانية إنها تمكنت، بفضل تحسين زراعة وإنتاج الزعفران، أن تحصل على موطئ قدم بين عشرات الدول المنتجة له، مشيرة إلى أن الزعفران يحل رويداً رويداً محل حقول الخشخاش (مصدر للمواد المخدرة مثل الأفيون والهيروين والمورفين).
واستحوذ زعفران أفغانستان أخيراً على الترتيب الأول عالمياً لعام 2020، بحسب المعهد الدولي للتذوق ومقره بروكسل. ووفق بيانات صادرة عن وزارة التجارة، أنتجت أفغانستان في العام الماضي نحو 30.25 ألف كيلوغرام من الزعفران، بزيادة بلغت نسبتها 30% عن عام 2019. وتشير دراسات محلية إلى أن ثلثي العاملين في إنتاج الزعفران نساء ولهن دور كبير في زراعته وإنتاجه.
وفي هذا الشأن، تقول الناشطة ملالي مولوي زاده لـ"العربي الجديد" إن نساء أفغانستان يمكنهن تغيير الحالة المعيشية الهشة للبلاد، من خلال العمل في الحقول المعيشية المختلفة، وإنتاج الزعفران دليل على ذلك، لأنهن يشتغلن بشكل كبير في هذا المجال. غير أن العادات والتقاليد السائدة في البلاد ما تزال عقبة كبيرة في وجه تقدّم النساء في هذا المجال، وفق زاده.
كما تقول زهراء أحمد زاي، نائبة حاكم إقليم بكتيا (جنوب شرق): "نعمل لترويج زراعة الزعفران في الإقليم، كما نعمل لأن يشتغل أكبر عدد من النساء في هذا المجال"، مؤكدة أن هناك أعداداً كبيرة من النساء أرامل وهن يقمن بأمور منزلهن، وبالتالي فإن انشغالهن في زراعة الزعفران وإنتاجه مجال مناسب جداً، والحكومة تبذل قصارى جهدها لمساعدة هؤلاء النساء".
وبينما كانت زراعة الزعفران تقتصر قبل سنوات على إقليم هرات المجاور لإيران (غرب)، فقد شهد رواجاً خلال العامين الماضيين في أقاليم أخرى مثل إقليم بغلان (شمال) ودايكندي (وسط)، حيث تقول الحكومة المحلية في إقليم دايكندي إن هناك ازدهارا لزراعة الزعفران مكان زراعة الأفيون والمحاصيل الزراعة الأخرى.
ووفق إدارة الزراعة المحلية في الإقليم، في تصريح صحافي مؤخرا، أنتج الإقليم نحو 150 كيلوغراماً من الزعفران العام الماضي، بينما كان نتاج العام السابق عليه 90 كيلوغراماً فقط، متوقعا أن تشهد الأعوام القادمة ازدهارا كبيراً في زراعة الزعفران.
كذا الحال في إقليم بغلان (شمال) حيث إن الجو بارد نسبياً، وهناك ترويج كبير لزراعة الزعفران، حيث تقول الإدارة المحلية للزراعة إنه جرى إنتاج 30 كيلوغراماً العام الماضي، مقابل 17 كيلوغراما في 2019، ما يشير إلى رغبة المزارعين في زراعة الزعفران أكثر.
ثمة أيضا محاولات في الأقاليم الجنوبية لترويج زراعة الزعفران، ففي إقليم بكتيا أقامت الحكومة المحلية في ديسمبر/كانون الأول الماضي ورشة عمل استمرت ثلاثة أيام للمزارعين تعلموا من خلالها زراعة الزعفران وإنتاجه، ولاقت الخطوة قبولا واسعا في أوساط المزارعين.
لكن خطوات الذهب الأحمر نحو تحقيق نجاحات أكبر أمام زراعة الخشخاش التي تشهد انتشاراً واسعاً في أفغانستان لا تبدو سهلة، وفق الزعيم القبلي محمد ضمير، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، مؤكدا أنه ما يزال للحرب تأثير على الزراعة، ومن نتائجها ترويج زراعة الخشخاش المنتج للأفيون والهيرويين.
ويوضح ضمير أن الأقاليم التي تعاني من ويلات الحرب لم تصلها المحاصيل الزراعية الأخرى كالزعفران، مشيرا إلى أن إقليم هلمند (جنوب) على سبيل المثال، بؤرة حرب بين طالبان والحكومة الأفغانية وأيضا بؤرة للأفيون، إذ أن زراعة الخشخاش هي الرائجة والحرب تغذيها. ويلفت إلى أنه بسبب الحرب والنزوح الناتج عنها، لم يتمكن المزارعون من ترويج الزعفران والمحاصيل الزراعية الأخرى، رغم أن جو الجنوب الأفغاني مهيأ لها.
لكن رئيس الزراعة في الإقليم زلمي ألكو، يرفض ما يقوله ضمير، حيث يرى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن زراعة الزعفران قد وصلت إلى هلمند رغم تبعات الحرب المستعصية على جميع مناحي الحياة، وتحديداً الزراعة. مضيفا أن "المزارعين زرعوا الزعفران في مناطق مختلفة من إقليم هلمند وحصلوا على نتيجة جيدة، وهذا العام سيكون الاهتمام أكبر"، لكنه لا ينفي أن الحرب تروج الأفيون، لأن أطراف الصراع مستفيدة منه.
ووفق محمد أسلم، أحد الموظفين في إدارة الزراعة المحلية في هلمند، تسعى الحكومة إلى استخدام جميع الوسائل المتاحة في إقناع الفلاحين بزراعة الزعفران بدل الخشخاش، متوقعا، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تشهد زراعته رواجاً في السنوات المقبلة في الإقليم، لأنه سيؤثر حتما على المستوى المعيشي للناس، إذ أن الكيلوغرام الواحد من الزعفران يباع في السوق بألفي دولار أميركي، بينما تعبه وعناؤه أقل مقارنة بالتعب في زراعة الخشخاش.
لكن الزعامة القبلية تتهم الحكومة بالتباطؤ في أن يظل الخشخاش حاضراً في المشهد، إذ يقول الزعيم القبلي في هلمند ولي داد لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة لا تعمل بشكل جاد لترويج زراعة الزعفران، لأن في الأفيون مصالح مالية للمسؤولين المحليين وللجماعات المسلحة والناس لا يقبلون التغيير بسهولة، لكن إذا أرادت الحكومة أن تعمل بجد فسوف نتخلص بسهولة من زراعة الخشخاش الذي بسببه أصبحت شريحة كبيرة من الشباب مدمنة للمخدرات، وليس فقط زراعة الخشخاش، بل إن الكثير من سكان هلمند والأقاليم الجنوبية يزرعون الحشيش، وزراعة الزعفران تقضي على كل ذلك".
ويقول الناشط عتيق الله زمن لـ"العربي الجديد" إن كثيراً من أقاربه كانوا يزرعون الخشخاش في حقولهم، لكن منذ عامين يزرعون الفراولة ويحصّلون منها أموالا لا بأس بها، وبالتالي جميعهم تركوا زراعة الخشخاش، غير أن زراعة الزعفران لا تزال غير موجودة في شرق أفغانستان، مطالبا الحكومة بالعمل من أجل ترويج الزراعة في الشرق كي تحل محل الخشخاش.