من المفروض أن تعقد قمة دول مجموعة بريكس (BRICS) اجتماعها المقبل عام 2023 في جنوب أفريقيا، حيث يترأس رئيسها، سيريل رامبوزا، الاجتماع.
وقد صرّح الرئيس رامبوزا أنّ السعودية أبدت اهتماماً في أن تكون عضواً في هذه المجموعة التي تضم حتى الآن خمس دول هي: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا. وبحسب الرئيس الجنوب أفريقي، لم تكن السعودية الدولة الوحيدة طالبة الانضمام، بل أبدى الرئيس الأرجنتيني، ألبرتو فيرنانديز، رغبته بذلك أيضاً.
وللتذكير، تضم مجموعة بريكس في عضويتها الراهنة دولتين من الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن الدولي هما (روسيا والصين)، ويبلغ عدد سكانها حوالي 3.2 مليارات نسمة، أو 41% من سكان العالم. ويبلغ مجموع ناتجها المحلي الإجمالي 26.6 تريليون دولار أو 26.2% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي الدولي.
ومن المفيد ذكره في هذا السياق أن مجموعة "بريكس" 5 التي أسستها دول تشكل اقتصادات ناشئة قد بحثت، في قمتها أخيرا مجالات التعاون الاقتصادي عن طريق إنشاء بنك دولي جديد، وتكوين اتفاقية احتياطية للطوارئ، ونظام مدفوعات دولي جديد، وعملة احتياط دولية تعتمد على سلة عملات الدول الأعضاء كأحد البدائل، أو سلة عملات احتياطية بدل الاعتماد المطلق على الدولار.
ولو تأملنا فعلاً في الإجراءات التي بُدئ تنفيذها فوراً بعد حرب أوكرانيا التي اندلعت في 24 فبراير 2022، والمواجهة في بحر الصين بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان، والمقاطعات والحصارات الاقتصادية الممارسة ضد كلّ من روسيا والصين، فإننا نرى أنها بدأت تمسّ الدولار بوصفه عملة احتياط دولية، وتمسّ نظام المدفوعات الدولي الراهن، والبنك الدولي الحالي الذي يرأس مجموعته مواطن أميركي.
إذاً، مقترحات القمة الرابعة لمجموعة بريكس والتي عقدت افتراضياً برئاسة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، يوم الثالث والعشرين من يونيو/ حزيران عام 2022، قد نقلت مفهوم بريكس إلى مستوىً جديد لم تبلغه من قبل.
وبإعادة انتخاب الرئيس الصيني مساء يوم السبت الماضي بعد إعادة تشكيل المجلس الأعلى "البوليتبيرو" (Politburo) ما مكّنه من مسك زمام الأمور بقوة خلال السنوات المقبلة، فإن "بريكس" مرشّحة لمزيد من التعاون فيما بينها، وإلى تبنّي سياسات أكثر عدوانية وجرأة لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي باتجاهٍ لا ترضى عنه الولايات المتحدة، ولا دول الاتحاد الأوروبي.
وحتى في أوروبا، يبدو أنّ هناك نوعاً من النقمة على الموقف الأوروبي من التأييد المطلق في الحرب المعلنة على روسيا من خلال أوكرانيا.
وصرنا نرى مظاهراتٍ في شوارع العواصم الأوروبية تطالب الحكومات بأن تنفق أكثر على دعم الطاقة والغذاء والاستهلاك، وتبدي الشعوب هناك احتجاجها المرير على الحرب الأوكرانية وتطالب بوقف تلك الحرب فوراً.
ومن نتائج ذلك في أوروبا، بالطبع، أن نرى صعوداً في التيارات الوطنية المتشدّدة كما حصل في إيطاليا عندما فاز تحالف القوى اليمينية، وأحزاب تتعاطف مع روسيا بقيادة جورجيا ميلوني المحافظة والداعية إلى وقف هجرة اللاجئين إلى بلدها. ورأينا ذلك في الدول الأوروبية الشرقية. وضحكنا كذلك معاً على الدعابات الساخرة من رئيسة وزراء المملكة المتحدة السابقة ليز تراس بسبب التقلب في سياساتها الاقتصادية لمعالجة أزمتي الغلاء والطاقة.
أمام هذه الظروف المتقلبة، لا بد أن تكتسب أوروبا، ممثلة في الاتحاد الأوروبي، شجاعة أكثر في مخاطبة الولايات المتحدة، لكي تعمل معها على إيقاف الحرب في أوكرانيا، والتصالح مع روسيا.
وبالنسبة لمجموعة بريكس، فإنّ الصين، كدولة، أقوى من شريكاتها الأخريات بمراحل، أما الهند فستقبل الدور الثاني، لكنها لن تكون مقتنعة بمقارعة الولايات المتحدة.
وإذا فاز الرئيس الأسبق لويز لولا داسيلفا (لولا) على خصمه جاير بولسونارو في انتخابات الرئاسة المقبلة في البرازيل، فإنه سيضيف عنصراً متشدّداً جديداً حيال الولايات المتحدة. ولو فاز بولسونارو اليميني المتشدد، فإنه أيضاً لن يجازف بموقعه في "بريكس" لينحاز إلى الولايات المتحدة.
أما بالنسبة لجنوب أفريقيا، الأمر مهم جداً لها بسبب حرصها على أن تكون دولة ذات شأن. ولهذا، يمكن أن نستنتج من هذا الاستعراض السريع، أو الغلوة الأولى، أنّ أخبار طلب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، من الرئيس الجنوب أفريقي الانضمام لبريكس تأتي في ظروف حالية ومتوقعة، تجد فيها الولايات المتحدة نفسها معزولة ومتهمة بأنّها ضالعة في سياسات هجومية لا يرضى عنها كثيرون من سكان العالم ودُوَلِه. ولهذا، فإنّ ردة فعل الولايات المتحدة تجاه السعودية إذا ما قُبِلت عضويتها في "بريكس" غير محايدة، بل وهجومية.
ولكن ماذا ستضيف السعودية إلى مجموعة بريكس؟
يقدّر حالياً الناتج المحلي الإجمالي للسعودية. والذي سينمو بمعدّل مرتفع هذا العام يبلغ 8% بحوالي 900 مليار دولار، أو 3.4%، وهي الإضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس، وسيزيد سكان المجموعة بحوالي 34 مليون نسمة أكثر من ثلثهم من الوافدين، أو ما نسبته أكثر من 1% بقليل.
لكنّ قيمة السعودية لمجموعة بريكس مالياً وتنموياً أكثر من ذلك بكثير. وإذا أصبحت السعودية عضواً في مجموعة بريكس، فإنّ اسم المجموعة سيتغير ليصبح سبيريكس (SBRICS).
وإذا دخلت السعودية، فمن غير المستبعد أن تدخل الأرجنتين، والتي تعاني من مشكلات أكثر بكثير مما ستقدّمه من إضافة نوعية لهذه المجموعة التي تأسست عام 2006.